مزايدة وتواطؤ

فضيلة بودريش
29 نوفمبر 2019

تبقى الجزائر كعادتها ثابتة على مبادئها متمسكة بمواقفها المتزنة، متشبثة بقناعتها الراسخة في عدم التدخل في شؤون الدول، وترفض أي إملاءات خارجية، لأنه لا يمكن لأي طرف أوجهة أن تكون أكثر حرصا على مصالحها الخاصة، والجزائر التي تجاوزت الإرهاب وحيدة مدعومة بوحدة وصمود شعبها، كانت دبلوماسيتها دوما تنشد السلم والحوار والإصلاح في مختلف بؤر التوتر من العالم.
ولا يخفى على أحد أن البرلمان الأوروبي خاصة الشعوب الأوروبية، كانت دائما تجد في الجزائر المتعامل الوفي والملتزم والشريك المنفتح في المسائل الاقتصادية والتجارية وحتى التكنولوجية، أبرزها تموين السوق، وتأمين مصالح هذه الشعوب بما تحتاجه من الطاقة خاصة في أوقات الأزمات الطاقوية.
الجزائر على ضوء مؤشراتها مع البرلمان الأوروبي خاصة عقد الشراكة، الذي يخدم بشكل كبير ومفضوح الطرف الأوروبي، لم تساوم يوما في المسائل التي تهم الشعوب خاصة الإنسانية منها، بالنظر إلى الطريقة التي واجهت بها المجتمعات الأوروبية أزمة شرق القارة العجوز، ويتعلق الأمر بأزمة أوكرانيا حيث الجزائر لم تستثمر في هذا النزاع، وإنما أبانت عن سلوك إيجابي، ولم تبخل في الدعوة إلى التضامن واحترام المصالح المتبادلة للدول.
إذا اليوم كيف لأوروبا التي تجرعت في السابق ويلات الحروب، وتكبدت قسوة الدمار ممثلة في البرلمان الأوروبي، أن تنزعج من بلد وشريك، فقط لأنه انتهج المسار الديمقراطي وحافظ على الشرعية الدستورية ومنع حدوث الفوضى أو الانزلاق الأمني، وقطع الطريق أمام الأيادي المأجورة التي تصطاد في المياه العكرة، كيف لها أن تنتقد أوتحتج على بلد يستمد من حراكه الباهر، الذي ينظم كل يومي جمعة وثلاثاء قيم السلم والتحضر، فنجد العديد من اللبنانيين والعراقيين يستلهمون في حراكهم من تجربة الجزائريين الرائدة الكثير، حيث يرفعون علمها خفاقا ويحاكون سلميتها.
كان الأحرى أن ينتفض البرلمان الأوروبي، ويساعد في الاستجابة لمطالب الآلاف من أصحاب السترات الصفراء بقلب باريس، وحماية الحقوق المهنية والاجتماعية المشروعة للفئات الهشة، أرهقتها الظروف المعيشية الصعبة للعيش حياة كريمة، كان الأحرى أن يتحرك أعضاء البرلمان الأوروبي دعاة الدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل إنهاء معاناة الضعفاء في العالم، الذين يموتون بسبب الحروب والإرهاب والجوع والفقر والجهل، والأجدر أن يبسط إنسانيته على تجار الموت حتى يعيش الإنسان في عالم آمن.
لماذا لا تتحرك أوروبا لإنهاء الدمار الذي يشتت ليبيا وينسف بنيتها التحتية ويعبث بنفطها وخيراتها، ويشرد شعبها المسالم، ولماذا لا تتخذ قرارات ضد إسرائيل لوقف تجاوزات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وغض الطرف عن حصار غزة والقصف الوحشي لمدنييها وفصلها عن العالم وحرمان سكانها من الحياة.
يأتي كل ذلك في وقت يشارك فيه البرلمان الأوروبي الذي يزايد ضد الجزائر من دون وجه حق، بمواقف ظالمة ومبيتة تخفي أطماعا لا تخدم الشعوب الأوروبية وإنما تندرج في مسار ارتباط أعضاء بالبرلمان الأوروبي بالحركة الصهيوينة، فيساهم بصمته وتواطئه في تعطيل حل القضية الصحراوية وعرقلة حق تقرير مصير الشعب الصحراوي، الذي مازال يئن تحت وطأة الظلم، وتستنزف خيرات أرضه أمام أنظار العالم أولها البرلمان الأوروبي.
الأولى بالبرلمان الأوروبي الاهتمام ببيته ومشاكل شعوبه، خاصة أن وحدته بدأت تتآكل بفعل صعود اليمين المتطرف، ولعل من يعيش بأي دولة ينبغي أن يحترم منظومتها القانونية، ولا يخرق ترسانتها التشريعية، والجزائر مدركة أكثر من أي وقت مضى ما يناسبها من حلول ولا تحتاج إلى وصاية خارجية، ويبدو أن تبنيها لمسار الانتخابات الرئاسية، الذي يقترب من التجسيد أقلق أعداءها، وجعل مصالحهم المرتبطة بتأزم الوضع ودعاة المرحلة الانتقالية في مهب الريح.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024