في غمرة احتفاء الجزائر ببلوغ السنة الخمسين من استرجاع السيادة والخلاص من الاستعمار الفرنسي، وافت المنية الرئيس الشاذلي بن جديد عن عمر ناهز الثلاثة والثمانين سنة، قضاها في خدمة البلاد، بدءا من مرحلة الكفاح والانضمام لنخبة الوطنين الأحرار الذين قادوا الثورة التحريرية إلى مرحلة بناء الدولة الجزائرية الحديثة.
وحتى وإن لم يعرفه الشعب إلا بعد توليه رئاسة الجمهورية عقب الراحل هواري بومدين، إلا أن مساره الثوري في المنطقة الشرقية والمسؤوليات العليا التي تقلدها في المؤسسة العسكرية، مكنته من أن يكون ذلك الرجل القادر على خدمة الوطن كرئيس يملك رؤية سياسية وفكرا نابعا من حاجة المواطن إلى حياة أفضل، وهذا بتوفير بيئة اقتصادية واجتماعية ملائمة، ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف الدولية المحيطة، التي تميزت حينها بالانفتاح على جميع الأصعدة، وكانت السبيل الوحيد لمجاراة بقية الدول الناشئة التي تبحث عن تعزيز مكانتها والاستفادة من التطورات الحاصلة في شتى الميادين.
لقد كان الشاذلي بن جديد مخلصا في خدمة الجزائر كرئيس وكمجاهد ضمن صفوف جيش التحرير، وسعى إلى رسم إستراتيجية حكم مواكبة للتحولات الدولية التي حملتها رياح الانفتاح الاقتصادي والسياسي آنذاك، وهو ما جعل سنوات حكمه بمثابة الحلقة المفصلية في الحياة السياسية للجزائر التي ألقت بظلالها على جل القطاعات الأخرى، بإجراء تحول جذري نحو الديمقراطية والتعددية، بعدما استجاب دون تردد لرغبة الشعب وكانت بذلك الجزائر سباقة إليها قبل كثير من الدول. وهو ما جعله يلقب بأبي الديمقراطية في الجزائر.
انتقل الشاذلي بن جديد إلى الرفيق الأعلى بعدما شهد على وصول البلاد إلى مرحلة متقدمة، بدأ معها الشعب يلامس طموحاته، وغادر كهرم شامخ وسيبقي تاريخه مخلدا وقدوة للجيل الحالي، الذي يريد استلام المشعل من أمثاله من رجالات التاريخ الجزائري الحديث، الذين ضحوا في خدمة البلاد والعباد كل بمنهجه ورؤيته.
نعم، بمغادرته تكون الجزائر قد فقدت ثالث رئيس لها لكن خصال هؤلاء ستبقى من مقومات وهوية هذا الوطن المجيد، بعد تضحياتهم الجسام في سبيل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة.
.. في وفاة ثالث رئيس
حمزة محصول
05
أكتوير
2012
شوهد:2426 مرة