نجاح دبلوماسي وحرب مستمرة على الإرهاب

اتفاق السلام في مالي مرجعية وليبـيا محطـة الأنظـار

حمزة محصول

عرفت القارة الإفريقية خلال 2015، أحداثا سياسية واقتصادية بارزة، منها ما دوّن في سجل النجاحات وخانة التطورات الأيجابية، ومنها ما أضيف إلى قائمة الأزمات والتحديات العصيبة... أمام هذا كله، يواصل الأفارقة البحث عن الآليات التي تسمح لهم بتوفير شروط التقدم والتنمية واستعادة الأمن والاستقرار.
كانت 2015 بالنسبة لعديد البلدان الإفريقية محطة تأمل وتقييم، باعتبارها التاريخ النهائي لأهداف الألفية التي وضعتها الأمم المتحدة للقارة في قمة الألفية 2000. وفي الوقت الذي نجحت بعض الدول، على غرار الجزائر، في تحقيق كافة الأهداف، بقيت أخرى تعاني نقائص في قطاعات حساسة كالصحة والتعليم والشغل والتغذية.
الهيئة الأممية، أقرّت في النصف الثاني من السنة الحالية، 17 هدفا جديدا لآفاق 2030، واضعة القضاء على الفقر والتكفل بالشباب وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على رأس الأولويات، داعية إلى تضافر جهود المجموعة الدولية، حاثة الدول المتطورة على مد يد العون للبلدان السائرة في طريق النمو.
إلى جانب هذه الأهداف، واصلت الدول الإفريقية تكثيف عملها على جبهتي الأمن والتنمية الاقتصادية، حيث ارتكزت نقاشات الاتحاد الإفريقي بجميع هيئاته وآلياته، على سبل التصدي للخطر الإرهابي المتصاعد والجريمة المنظمة بمختلف أشكالها ومشاكل الهجرة غير الشرعية من جهة، ودراسة المخططات الكفيلة بتطوير الاندماج الاقتصادي الإفريقي ورفع وتيرة النمو وتحقيق الأمن الغذائي من جهة أخرى.
جهود مضنية لاستعادة السلم
وضع رؤساء دول وحكومات البلدان الإفريقية، رهان الأمن والسلم على رأس الأولويات التي تستدعي حلولا ناجعة وعاجلة، معتقدين باستحالة قيام تنمية اقتصادية دون مناخ ملائم يتسم بالهدوء والسكينة.
على هذا الأساس، باشرت المجموعات الجهوية للقارة عدة ورشات لإعادة ترتيب الأوضاع في البلدان التي تعاني أزمات داخلية وتواجه الخطر الإرهابي، الذي يتنامى من فترة إلى أخرى ويسجل حضوره في المشهد من خلال استهدافه الأبرياء من المدنيين وتنفيذ اعتداءات دموية بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان.
استطاعت إفريقيا تحقيق أحد أكبر الانتصارات في هذا الحقل الحساس، بعدما انتهى الفرقاء الماليون إلى التوقيع على اتفاق السلم والمصالحة الوطنية بالجزائر، عقب مفاوضات طويلة، قادت وساطتها بلادنا وشاركت فيها المجموعة الدولية ممثلة بهيئة الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي، دول الساحل الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.
الاتفاق الموقع يومي 15 ماي و20 جوان 2015، هو بمثابة نموذج لصناعة السلام في القارة سلميا، ومن قبل البلدان الإفريقية وأطراف الأزمة أنفسهم، دون أي تدخل مؤثر للقوى الأجنبية.
النجاح الأولي الذي تحقق للماليين لا يعنيهم لوحدهم، إنما يخص جميع البلدان الإفريقية، بحيث أعطى كل الآمال لنجاح وساطات لأزمات ممثلة.
في 17 أوت الماضي، استطاع الإخوة الفرقاء في جنوب السودان، توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ في 20 من ذات الشهر. ورغم هشاشة الاتفاق ميدانيا، على حد وصف المحللين ومتتبعي الشأن القاري، إلا أنه شكل خطوة هامة لوقف الاقتتال الدامي في هذه الدولة الناشئة سنة 2011، والتقليل من المآسي الإنسانية المترتبة عنه.
ووقعت حكومة الرئيس سلفاكير ومعارضه رياك ماشار، على الاتفاق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ما جعل المسار لا يخرج عن الحدود الإفريقية، وحتى وإن كانت نتائجه محدودة على الأرض، يظل قاعدة أساسية لبناء سلام مستدام.
كانت 2015 التي شارفت على النهاية، سنة الحوار الليبي بامتياز، حيث ترسخت قناعة لدى الأطراف بعدم اتخاذ سبيل للخروج من الأزمة غير الحوار السياسي والجلوس إلى طاولة المفاوضات، رافضة بشكل قطعي التدخل الأجنبي.
هذا الموقف تبنّته بقوة الأمم المتحدة، التي تحمّلت مسؤولية ما أفسدته بقرارها الصادر 2011 والذي أباح لـ «الناتو» التدخل في ليبيا. واستطاعت بعد جهود مكثفة ومساعدة حثيثة من دول الجوار، التي قدمت المشورة السياسية لها وللفرقاء الليبيين، أن تتوج وساطتها بالتوقيع على اتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية بتاريخ 17 ديسمبر الجاري.
ورأى المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، مارتن كوبلر، ضررة إنهاء سنة شاقة من المفاوضات والإيعاز لمجلس الأمن الدولي للتحرك من أجل محاسبة معرقلي الاتفاق.
قوة جهوية لمحاربة بوكو حرام
للعام الثاني على التوالي، استطاع التنظيم الإرهابي «بوكو حرام»، الناشط شمال شرقي نيجيريا، إثارة اهتمام الصحف العالمية، بعدما طوّر في أساليبه الإجرامية ولجأ إلى تطويق الأطفال الأبرياء بالأحزمة الناسفة وتفجيرهم في الشوارع، واستطاع تهجير أزيد من مليوني شخص وقتل حوالي مليون و600 ألف ضحية.
تنامي همجية «بوكو حرام»، دفع دولتي التشاد والكاميرون إلى الدخول على خط الحرب، واستطاعت القوة الثلاثية أن تطرد التنظيم من عديد القرى، إلى جانب استعادة 200 فتاة تعرضن للاختطاف سنة 2014.
هذا التقدم لم يمنع الجماعة الإرهابية من تنفيذ عمليات انتقامية داخل الدولتين المجاورتين، فاتحة على نفسها جبهة حرب أوسع، تمثلت في القوة الجهوية التي أقرها الاتحاد الإفريقي وتضم 8 آلاف و700 عنصر، من نيجيريا، النيجر، التشاد، الكاميرون والبنين، واتخذت من العاصمة نجامينا مقرا لها.
وتعد هذه القوة الأولى من نوعها، تجمع دولا من القارة من أجل محاربة الإرهاب، بعدما اشتغلت كافة القوات العسكرية للاتحاد الإفريقي على مهام حفظ السلام.
هجمات إرهابية دامية
من الأحداث المأسوية التي عرفتها القارة الإفريقية في 2015، الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تونس على مرتين، الأولى استهدفت متحف الباردو وأودت بحياة 22 شخصا، والثانية مجمعا سياحيا بسوسة، راح ضحيتها 38 سائحا أجنبيا.
الاعتداءات الإرهابية، مست أيضا، كينيا، حيث نفذت حركة الشباب الإرهابية هجوما على جامعة غاريسا شمال شرقي البلاد، خلف 147 قتيل. وتعرضت كل من مالي والتشاد لعمليات مماثلة، كان أبرزها اقتحام فندق راديسون بلو ببماكو.

 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024