بـوركينـا فاسو تتخطى كابوس الانقلاب العسكــري

عودة الأمور إلى طبيعتها بعد أسبوع مضطرب

حمزة محصول

استعادت بوركينافاسو، هدوءها بعد أسبوع ساخن، إثر الانقلاب العسكري الفاشل الذي نفذته فرقة الأمن الرئاسي. وشهد العالم مدى التفاف شعب هذا البلد حول السلطات الانتقالية ومعارضته لهذه الطريقة غير الدستورية للوصول إلى الحكم، مقدما بذلك درسا في الديمقراطية للانقلابيين والشعوب الإفريقية الأخرى.

عاشت بوركينافاسو من 17 إلى 24 سبتمبر الجاري، واحدة من أحلك المراحل في تاريخها السياسي، بعدما كانت قريبة جدا من تجاوز سنة كاملة من الحكم الانتقالي، واختيار رئيس جديد للبلاد عبر الاقتراع العام والمباشر.
حالة الإحباط بدت سريعا على الشارع والمجموعة الدولية، التي أدانت بشدة الانقلاب العسكري، الذي أعاد للأذهان مرة أخرى الصورة السيئة والسوداء عن الحياة السياسية في إفريقيا والفوضى التي حامت دائما وراء كرسي الحكم والحروب الأهلية كنتائج مباشرة لهذه الخطوات غير المحسوبة.
لقد بدا واضحا منذ البداية، أن انقلاب وحدة الأمن الرئاسي في بوركينافاسو كان هشا ولا يستند على أسس متينة، وهو أمر فهمه الجنرال ديانديري جيدا، والذي لم يجد أدنى مساندة شعبية أو حزبية، ولا حتى من قبل القوى الكبرى ذات المصالح الكبرى في هذه البلاد.
فحتى فرنسا والولايات المتحدة، نددتا بالانقلاب، فقد هددت الأولى بوقف المساعدات العسكرية، فيما زار سفير الثانية الرئيس الانتقالي ميشال كافاندو في إقامته الجبرية، حيث حاولتا مسايرة الإرادة الشعبية، بعدما وقفتا على حجم المسيرات والاحتجاجات المنددة بالانقلاب والرافضة لعناصر الفرقة.
أما الاتحاد الإفريقي، فقد ظل وفيا لمبادئه الرافضة للانقلاب كطريقة للوصول إلى الحكم ولجأ سريعا لتعليق عضوية بوركينافاسو في الهيئة القارية. فيما رفضت المجموعة الدولية، بالإجماع، التهور الفاضح لهذه الفرقة.
وفي خطوة تحسب لقيادة أركان الجيش البوركيانابي، وقف هذا الأخير مع الإرادة الشعبية، وقال قائد الأركان، «إن الانقلاب على سلطة سياسية فعل لا يشرف البلد» وهدد باستخدام القوة ضد الفرقة وحاصرها بثلاثة فيالق قدمت من مختلف الثكنات.
هذا الضغط أنهى أسبوعا كاد أن ينتهي إلى إراقة الكثير من الدماء، وأعاد القيادة الانتقالية إلى مكانها الطبيعي. وأول ما قام به كافاندو بعد عودته، «حل فرقة الحرس الجمهوري والتحفظ على ممتلكات عدد من الشخصيات المحسوبة على النظام السابق». وإلى غاية، أمس، لم تنطلق بعد عملية حل الفرقة، بسبب ما اعتبر غموضا من طرف قائدها وقرار مجموعة دول الإيكواس التي تريد على ما يبدو، حفظ هيبتها بعد الرفض الشعبي المطلق لمقترحاتها للخروج من الأزمة، خاصة ما تعلق بعدم متابعة الانقلابيين قضائيا.
فوتت بوركينافاسو الفرصة أمام نجاح انقلاب عسكري آخر في دول إفريقيا، والفضل كله يعود إلى الوعي والإرادة الشعبية التي أصرت على احترام الديمقراطية ومدنية الحكم وعدم العودة بالبلاد إلى الوراء بسنوات.
وقدم الشعب البوركينابي بذلك أنموذجا، يحتذى به في الديمقراطية والحرص على المصالح العليا للبلاد، وهي دروس مهمّة لشعوب إفريقية تعاني من نفس المشاكل تقريبا، من جهة، وللقادة الأفارقة من جهة أخرى، فحريّ بهم أن يأخذوا ما يريده الشعب بغالبيته، والتفاوض باسمه لا الخضوع لمنطق الأقوياء من حملة السلاح واللجوء إلى الليونة وسياسة اللاعقاب، خدمة لأجندات خفية غير ظاهرة للعلن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024