منذ سنوات طويلة كتب المفكر المصري الكبير عبد الوهاب المسيري موسوعته حول اليهود واليهودية والصهيونية، وحذّر في مقطع منها من تهود العرب فقال: «من الآن فصاعدًا سنجد يهودًا في ثياب مسلمين، اليهودي الوظيفي، مسلم يصلي معنا العشاء في المسجد، لكنه يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الجنرال اليهودي، وعليه يجب تحليل تلك الظاهرة حتى لا يتحوّل كثير منا إلى يهود دون أن يدروا».
تحدث المسيري عن التفكيك الإيديولوجي، الذي حصل ويحصل في العالم الإسلامي والعربي، خاصة عندما يخدم بشكل وبآخر فكر التهوّد الذي يتحدث عنه المسيري فلا الأسماء الإسلامية ولا العبادات الدينية تكشف بوصلة أفراد الأمة، بل أفكارهم المتجردة لمصلحة أمتهم هي التي تعد قواعد سلم وحرب تنطلق وتنتهي إليها أفعال الأفراد والجماعات وأقدارهم.
ولأن الأمر أعمق من حرب ظاهرة، تكلم مفكر آخر يعتنق القومية العربية في الموضوع. في 1977 وقف الدكتور عصمت سيف الدولة متحدثا عن «الصهيونية في العقل العربي»، وقال «إن الصهيونية وحلفاءها بعد أن انهزموا عسكريا في جبهة القتال في أكتوبر 1973، فتحوا من جباهنا ثغرات، وغزوا عقولنا». أدرك سيف الدولة أن إستعمال الصهاينة نظريات التفكيك وإعادة البناء الفكري كانت أقوى من الحرب.
في عالم عربي منقسم يعيش فوضى فكرية ومنشغل بصراعات جانبية يُمكن قطع الطريق على الصمود عبر تغيير الذهنيات، فيكفي أن تصبح الخارطة العربية متشرذمة ليبني عليها الصهاينة طريقا لهم بعرب تُنتجهم أحداث التشرذم أو تحفظ لهم عروشهم.
ولأن الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية التي طرحها وفككها ودحضها روجي غارودي، وأسس عليها الكيان الغاصب وجوده دون أي دلالات قطعية من اللاهوت اليهودي، هي ذاتها من يبني عليها تجار الوهم العربي قواعد تطبيعهم. المبررات وإن إختلفت أو تطابقت تكشف أن العدو الداخلي أخطر وأشد على قضايا الأمة، وأن العدو الخارجي ما هو إلا مستثمر واقعي في تناقضاتنا، فكما قال نزار قباني في قصيدته هوامش على دفتر النكسة «ما دخل اليهود من حدودنا وإنما.. تسربوا كالنمل.. من عيوبنا»..