طباعة هذه الصفحة

معتقلات الموت

حيـث تتكــر الأيّام علـى قضبــان الاحتــلال

بقلم: نور يحيي إسليم
حيـث تتكــر الأيّام علـى قضبــان الاحتــلال
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

 في عمق الصّمت الملطّخ برائحة الحديد والرّطوبة، هناك حياة أخرى تتنفّس بصعوبة خلف الأبواب الموصدة. حياة بلا شمس، بلا رائحة تراب، بلا دفء وجوه الأمّهات.

 خلف تلك الجدران التي أحكم إغلاقها، يحتجز الاحتلال أكثر من 10,800 أسير وأسيرة، بينهم أطفال لم يكتمل حلمهم الأول، ونساء يحملن أجنة في أرحامهن وقيودا في معاصمهن. هنا، في معتقلات الموت لا يتناوب الليل والنهار إلا ليتبادلا الدور في قمع الروح وكسر الإرادة.

عوفــــر: حين تتحوّل الغرفة إلى قفص للعقل

 في سجن عوفر ومعتقلاته لا يكتفي الاحتلال بسلب حرية الجسد وإنما يمد يده إلى الروح ليحاصرها. الأسرى هناك يعيشون في غرف مكتظة، جدرانها قريبة كأنها تريد ابتلاع أنفاسهم، وروائح العفن تقتسم معهم كل وجبة جوع.
الاقتحامات الليلية بالكلاب البوليسية، قنابل الصوت، والضرب المبرح، تترك الأجساد مكدّسة بالكدمات، والقلوب مثقلة بالرعب. هذا المكان عبارة عن مختبر مفتوح لتعذيب النفس، حيث يزرع الاحتلال الخوف في العيون حتى وهي مغمضة.
جلبــــــــوع: الصّعقة التي تحرق الكرامة قبل الجسد
 في سجن جلبوع، الصعقة الكهربائية لا تعد أداة للتعذيب بل طقس إذلال يومي. يربط الأسير، يبلل جسده، ثم يسلم لتيار قاس يخترق أعصابه، فينهار وعيه على أرضية مبللة بينما ضحكات السجانين ترتطم بجدران القسم.
بعدها يعود الأسير إلى زنزانته أو غرفة السجن بملابس مبتلة وجروح غائرة، بلا دواء، بلا طعام كاف، بلا قدرة على النوم.
هناك، حتى الأواني البلاستيكية التي يفرضونها لشهر كامل تصبح رمزا للإهانة اليومية، وللحرمان المتعمد من أبسط حقوق الحياة.

مجدو: الجوع والجرب في زمن النّسيان

 في مجدو، الجوع ليس شعورا عابرا هو نظام يومي. المرض الجلدي المعروف بـ «الجرب» يتسلّل إلى أجساد الأسرى منذ أشهر، يحول الجلد إلى خرائط من الجروح الملتهبة، ويمنع النوم والراحة. حتى الأطفال لم يعفوا من هذا العقاب، بينما يقف العلاج خلف باب مغلق بإرادة السجان.

النقب: الصّحراء التي تبتلع الصّرخات

 أما في سجن النقب، ذلك المعتقل الصحراوي المعزول، هو مسرح للعنف العاري. الضرب حتى الكسر، إطفاء السجائر على الأجساد، الرصاص المطاطي الذي يترك ندوبا أبدية، والاعتداءات الجنسية التي تحطم ما تبقى من كرامة.هنا، تتكسّر الصّرخات على جدران الصمت، فلا يجيبها إلا صدى الريح الساخنة في الصحراء.

جانــــوت: حيــث يمنــع الصوت من الوصــول للعالم

 في جانوت يقطع الحبل الأخير مع العالم الخارجي. المحامون لا يدخلون إلا بإذن يأتي كل شهرين، والعزل الانفرادي الطويل يلتهم الوجوه حتى تنسى ملامحها. التفتيشات اليومية ليست بحثا عن أشياء، هي إعلان مستمر أن السجان حاضر في كل نفس وحركة.

الدامـــون: سجـن النّسـاء وامتهــان الأنوثـة

- عند الاعتقال: التفتيش العاري والإهانات اللفظية تهشّم كبرياء الأسيرة قبل أن تقيد يداها.
- الضّرب والسّحل وسرقة المتعلقات حتى الحجاب والجلباب، جزء من العقوبة.
- في المستشفى، المرأة الحامل أو المريضة تنقل مكبلة بالسلاسل، أحيانا مربوطة بكلب بوليسي.
- الزنزانة أو الغرفة تلتهم الخصوصية: كاميرات في الداخل وأبواب مفتوحة للحمامات، بينما الألم الطبي يترك ليزهر في الجسد بلا دواء.
- حتى الأمومة تستهدف بحرمان الأسيرة من صور أطفالها أو أخبارهم إلا ما يوجع القلب.
هذه المشاهد هي سياسة دولة مكتوبة على جدران الزنازين بحبر المعاناة. الاحتلال ينتهك بشكل صارخ اتفاقيات جنيف الأربع، وخاصة المادة الثالثة المشتركة التي تحظر التعذيب والمعاملة المهينة. كما يخرق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل الكرامة لكل إنسان. إنّ ما يجري في هذه السجون هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، تستدعي تحركا عاجلا من الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمحاكم الجنائية الدولية، لوقف نزيف الأرواح وحماية من تبقى على قيد الحياة خلف القضبان. فالسجون ليست مكانا للموت البطيء، والحرية ليست رفاهية، إنما حق لا يساوم عليه.