طباعة هذه الصفحة

قراءة في مقال د . فواز عقل

التّعليـم بـين السّؤال والصّمـت

بقلم الأسير المحرّر: ياسر أبو بكر
التّعليـم بـين السّؤال والصّمـت
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

 عندما قرأت مقال الأستاذ الدكتور فواز عقل «التعليم بين ثقافة التساؤل وثقافة الصمت الصفي»، وجدت نفسي أمام نص استثنائي يعيد الاعتبار لفعل السؤال بوصفه قلب العملية التعليمية، لا مجرد تفصيل هامشي فيها.

 أعاد الدكتور عقل صياغة المشهد التربوي بين بيئتين متناقضتين: صفٌّ حيٌّ نابض بالأسئلة، وآخر صامت جامد يقتل الفكر ويُعطِّل العقل.
قوة مقاله تتجلى أولًا في أنه يضع السؤال في موقعه الطبيعي كأصل التفكير وأداة المعرفة، منسجمًا مع إرث سقراط وبوبر وهايدغر وجبران. وثانيًا، في أنه كشف ببراعة الفارق الهائل بين ثقافة تساؤل تصنع عقلًا ناقدًا قادرًا على المشاركة والإبداع، وثقافة صمت تحوّل الطالب إلى متلقٍ خائف، يحفظ ولا ينتج، يطيع ولا يحاور. ثم أضاف الكاتب بعدًا فلسفيًا وإنسانيًا عبر اقتباساته الغنية، محوِّلًا المقال من معالجة صفية ضيقة إلى بيان فكري حول الحرية والوعي.
كما قدّم حلولًا واضحة: إعادة تعريف المنهج، تنويع التقييم، وتأكيد أن المعلم هو مفتاح التغيير لا الكتاب وحده.
لكن مع كل هذه القوة، لم يخلُ المقال من ثغرات لا تقل أهمية. لقد بقي النص مثاليًا وفلسفيًا أكثر من كونه واقعيًا، فلم يقترب بما يكفي من التجربة الفلسطينية والعربية المثقلة بالاحتلال، وضغوط الامتحانات، والفصول المكتظة.
لم نقرأ فيه كيف يمكن أن تُزرع ثقافة السؤال في بيئة محاصرة أو كيف يمكن تحويل الصفوف المرهقة بالقيود إلى مختبرات حوار.
كما غابت التجارب الدولية التي اعتمدت السؤال أساسًا لمناهجها، مثل فنلندا أو سنغافورة، والتي يمكن أن تمدّنا بدروس تطبيقية. وكان بالإمكان أن يقدّم المقال خارطة طريق عملية: إصلاح برامج إعداد المعلم، تغيير سياسات التقييم، إشراك الأسرة والمجتمع في تعزيز السؤال، وربط الفكرة بتجارب ملهمة كتعليم الأسرى الفلسطينيين في السجون حيث تحوّل السؤال إلى أداة مقاومة.
مقال د . فواز عقل يظل رغم ذلك صوتًا صادقًا يذكّرنا بأن مستقبل التعليم لا يُبنى على الصمت، بل على الجرأة في السؤال. وهو يضعنا جميعًا، كمعلمين وباحثين وأولياء أمور، أمام مسؤولية إعادة الاعتبار للعقل المتسائل، لأن الأمم لا تنهض بالإجابات الجاهزة بل بالأسئلة التي تفتح آفاقًا جديدة. وإذا أردنا لمدارسنا أن تكون مصانع أمل لا مقابر للأحلام، فعلينا أن نحمل الفكرة التي طرحها الدكتور عقل إلى واقعنا، وأن نحولها من بيان فلسفي إلى مشروع وطني للتعليم المقاوم.