ممّا لا شك فيه في كل معاركنا مع الاحتلال ومنذ بداية الصّراع منذ عام ١٩٤٨م ونحن نتعرض للموت والقتل والقصف والدمار والجوع، لكننا لم نتعرض لهذه الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الغاشم بكل الأشكال منذ بداية الصراع، والتي طالت البشر والحجر والشجر.
وكذلك تفشي غول المجاعة التي تفتك بأجساد أبناء شعبنا من أطفال ونساء ورجال، ليسجل أحرار العالم شهاداتهم المسموعة والمقروءة أمام الجميع بأن شعبنا الفلسطيني يتعرض كل يوم لجرائم حرب بموجب مواد القانون الدولي، فأين مؤسسات حقوق الإنسان وأين المجتمع الدولي ودول العالم الذي يتغنون بالسلام ومساعدة الشعوب في تحقيق مصيرهم؟!
إنّ٠ ما يحدث اليوم من صمت دولي لهو دليل على التقاعس الدولي تجاه ما يحدث بل والتواطؤ مع المحتل، الأمر جد خطير في هذا الوقت العصيب، ومشروع التهجير قادم لا محالة، وأصبح ناقوسا يدق الباب، وشبح المجاعة أصبح واقعا، وكل يوم نسمع عن موت لأطفال وكبار سن من قلة الغذاء والدواء، والكل لا يحرك ساكنا إلى متى؟!!، في ظل هذه اللحظات القاتمة لم يعد لشعبنا التمسك بفلسطين كهوية ثابتة وقبلة الخلود، فأصبح لديه وازع للبحث عن لقمة العيش لا يلتفت لانتماء لوطن أو هوية وطنية أو نضالية، فسلم الأولويات الآن هو المحافظة على البقاء فقط والحصول على بعض الطعام أو الدقيق وما يسد رمق الجوع القاتل الذي يفتك بشعبنا، صور ومشاهد تدمي القلوب، فكم من أبناء شعبنا قضى في معركة الجوع وتوفير الطعام (المساعدات)؟!!، غابت القضية المركزية من المشهد الآن، لم تعد موجودة فكرة الحلم بإعلان إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين والافراج الكامل والشامل عن الأسرى، وتقرير المصير للعيش بسلام.
كنّا سابقا في مراحل الصراع العربي الصهيوني والصراع الفلسطيني الصهيوني نقفُ سداً منيعاً أمام عنجهية المحتل بترسانته القوية الشرسة، متسلّحين بالإيمان بالله ثم بعزيمة قوية وإرادة صلبة ويقين بأن فلسطين لنا، فهي أرض الآباء والأجداد دون منازع، نذهب لمعاركنا أقوياء لا نهاب الموت، سواء كانت المعارك القتالية في الميدان أو الدبلوماسية في ساحات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، معلنين عدم التفريط في أرضنا وقدسنا، فعقيدتنا الدينية تُحَتِّمْ علينا ذلك وتُلزمنا به، فالصّراع صراع عقول يا سادة، والصراع صراع صمود ونَفَسٍ طويل، وفي النهاية لابد للحق أن ينتصر ولو بعد حين.
وانتصر الجوع على صمود شعبنا..
انتصر الجوع على صمود شعبنا الأبي، ونفذ مخزون الطعام من بيوت أهلنا وشعبنا، فلم يتبقّ إلا أن يقاتل الإنسان بكل قوته لتوفير شيئا يسيرا من الطعام لنفسه وأطفاله وأسرته، فلا يهمه الموت ولا تهمه الحياة، فيقدّم على معركة المساعدات بكل قوته دون خوف من رصاصات هنا أو هناك، تحطّمت آمال شعبنا على صخرة الجوع، تحطم صمود شعبنا على صخرة الجوع والذل والهوان، تحطّمت آماله كلها ولم يبق له شيء يخاف عليه، عائلات شطبت من السجل المدني نتيجة القصف والقتل، بيوت ومؤسسات وبنية تحتية سحقت، أراضي تم تجريفها والاستيلاء عليها.
فأصبح الوضع كارثيا فهل من مجيب؟!!! فبرغم ما يحدث في قطاعنا الحبيب فالضّفة ليست بأفضل حال، والقدس العاصمة تتعرّض لأشد أنواع المؤامرات، فالمخطّط كبير ولن ينته إلا بمعجزة ربانية، باعتقادي وفي هذا الوقت العصيب بالذات يجب علينا التحرك بشكل عاجل لإيقاف هذه المقتلة والإبادة الجماعية بالاستعانة بأحرار العالم محافظين على كينونتنا الوطنية النضالية، لاسترداد الهوية الوطنية المسلوبة من قبل الاحتلال الصهيوني، بالإضافة لاستخدام القوانين والأنظمة عبر الأطر القانونية في المحافل الدولية في العالم لوقف هذه الحرب فورا، وإدخال المساعدات الإنسانية والطعام لأبناء شعبنا الأبي، والتصدي لمشروع التهجير وعدم التخلي عن أرض الآباء والأجداد مهما طال الزمان أم قصر، لذا ومن منطلق حرصنا الوطني نقول:
أولاً: ضرورة وقف هذه الحرب المسعورة على شعبنا فورا، والعمل بشكل عاجل على إدخال المساعدات والطعام والدواء لأبناء شعبنا الأبي.
ثانيا: ضرورة التصدي لكافة مخططات الاحتلال وخاصة مشروع التهجير الذي يعصف بقضيتنا الوطنية ووجود شعبنا على أرضه.
ثالثا: التأكيد على أن القضية المركزية والأمل المنشود هو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين والإفراج عن الأسرى والأسيرات وعيش شعبنا بحرية وسلام.
رابعا: ضرورة تعزيز مقومات الصمود والتلاحم الوطني والنضالي من جميع شرائح وفئات شعبنا للتصدي لكافة الممارسات اللاوطنية التي تصدر من البعض، فهي لا تمثل شعبنا ولا تمت له بصلة.
خامسا: التأكيد على ضرورة التحرك الفوري والعاجل من فخامة الرئيس محمود عباس أبو مازن والقيادة الفلسطينية لدى مجلس الأمن والأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان بالتدخل لوقف الحرب فورا وحماية أبناء شعبنا الأبي، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لقطاع غزة.
سادسا: ضرورة التوافق بتسليم ملف المفاوضات للسيد الرئيس أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا لإنهاء هذا الملف بالكامل في محاولة جادة للتلاحم ونبذ الفرقة وعدم التفرد بالقرار الوطني والمصيري لقضيتنا.
وأخيرا حمى الله وطننا وشعبنا في معاركه المستمرة لنيل الحرية والاستقلال وتقرير مصيره.