طباعة هذه الصفحة

خــواطــر في رحـاب يـوم الأسـير

بقلم الأسيرة المحرّرة: دعاء الجيوسي
خــواطــر في رحـاب يـوم الأسـير
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

 لعامين مضيا ظللت مقلعة قسراً عن الكتابة في قضايا الأسرى. بداية الحرب لم أكتب شيئاً بسبب الحالة التي عشناها في القطاع. وخلال الأشهر اللاحقة وبسبب هول ما رأينا بت مقتنعة بعدم جدوى الكتابة، فما فائدة أن تكتب لأناس ماتوا أو ينتظروا دورهم على قائمة الإعدام. في الأشهر الأخيرة أضحت القناعة يقينا لا أريد أن اكتب ليس لأنني أحيا الصدمة، ولا لأن قائمة الإعدام لا تزال تعج بالأسماء المرشحة للموت..أنا لا أريد أن أكتب لأنني بت لا أستطيع تطويع الكلمات أجدها تتدافع في رأسي، ولكن عند ولادتها تأتي أجنة مشوهة، فلا هي تعبر عما أفكر به، ولا تظل هامدة في رأسي فترتاح وتريحني. غداة يوم الأسير راسلني الأخ خالد عز الدين مسؤول ملف الأسرى في سفارتنا بالجزائر، وطلب مني أن أكتب شيئاً في رحاب الذكرى، وحاولت أن أستجيب لطلبه.

رفـيـق الـقـيــد خــالد

حاولت أن أكتب وعصتني الكلمات مجدداً، فلا أسرانا في السجون يمكن أن تصلهم كلماتي ولا أهل البلاد ظلوا على حالهم، ففي خيام النزوح لا وقت للقراءة ولا حتى التقاط الأنفاس وتحت الأنقاض، وفي المدن التي مُسحت عن الخريطة لا يجد الناس فُسحة بين الموت واحتماله ليقرأوا ما كتبته أسيرة سابقة عن أسرى لا زالوا تحت القيد.  
الناس هنا إما أرواح صعدت إلى بارئها تشكو إليه فجيعتها أو أجساد بلا أرواح تهيم على وجهها في الشوارع. تخيل أننا كنا نناضل لتحرير الإنسان بجسده وفكره وروحه وحتى أحلامه، وفي الطريق إلى ذلك افترقت الأجساد عن الأرواح، فالموتى بلا أجساد والأحياء بلا أرواح.  هذا جزء من حال الناس في أوشفيتس غزة، والضفة - بالطبع - ليست أحسن حالا، وعلى رأس هرم المذبوحين هذا يقبع أسرانا داخل السجون التي بتنا من عامين لا نعلم شيئاً عما يدور داخلها إلا شذرات مما يتسرب عبر الإعلام عن حالات قتل واستشهاد داخل الزنازين، وما نراه على أجساد الأسرى المحررين من ويلات وأثار لكوارث إقتُرِفت بحقهم.  
كلنا اليوم أسرى..ومعتقلون..كلنا رهن الموت وننتظره..قتلنا الصمت والتخاذل، وقتلنا سوء التقدير وقتلتنا الأحلام عندما اعتقدنا أنها يمكن أن تتحول لواقع أن أردنا لها ذلك. قتلتنا المرايا التي ضخمت صورنا..قتلنا الشعار ومن ثم أجهزت على ما تبقى منا الممارسة التي لا ترتقي إليه.
كان لفلسطين شعب ومنه جزء أسير وكانت العلاقة جدلية من يحيا خارج الأسوار يقاتل لينقذ من يقبع داخلها والرازح في الداخل يناضل ليُحرر من يقاتل في الخارج..يحرّره من الوهن والضعف والتواكل، أما اليوم فكل فلسطين وما تبقى من شعبها أسرى على قيد الأمل إن كان يجدي..وعلى قارعة الإنتظار وعلى ألف مفترق طريق جُلها عدمية.  أعذرني صديقي وليعذرني من يقرأ يبدو أن كلماتي غيرت جلدها هذه المرة، ولم تولد أجنة مشوهة بل جاءت أجنة تشاؤم فجة وفظة.
المجد لأسرانا ولهم انعتاق قريب..الفرج لشعبنا..والعزاء لكل الأفكار التي أدركها أصحابها ثم تخلوا عنها..ولا عزاء للبرامج اللامنطقية ولأفكار العبث.