طباعة هذه الصفحة

تعامـل بوحشيـة غـير مسبوقة في تاريخ الإنسانيـة

هذه جرائم الاستعمار الفرنسي في حقّ أقارب المجاهدين بتبسة..

طارق عزيز فرحاني عادل فرحاني

منذ اندلاع الثورة التحريرية، عملت قيادة الجيش الاستعماري الفرنسي بالجزائر ممثلة في شخص الجنرال شريار قائد القوات الفرنسية بالجزائر التي كانت تُسمى الناحية العسكرية العاشرة، على اتباع رد فعل عنيف تجاه الثورة التحريرية الوطنية التي كانت تهدد الوجود الفرنسي. فاتجه الكولونياليون إلى اتباع سياسة قائمة على تدمير خلايا الدعم والإسناد التي أنشأتها قيادة الثورة الجزائرية..وبسبب هذه السياسة الإجرامية تعرضت عائلات القادة والمجاهدين بمنطقة تبسة إبان ثورة التحرير الوطني (1954-1962) إلى أبشع الممارسات اللاإنسانية التي طبقتها السلطات الاستعمارية الفرنسية في حقهم..


الشهيد الزين عباد (1912/1956) أحد القادة الميدانيين البارزين لجيش التحرير الوطني بمنطقة تبسة، أين تولى قيادة قطاع الشريعة بجنوب تبسة، في الفترة ما بين أوت 1955 أكتوبر 1955، ثم أسند له القائد الشهيد بشير شيحاني قيادة قطاع جبل بني صالح بمنطقة سوق أهراس، في الفترة ما بين ديسمبر 1955 - ماي 1956، ثم رجع لمنطقة تبسة في شهر جوان 1956، أين تولى قيادة ناحية الشريعة وعين نائبا لقائد المنطقة، وهي المهمة التي واصل تأديتها إلى غاية استشهاده يوم 18 سبتمبر 1956، على إثر مؤامرة متيلد فيل بتونس.
ورغم استشهاده لم يترك الوشاة أفراد أسرته وشأنهم، فقد قام بعضهم خلال سنة 1958 بتبليغ السلطات الاستعمارية الفرنسية بأن القائد الشهيد الزين عباد ترك لأفراد أسرته أسلحة حربية ومقتنيات ثمينة، فسارعت إلى تشكيل قوة مسلحة تنقل أفرادها إلى مضارب إقامة أسرته، الواقعة في المكان المسمى الماء الأبيض بدوار قريقر، أين قاموا بإلقاء القبض على أرملته خديجة بن عبد الله عباد ونجله محمد واستولوا على قطيع يضم 150 رأسا من الماشية و08 بقرات كانت تمتلكها الأسرة، ثم نقلوهما والأسلاب إلى مدينة الشريعة، وهناك تم تحويل الأرملة خديجة عباد وابنها محمد إلى المعتقل المتواجد بالمدينة، أين تعرضا لتعذيب شديد لمدة شهر من الزمن، قام خلاله زبانية المستعمر الفرنسي بتعليق الأرملة خديجة عباد في سقف المعتقل وتركوها تشاهد ابنها محمد وهو يتذوق صنوف التعذيب المختلفة، أين تم إحراق أجزاء من جسده باستخدام البنزين، وعندما تأكد النقيب كونور قائد الفصيلة الإدارية المتخصصة (S.A.S) بالشريعة من براءتهما وعدم توفر أدلة كافية حولهما فأطلقا سراحهما.

تعذيب وإعدام أقارب المجاهد عبد الله شوشان

في يوم 27 مارس 1958، داهمت فرقة عسكرية فرنسية المكان المسمى ذراع الحنوش بقساس التابع لدوار بجن، من أجل البحث عن عدد من المناضلين الذين عثرت على أسمائهم ضمن وثائق رسمية كان يحملها المناضل الشهيد عبد الحفيظ زباني لحظة إلقاء القبض عليه. أين قاموا بتجميع ساكنة الجهة وشرعوا في استنطاقهم وتعذيبهم في خضم ذلك تقدم المناضل مسعود كركود إلى قائد المجموعة وسلم نفسه حتى ينقذ المدنيين، فقام بعض أفراد المجموعة بتكبيله وتوجهوا به إلى منزل المجاهد عبد الله شوشان الذي خرج منه قبل وصولهم. فما كان منهم إلا أن انتقموا منه وقاموا بتعذيب عائلته. ثم حملوا معهم المسمى محمد بن رمضان شوشان وشقيقه معمر وأعدموهما رميا بالرصاص كما أعدموا المناضل مسعود كركود.

تعذيب عائلة المجاهد بلقاسم بن لخضر بن جدة

من بين الجرائم التي اقترفتها السلطات الاستعمارية الفرنسية وأعوانها، جريمة تعذيب عائلة المجاهد بلقاسم بن لخضر بن جدة الذي وقع في قبضة مجموعة من الحركى في بداية سنة 1958، خلال عودته إلى مضارب أهله بدوار بحيرة الأرنب، على إثر إصابته بوعكة صحية شديدة أين اعتقل رفقة شقيقه أحمد بن لخضر بن جدة وزوجته مريم بن جدة، وتم نقلهم إلى أحد البيوت الخالية بالدوار. وهناك بدأت عملية استنطاق وتعذيب المجاهد بلقاسم بن جدة باستخدام الكهرباء والماء، وتم تعذيب شقيقه أحمد بن لخضر بن جدة الذي وجهت له تهمة إيواء وتقديم الدعم لشقيقه المجاهد وتعرضت زوجته مريم بن جدة لتعذيب شديد وفظيع بالكهرباء والماء، لكنها واجهت الجلادين بقوة منقطعة النظير، وقاومت كل أساليب التعذيب التي تعرضت لها، ليطلق سراح شقيقه أحمد وزوجته مريم، فيما تم نقل المجاهد بلقاسم بن جدة إلى سجن تبسة بعد ذلك.

تصفيـة أقــارب المجاهـد  امحمد بعلـوج

لم تسلم كذلك عائلة المجاهد امحمد بن مسعود بعلوج (1918/2023) من الممارسات القمعية الفرنسية، فقد كان شقيقاه محمد الصالح ويوسف محل مراقبة من طرف المصالح الأمنية الفرنسية، وفقا لما تكشف عنه مضمون البطاقات التي أعدتها حولهما والتي جاء فيها: بعلوج محمد الصالح بن مسعود مولود عام 1900 بدوار بجن رقم 1925. أخ قائد العصابة بعلوج محمد حسب التقرير المرجعي رقم (306) الصادر بتاريخ 03 ماي 1956، فقد أوقف بمنزله ثم تم إطلاق سراحه. بعلوج يوسف بن مسعود وفاطمة بنت محمد مولود عام 1917 بدوار بجن رقم 1429 فلاح مقيم بدوار بجن أخ قائد العصابة بعلوج محمد.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى ارتكاب مجزرة جماعية في حق أفراد العائلة خلال سنة 1958، راح ضحيتها كل من بعلوج عبد الرحمن بن مسعود بعلوج محمد الصالح، بعلوج الطاهر، بعلوج أحمد بن حمانة بعلوج علي، بعلوج يوسف بعلوج اليمين، بعلوج عماد بعلوج بلقاسم بن أحمد”.

الجـرائــم في حـق عائلـة المناضـل لعجـال بـن أحمـد الحمـزة

تعرضت عائلة المناضل لعجال بن أحمد الحمزة لجملة من الممارسات والجرائم من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية، خلال الثورة التحريرية، ويمكن حصر بعض الأسباب التي أدت إلى ذلك:
تحول بيت العائلة المركز لتموين وإيواء المجاهدين، التحاق أبنائه الثلاثة بصفوف جيش التحرير الوطني وهم: علي التحق بالمجاهدين في شهر مارس 1955، حمدان التحق بالمجاهدين في نهاية سنة 1955 واستشهد خلال معركة جبل تازربونت في 29 مارس 1957، وعثمان التحق بالمجاهدين في شهر أفريل 1956 وتدرج في المسؤوليات حتى عين ضابطا بعد تخرجه من مدرسة الإطارات بمدينة الكاف التونسية. وبسبب نشاطهم الثوري هذا أصبح ثلاثتهم محل بحث دائم من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية..
انخرط ابنه في العمل الثوري أين كان يقدم المساعدة للمجاهدين الناشطين بالمنطقة إلى أن انضم في سنة 1956 إلى صفوف المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني بصفة مسبل. وخلال ذلك لم يدخر جهدا في سبيل القيام بواجباته الثورية وتنفيذ المهام الموكلة له. ليعين خلال سنة 1957 عضوا في اللجنة الخماسية الناشطة ببريغيثة وكلف بالشؤون المالية.
ولعل من بين صور التعسف التي لحقت بالعائلة قيام أحد أفراد فرقة الحركى مع مجموعة من الجنود الفرنسيين في شهر سبتمبر 1958، باقتحام منزل العائلة الواقع في قارة بتر العلوشات بدوار المزرعة من أجل توقيف المناضل لعجال بن أحمد الحمزة، بهدف استنطاقه والحصول على معلومات حول ابنيه المجاهدين علي وعثمان، لكنه نجح في الفرار منهم واتجه مع أفراد أسرته إلى دوار البطين، قبل وصولهم، بعد التنبيه الذي تلقاه من طرف المسؤول المدني مسعود فرحاني الذي وصلته أخبار عن المخطط قبل بدء تنفيذه. أما المجموعة العسكرية الفرنسية فقامت بعد وصولها بتحطيم أبواب المنزل واستولت على أثاثه وهدمته بعد ذلك باستخدام مدرعة، ثم شرعت في البحث عن المناضل لعجال بن أحمد الحمزة لدى ساكنة الجهة، لكنها لم تعثر عليه بسبب التصريحات الخاطئة التي قدمها الحركي لهم بعد أن أخبرهم بأن اسمه هو: بوزيدة لعجال بن أحمد، لذلك لم يجدوا هذا الاسم المبحوث عنه فعادوا إلى مركز الشريعة.
أما المناضل الغضبان بن لعجال الحمزة، فقد واصل تأدية مهامه رغم التضييق والتعسف الذي تعرضت له عائلته، فقام في شهر ديسمبر 1958 بالتوجه إلى زورة الصمع بدوار فم السد بثليجان، لتنفيذ مهمة ثورية هناك. لكنه وصل مع قيام وحدة عسكرية فرنسية بتنفيذ عملية تجميع لساكنة الجهة من أجل إعلامهم بالمناطق المحرمة الجديدة وتحديد الأماكن غير المحرمة..
 اعتقل المناضل الغضبان بن لعجال الحمزة بسبب أحد الحركى اتهمه بإخفاء بندقية حربية، أين نقل إلى المركز العسكري بثليجان وتم تعذيبه بشدة هناك على يد الحركى، وحتى يفر منهم اهتدى لحيلة وطلب من الحراس نقله إلى كيف يقع بالمكان المسمى كاف النسورة (15 كلم غرب مركز ثليجان) لأنه خبأ البندقية هناك، فنقلوه إلى الموقع الذي أشار إليه، أين اغتنم الفرصة وقام بدفع أحد الحركى من أعلى الكهف ولاذ بالفرار فشاهده الحركى وأطلقوا النار عليه فاستشهد على الفور، ثم غادر أفراد المجموعة العسكرية الموقع وحملوا معهم الحركي الجريح الذي قتل بعد ذلك متأثرا بجراحه، أما ساكنة الجهة فقاموا بالتوجه إلى موقع الجريمة وحملوا جثمان الشهيد الغضبان بن لعجال الحمزة، الذي وجدوه مصابا بـ32 رصاصة في مختلف أنحاء جسده ثم دفنوه بكاف النسورة.
ولم تتوقف الجرائم الفرنسية عند هذا الحد فقط، ففي يوم 24 مارس 1961، قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية بتكليف فرقة من القومية والحركى بالبحث عن المناضل العجال بن أحمد الحمزة الذي كان يقيم خلال تلك الفترة في دوار البطين، الذين غادروا الموقع الذي كانوا يمركزون فيه وبدؤوا في تتبع أخباره أين عثروا في طريقهم على فتى فسألوه عن المكان الذي يقيم فيه والدي فأنكر في البداية بمعرفته به لكنهم انهالوا عليه ضربا فاعترف لهم بعد ذلك بمكانه وتوجهوا إلى البيت وبمجرد وصولهم قاموا بتفتيشه تفتيشا دقيقا واستولوا على مبلغ مالي يقدر بـ 5000 فرنك فرنسي، وسلبوا ثلاثة كلغ من الفضة تعود ملكيتها لزوجته الحمزة فاطمة، إضافة إلى الأثاث الموجود في البيت وعلى الدجاج الذي كانت تربيه الأسرة. وبعد ذلك تم اعتقال المناضل لعجال بن أحمد الحمزة والحمزة الهادف بن الربعي ونقلوا إلى مركز التعذيب بالشريعة، وخلال التحقيق تعرض المناضل لعجال بن أحمد الحمزة للتعذيب لمدة خمسة أيام كاملة حتى سقطت له ثلاث ضروس وتلقى ضربة قوية على رأسه بقي يعاني منها إلى غاية وفاته سنة 1974. أما الحمزة الهادف فبقي لمدة عشرة أيام كاملة تحت التعذيب وسقط له ضرسان من شدة الضرب الذي تلقاه”.
 ختاما
إن الجرائم التي تعرض لها أبناء الشعب الجزائري خلال الثورة التحريرية، من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية ترقى في مجملها إلى مصاف جرائم دولة والعينات التي استعرضناها في هذه الدراسة ما هي إلا نموذج عن مئات الجرائم الأخرى التي شهدتها الجزائر في الفترة الممتدة ما بين (1830/1962)، التي يتوجب إدراجها للنقاش في إطار اللجنة المشتركة الجزائرية الفرنسية التي تم تشكيلها لمعالجة ملف الذاكرة بين البلدين.
ويتوجب فتح ملف الجرائم الفرنسية في الجزائر من طرف المختصين في القانون والتاريخ في شكل ملتقيات وورشات تقنية مشتركة من أجل إحصائها وتصنيفيها وتقديمها في ملفات للجهات الدولية لمطالبة السلطات الفرنسية الرسمية بتعويض ضحاياها والاعتذار لهم عما اقترفه في حقهم.
لم تتوان السلطات الاستعمارية الفرنسية على مراقبة ومتابعة تحركات أهالي وأقارب القادة والمجاهدين الذين التحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني بمنطقة تبسة. وتحرير محاضر أمنية بخصوصها، في محاولة منها للحصول على معلومات تفيدها في معرفة تطورات العمل الثوري بالمنطقة. عائلات القادة والمجاهدين تعرضت لجرائم مختلفة، منها التعذيب والتنكيل بمختلف أنواعه، وهدم البيوت ونهب الممتلكات الشخصية التي استولت عليها الفرق العسكرية الفرنسية التصفيات الجماعية وغيرها..
وعرض كبار المسؤولين المدنيين الذين كان أبناؤهم يمارسون مهام قيادية في صفوف جيش التحرير الوطني بمنطقة تبسة إلى التعذيب والتصفية من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية، كما فقد بعض قادة ومجاهدي جيش التحرير الوطني ذويهم خلال الثورة التحريرية بسبب الجرائم الفرنسية، على غرار جدي مقداد الذي فقد والده وشقيقه وعددا من أقاربه. والأخوان الحمزة علي وعثمان الذان فقدا شقيقهما الذي تم إعدامه، المجاهد مسعود زارعي المجاهدين عبد الله شوشان وتومي أحمد بن الهويدي قبل استشهادهما، في حين استشهد المجاهد أحمد عثماني قبل أن يستشهد والده بفترة وجيزة.
على الرغم من فظاعة الجرائم التي مارستها السلطات الاستعمارية الفرنسية في حق ذويهم، إلا أن قادة ومجاهدي جيش التحرير الوطني بمنطقة تبسة، واصلوا عملهم الثوري وتحدّوا كل الظروف والصعاب التي واجهتهم، خاصة مرارة فقدان ذويهم وأقاربهم بأشكال بشعة، إلى أن تحقق المراد، واستعادت الجزائر استقلالها.

الحلقة الثانية