دخول تـكويني بـ “0 ورق “ خلال هذه الدورة
406 تخصص متوّج بشهادة دولة و155 تكوين تأهيلي
يعمل قطاع التكوين والتعليم المهنيين على تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة وترسيخها كنهج يعتمد على الكفاءة في توزيع المناصب والمسؤوليات، بعيدًا عن أي محاباة، إلى جانب اعتماد عقود النجاعة كأداة لقياس وتقييم أداء مدراء القطاع وفق معايير موضوعية، ودعم ريادة الأعمال والمقاولاتية، وذلك بالإسراع في إنشاء مراكز متخصصة في تطوير المقاولاتية داخل جميع مؤسسات التكوين المهني، بهدف مرافقة الشباب وتمكينهم من دخول عالم ريادة الأعمال، وتعزيز التكوين في المهارات الريادية والتشجيع على إنشاء مؤسسات ناشئة.
كشف الحاج مسعود رشيد مدير التوجيه والامتحانات والتصديق بوزارة التكوين والتعليم المهنيين، في حديث لـ«الشعب” عن الشروع في إصلاح ومتابعة القطاع التكوين المهني عبر الجلسات الوطنية المنظّمة شهر ديسمبر الفارط، حيث كانت بمثابة منصة لتقييم الأداء، دراسة التحديات، ووضع سياسات جديدة لتعزيز التكوين، تحسين ظروف الاستقبال والجودة البيداغوجية والخدمات داخل مؤسسات التكوين والتعليم المهنيين، وتطوير الهندسة البيداغوجية لمواكبة التطورات التكنولوجية ومتطلبات العصر.
وبحسب الحاج مسعود تندرج هذه الإجراءات ضمن رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى تزويد الشباب بالمهارات العصرية التي تؤهلهم لولوج سوق العمل بسهولة، المساهمة في بناء اقتصاد وطني قوي ومستدام من خلال تكوين كفاءات تتماشى مع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، ترسيخ ثقافة الأداء، الشفافية والابتكار في القطاع، بما يجعله محركا حقيقيا للتنمية الوطنية.
منصة “تكوين” لتبسيط إجراءات التسجيل
ولأن الرقمنة تحظى بأهمية استراتيجية في قطاع التكوين والتعليم المهنيين، يتجه هذا الأخير نحو تحديث المنظومة التكوينية وتعزيز التحول الرقمي، خاصة في ظل توجه الدولة الجزائرية بقيادة رئيس الجمهورية، وقال الحاج مسعود “إن هذا الملف يعتبر أولوية وطنية”، حيث تسعى الوزارة إلى دمج التكنولوجيا في العملية التكوينية لضمان تكوين عصري، فعال، ومتجاوب مع تحديات المستقبل، وتعليم أكثر كفاءة، شمولية تجمع كل أطياف المجتمع استجابة لمتطلبات سوق العمل.
وعلى هذا الأساس سيكون الدخول التكويني لدورة فيفري 2025 بـ “0 ورق”، في خطوة تهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية وتسريع الخدمات، وقد تم إطلاق منصة “تكوين”، حيث تشكل نقلة نوعية نحو تكوين رقمي تماشيا مع هذه الرؤية والتي تهدف إلى تبسيط إجراءات التسجيل انطلاقا من دورة فيفري 2025، دون الحاجة إلى وثائق ورقية.
وفي خطوة ثورية نحو التحول الرقمي الشامل، تعكس الالتزام بتحقيق إدارة إلكترونية حديثة، مما يضمن سرعة ومرونة في الالتحاق بالتكوين، بالإضافة إلى إطلاق بطاقة “متكون” الرقمية، التي تسهل الوصول إلى مختلف الامتيازات الممنوحة للمتربصين، ناهيك عن إصدار الشهادات النهائية الإلكترونية، مما يعزز مصداقية المؤهلات ويسهل التحقق منها من قبل أرباب العمل.
وتهدف الوزارة بحسب المتحدث إلى تقليل البيروقراطية وتسريع الإجراءات الإدارية، ضمان الشفافية والموثوقية في معالجة بيانات المتكونين، تسهيل متابعة المسار التكويني عبر الأنظمة الرقمية، قاعدة بيانات وطنية تعتمد على رقم التعريف الوطني، وسيمكن الاعتماد على هذا الاخير في قاعدة البيانات القطاعية من جمع بيانات دقيقة حول المتكونين، مما يساعد في وضع سياسات مبنية على معطيات واقعية، تحسين التوجيه المهني عبر تحليل احتياجات سوق العمل وربطها بالتخصصات المطلوبة، وتحسين جودة التكوين عبر الرقمنة بإدماج التعلم عن بعد والتكوين الإلكتروني كخيار إضافي للمتكونين، خاصة في المناطق النائية.
وتساهم أيضا الرقمنة في تعزيز التواصل بين المتكونين والأساتذة عبر منصات متخصصة، وكذا رقمنة التسيير الإداري لمؤسسات التكوين، إطلاق أنظمة رقمية لتسيير المعاهد والمراكز، مما يسهم في تحسين الأداء الإداري، تتبع الحضور، وتقييم النتائج بطرق دقيقة، ناهيك عن تطوير نظم معلوماتية تتيح للمديريات الولائية والوزارة مراقبة وتقييم سير العملية التكوينية بشكل آني، وتسهيل إدماج المتخرجين في سوق العمل من خلال شهادات رقمية يمكن التحقق منها بسهولة، وتعزيز التكوين في المهارات الرقمية والتكنولوجيات الحديثة، مثل الأمن السيبراني، البرمجة، والصيانة الإلكترونية...، بما يتماشى مع الاقتصاد الرقمي.
تخصصات حديثة استجابة للمشاريع الكبرى للدولة
وحول التحديات التي يواجهها القطاع، أكد مدير التوجيه والامتحانات والتصديق أن الوزارة اعتمدت مقاربة جديدة تهدف إلى تحديث التخصصات بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل، حيث تم اعتماد 406 تخصص متوج بشهادة دولة، منها 133 تخصصا للمترشحين ذوي مستوى الثالثة ثانوي، 155 تخصصا في التكوينات التأهيلية قصيرة المدى، تغطي 23 شعبة مهنية، مع التركيز على القطاعات الاقتصادية الحيوية.
وأوضح الحاج مسعود رشيد أنه استجابة للمشاريع الكبرى للدولة، تم إدراج تخصصات تتماشى مع الأولويات الاقتصادية الوطنية، مثل تحلية مياه البحر لمواكبة المشاريع المائية الاستراتيجية، تخصصات السكك الحديدية لمواكبة المشروع الضخم لتوسعة شبكة السكة الحديدية شمال-جنوب، وكذا تخصصات المناجم والمحاجر لمواكبة المشاريع المنجمية الضخمة للدولة على غرار مشروع غار جبيلات، مشروع الزنك والرصاص، مشروع الفوسفات المتكامل، الطاقة المتجددة لمرافقة التحول نحو الاقتصاد الأخضر، الفلاحة العصرية لمواكبة تطور القطاع الزراعي وضمان الأمن الغذائي.
في المقابل تم إدراج تخصصات مستقبلية قائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بهدف تلبية الاحتياجات المتزايدة للثورة الصناعية الرابعة، تم تبني تخصصات تكنولوجية جديدة، مثل الصناعات الرقمية، والتكنولوجية مثل البرمجة والروبوتات والصيانة الإلكترونية، التخصصات المتعلقة بصناعة الأدوية والتوزيع الصيدلاني، حيث تم توسيع تخصص تقني سام في توزيع المنتوجات الصيدلانية بولاية بشار.
وتم أيضا التوسع في التكوينات الصناعية والبنية التحتية، نظرا للطلب المتزايد في المجالات الصناعية والبناء والأشغال العمومية، تم إدراج تخصصات جديدة، منها مساعد ميكانيكي في صيانة الطيران، وكيل محاولة المطار والعربات الخاصة، وكيل مناولة الأمتعة في المطار، وكيل محطة، استجابة لتطور قطاع النقل الجوي والبري.
وفي إطار دعم الاقتصاد الفلاحي والبيئي، تم استحداث تخصصات جديدة، مثل زراعة وجني العنب، الفراولة، تطوير النفايات العضوية إلى سماد “كومبوست”، في إطار تعزيز الاقتصاد الدائري، كما تم تطوير الحرف التقليدية والخدماتية لمواكبة الطلب في السوق السياحية والثقافية، حيث تم استحداث تخصصات في صناعة الأواني والتحف النحاسية، العناية بالمسابح.
تفعيل البكالوريا المهنية
من جهة أخرى، أفاد المتحدث بأنه تم تفعيل البكالوريا المهنية في هذه الدورة، حيث كان أول قرار تم اتخاذه من طرف وزير التكوين والتعليم المهنيين هو انشاء مراكز امتياز تشرف على التكوين بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية الكبرى التي ستشارك بالتكوين التطبيقي، وتأهيل المتكونين بما يتوافق واحتياجاتها من اليد العاملة المؤهلة.
ولضمان استيعاب جميع الراغبين في التكوين والاستجابة لمتطلبات القطاعات الاقتصادية المختلفة يواصل القطاع توسيع وتعزيز قدرات مؤسساته التكوينية من خلال تطوير شبكة المؤسسات التكوينية، حيث يتوفر القطاع على ما يقارب 1200 مؤسسة تكوينية عمومية موزعة عبر مختلف الولايات، تضم معاهد وطنية متخصصة، مراكز تكوين مهني، وما يزيد عن 500 مؤسسة خاصة معتمدة، والعمل على تحسين توزيع المؤسسات لضمان تغطية جميع المناطق، خاصة في الولايات الداخلية والمناطق النائية، كما تم إطلاق مراكز امتياز وطنية لتكوين الكفاءات في قطاعات استراتيجية على غرار مركز الامتياز الوطني في مهن النسيج والجلود بولاية البويرة.
وتم إطلاق مشاريع مماثلة في عدة مجالات، منها مركز الامتياز في الطاقات المتجددة بولاية ورقلة، وهو موجه لتكوين الكفاءات في مجالات الطاقة الشمسية، الريحية، والهيدروجين الأخضر، مركز الامتياز في الصناعات الغذائية بسطيف، لتعزيز تكوين متخصص في الصناعات التحويلية والتغليف الغذائي، مركز الامتياز في السياحة والفندقة بعين تموشنت، لدعم قطاع السياحة بتكوين عالي الجودة في الفندقة، الإطعام، وتسيير المؤسسات السياحية، مركز الامتياز في الميكاترونيك بقسنطينة، لدعم التكوين في التحكم الآلي، الروبوتات، والأنظمة الذكية.
وعمل القطاع على تحديث التجهيزات وتعزيز الشراكة مع القطاع الاقتصادي، وتجهيز المؤسسات التكوينية بمخابر حديثة، وورشات مجهزة بتكنولوجيا متطورة، وإبرام شراكات مع شركات وطنية ودولية لضمان تكوين تطبيقي متطور، وإدماج القطاع الخاص في التكوين المهني عبر تشجيع الاستثمار في المدارس التكوينية الخاصة المعتمدة، في المقابل تم دعم التكوين عن بعد والتكوين الجواري، من خلال إطلاق منصات تكوين إلكترونية لضمان استفادة الجميع من البرامج التكوينية دون الحاجة إلى التنقل.
إدماج المقاولاتية في المناهج التكوينية
وفي إطار دعم ريادة الأعمال والمقاولاتية، انخرط قطاع التكوين والتعليم المهنيين في استراتيجية وطنية تهدف إلى تكوين جيل جديد من رواد الأعمال والمقاولين الشباب، بما يساهم في تنويع النسيج المؤسساتي، تطوير الاقتصاد الوطني، وتعزيز قابلية تشغيل المتخرجين.
وبحسب الحاج مسعود رشيد، تم تحقيق عدة إنجازات ملموسة في هذا الإطار، عبر إدماج المقاولاتية في المناهج التكوينية، إدراج وحدات دراسية حول ريادة الأعمال في جميع التخصصات التكوينية، لمساعدة المتكونين على اكتساب مهارات إنشاء وتسيير المشاريع، إطلاق برامج تكوينية متخصصة في المقاولاتية، تركز على التخطيط الاستراتيجي، الإدارة المالية، والتسويق الرقمي، تشجيع المشاريع المصغرة كجزء من التكوين التطبيقي.
ويسمح ذلك للمتكونين بخوض تجربة إنشاء مؤسسة مصغرة أثناء فترة التكوين، إنشاء حاضنات أعمال داخل مؤسسات التكوين المهني العمومية، تجهيز مراكز التكوين بحاضنات أعمال لدعم المتكونين في تحويل أفكارهم إلى مشاريع فعلية وتوفير المرافقة التقنية والقانونية للمتخرجين الراغبين في إنشاء مؤسساتهم الخاصة، من خلال التنسيق مع الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية “ناسدا” لتسهيل تمويل المشاريع الناشئة.
في المقابل يقوم القطاع بعقد شراكات مع القطاعات الاقتصادية والمؤسسات التمويلية عبر ابرام اتفاقيات مع البنوك وصناديق التمويل لتسهيل حصول المتكونين على القروض الميسرة لبدء مشاريعهم، وتطوير برامج تكوينية بالتعاون مع المؤسسات الاقتصادية لضمان مواءمة المشاريع مع احتياجات السوق، وإطلاق مبادرات مشتركة مع وزارة الاقتصاد والمؤسسات الناشئة لتعزيز بيئة ريادة الأعمال.
قصص نجاح
وبحسب المتحدّث سجلت العديد من قصص النجاح لمتخرجين من التكوين المهني أصبحوا رواد أعمال بمشاريع في مجال الطاقات المتجددة، حيث قام بعض المتخرجين بإنشاء مؤسسات لتركيب وصيانة الألواح الشمسية، وورشات الذكاء الصناعي والتطوير الرقمي، التي يديرها خريجون من تخصصات البرمجة والصيانة الإلكترونية، مؤسسات صغيرة في مجال الصناعات التقليدية والجلود، استفادت من التكوين في مراكز الامتياز مثل مركز البويرة، فتح وكالات سياحية، ورشات صناعة الأحذية، وأيضا في مجال الطبخ والحلويات التقليدية، الخشب، الألمنيوم.
ولتشجيع ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، قام القطاع بإنشاء نوادي الابتكار على مستوى كل المؤسسات التكوينية لتعزيز قدرات الشباب وتشجيعهم في تفجير طاقاتهم الإبداعية، تنظيم مسابقات لأفضل المشاريع الناشئة داخل مراكز التكوين، إقامة معارض دورية لعرض مشاريع المتخرجين وربطهم بالمستثمرين والممولين، على المستوى الولائي أو الوطني على غرار صالون الابتكار، تعزيز التكوين في التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي لتمكين الشباب من تطوير مشاريعهم باستخدام الحلول الرقمية.
اعتماد الشهادات
ونبّه المتحدّث إلى أن قطاع التكوين والتعليم المهنيين يضم مؤسسات خاصة معتمدة لا مراكز خاصة، ووفق دفتر الأعباء الذي على أساسه يتم منح الاعتماد للمؤسسة الخاصة يقتضي بأن تشرف هذه الأخيرة على التكوين في تخصصات محددة مسبقا، يرخص لها بالتكوين فيها بناء على شروط، كتوفر الأجهزة، البرنامج، مساحة معينة للتكوين.. إلخ، وتربط كل مؤسسة خاصة بمؤسسة عمومية، ترافقها بيداغوجيا، حيث يقتصر دورها في الإشراف على التكوين ومنح شهادة تربص أو شهادة متابعة تكوين.
أما امتحان تقييم مسار التكوين وتتويجه بالشهادة فهو من صلاحيات مؤسسة التكوين العمومية، التي تشرف على تقييم التكوين وتتويجه بنفس الشهادة التي تمنح للمتخرجين من المؤسسات العمومية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعادل شهادة التربص التي تمنحها المؤسسة الخاصة شهادة الدولة التي تمنحها المؤسسات العمومية.
وبهدف استقطاب أكبر عدد من المتربصين يعمل القطاع على تعزيز التحسيس بأهمية التكوين المهني كخيار استراتيجي لبناء مستقبل مهني ناجح، خاصة في ظل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، وذلك باعتماد عدة آليات وأساليب جديدة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب.