في الوقت الذي قطعت فيه الدول المتقدمة أشواطا مهمة في التطوير المستمر للطرق اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻟﻨﺎﺟﻌﺔ، من خلال ما يعرف بـ»المدارس الذكية»، لا يزال مشكلة ثقل الحقائب المدرسية يطرح بإلحاح في مختلف المدن الجزائرية، رغم التحذيرات المستمرة من مختصي السلامة والصحة المدرسية.
للوقوف على هذه الظاهرة، قامت «الشعب» بجولة في إحدى المتوسطات والمدارس الابتدائية بحي إيسطو، شرقي وهران، ونقلت بعض آراء التلاميذ، منهم «خليل.ب»، تلميذ في السنة الرابعة ابتدائي، فكانت إجابته على النحو التالي: «أحمل يوميا عديد الكتب، إضافة إلى المقلمة ومجموعة كثيرة من الكراريس، وأستعين بأمي لحملها لأنها ثقيلة جدا.
وقال أخ «هيثم» تلميذ في السنة الثالثة متوسط: «أحمل كل يوم حقيبة على ظهري تضم ما لا يقل عن 05 كتب كاملة، إضافة إلى باقي الأدوات، ولا أستطيع تركها في المنزل، لأن الأساتذة يطالبوننا بإحضارها بصفة منتظمة، لنستغلها أثناء الدرس ونقوم بالأنشطة الموجودة فيه...».
ويؤكد عدد من الأولياء في هذا الخصوص، أن أبناءهم يحملون حوالي نصف وزنهم أو أكثر من الكتب والكراريس والمستلزمات الأخرى، داعين في ذات الشأن الوزارة الوصية إلى التدخل لحل هذا المشكل، لما له من تأثير سلبي على صحة الأطفال، ومنها الإصابة بمرض «السكوليوز» أو اعوجاج العمود الفقري الذي بات يهدد حياة أغلبية المتمدرسين، خصوصا في الطورين الابتدائي والمتوسط.
وتشير تقارير الخبراء، أن وزن محافظ التلاميذ يجب ألا يتعدى 10 في المائة من وزنهم، في وقت تؤكّد فيه فدرالية أولياء التلاميذ، أن تلاميذ يتجاوز طولهم المتر ببعض السنتيمترات ويقل وزنهم عن 30 كلغ، يحملون محفظة لا يقل وزنها عن 10 كلغ يوميا، وليس ذلك فحسب، إنما يقفون بها في الصفوف ويقطعون بها مسافات!!
وكانت عاصمة غرب الجزائر، وهران، قد رفعت التحدي بمشروع إنشاء أدراج بالمؤسسات التربوية لفائدة التلاميذ، وتمكنت في سنة 2012 من تجهيز 100 مدرسة ابتدائية بها، وذلك تنفيذا لتعليمة وزارية، تجبر مديريات التربية على تجهيز المؤسسات التربوية، التي هي قيد الإنجاز بأدراج للتلاميذ، قصد القضاء على ثقل المحافظ، في خضم التحذيرات والاحتجاجات الصادرة عن الأولياء، وذلك إلى حين بلوغ الأهداف المتوخاة على المدى البعيد، ضمن سياسة تجسيد مسعى الدولة في اللحاق بركب «المدرسة الذكية».
كثافة البرنامج وثقل المحفظة وراء العزوف عن الدراسة
وفي الموضوع، أكّد الأستاذ محمد كمال، رئيس مكتب فدرالية جمعيات أولياء التلاميذ بالولاية، وعضو المكتب الوطني للفدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ، أنّ «كثافة البرنامج الدراسي، ومشكل ثقل المحفظة المدرسية من الملفات الهامة المطروحة منذ سنوات على المستوى المركزي، خاصة في عهدة الوزارات الأربع الأخيرة»، معتبرا أنها واحدة من أسباب عزوف الطلبة عن الدراسة، والتي غالبا ما تكون خارجة عن إرادة التلميذ أو الطالب، وفق تعبيره.
وأشار السيد كمال في تصريح لـ»الشعب» إلى اقتراحات كثيرة قدمت للوصاية، لكنها صعبة التنفيذ - كما قال - ومنها: مقترح تزويد الأقسام بخزائن للكتب والأدوات الخاصة بكل تلميذ، والذي يتطلب ميزانيات كبيرة، تشمل التجهيزات والإطعام والمرافقة، وهو ما جعل الجهات المعنية- يضيف نفس المسؤول- تتبنى خيار تقسيم الكتب إلى ثلاثة أجزاء لكل فصل، مع إلزام التلاميذ بالكراريس الصغيرة الحجم.
أضاف محدثّنا،أن «الحلول الحقيقية تكمن في تبنى التفكير المنطقي واختيار الطريق الأسرع للقضاء النهائي على هذا المشكل من خلال الاعتماد على التكنولوجيا». لكن أوضح أنّ الظروف تعيق هذا المسعى، كافتقاد شريحة واسعة من الطلبة للأجهزة الإلكترونية الضرورية للعملية، أو تواجد الكثير من التلاميذ في مناطق سكنية نائية، تفتقد للتغطية بشبكة الأنترنت، وتميزها ببطء التدفق في حال تواجدها.
واعتبر عضو المكتب الوطني للفدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ: «أنّ رهان التوجه نحو رقمنة قطاع التربية والتعليم وتبني نظام التعليم عن بعد في المدرسة الجزائرية، أمر يفرض نفسه، ولاسيما خلال حالة الطوارئ الناجمة عن جائحة كورونا». ووضع عدة مقترحات لإنجاح هذا المسعى، ومنها: تخصيص مادة خاصة بالتعليم عن بعد بمختلف الوسائط المكتوبة والمسموعة والمرئية في مختلف الأطوار التعليمية الثلاثة، ناهيك عن تكوين الطالب وتعزيز كفاءته في استخدام التكنولوجيا.
وتظل مسألة ثقل المحفظة المدرسية، عالقة تبحث عن حلول منطقية، تراعي مصلحة التلميذ، وتخدم المؤسسة التربوية، وذلك رغم النداءات المستمرة من جمعيات أولياء التلاميذ ومختصي الصحة ومنظمات النقابية المعتمدة بالقطاع.