إذا كان انتخاب رئيس أي دولة شأنا داخليا لا يعني غير هذه الدولة وشعبها، فإنّ الأمر مختلف تماما عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية التي تتربّع على عرش النظام العالمي.
فمثلما يترقّب المواطن الأمريكي القادم الجديد إلى البيت الأبيض، يتابع العالم أجمع بكثير من الاهتمام والقلق أطوار الاستحقاقات الأمريكية ونتائجها على اعتبار أن المترشح الذي يزكيه الناخبون يكون رئيسا لأكبر دولة في العالم ويستطيع من برجه العالي أن يمارس تأثيرا على الساحة الدولية ويتحكّم في تسيير دواليب سياستها.
اليوم وبعد حملة انتخابية طويلة امتازت بالطرافة والتشويق، انتخب الأمريكيون رئيسهم الـ45 الذي سيسعى داخليا إلى ترجمة وعوده على أرض الواقع، ليعمل ضمن مؤسسة الحكم القويّة على تحقيق تطلّعات الشعب الأمريكي وضمان زعامته للعالم.
ومعلوم أن الأمريكيين الذين لا يدخلون في حساباتهم الانتخابية المسائل الخارجية ولا يكترثون بما يجري من حولهم، ويجعلون دائما الاعتبارات المحلية والداخلية كأولوية، ينتظرون الكثير من الإدارة الجديدة، خاصة ما تعلّق بجانب تحسين وتطوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ومواجهة بعض التوترات الأمنية المرتبطة أساسا بالاعتداءات التي تطال السود من طرف الشرطة والتي شهدنا في الأشهر الأخيرة كيف حرّكت المواطنين في احتجاجات بالعديد من الولايات.
أما خارجيا، ومن منطلق مكانتها وتأثيرها، فيسجل الخبراء أن خليفة أوباما ورث عالما مليئا بالاضطراب والصراعات والفوضى الخلاقة التي فجّرها الرئيس السابق بوش في المنطقة العربية، ما يجعل التحديات التي يواجهها كبيرة والتعامل معها شاق، الأمر الذي يتطلّب بالضرورة سياسة جديدة تتّسم بالتّهدئة والانفراج.
الرئيس الامريكي الذي انتخبه الامريكيون أمس قد يكون اليوم في موقف أصعب مما كان عليه الرؤساء السابقون، ففي السابق كانت التحديات التي تواجه القادم الجديد إلى البيت الأبيض، تكاد تكون محصورة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي، أما اليوم فهو سيرث مشكلات إقليمية متعددة مرتبطة بالتحالفات والتنافسات والأزمات المتداخلة.
خليفة أوباما والمهمة الصعبة
اليوم لا توجد قضية شاملة واحدة، لكن القضايا متعدّدة، حيث اشتعلت سوريا والعراق واليمن، وغمر اللاجئون العالم، وعادت روسيا إلى المنطقة بوصفها لاعبًا رئيسًا، ومع عودتها أطلّت الحرب الباردة برأسها، وتبحث ليبيا الآن عن الاستقرار، والأكراد يستغلّون الوضع سعيا لإقامة دولة، والإرهاب ينخر أكثر من دولة...
هذا الوضع المتّسم بالتعقيد والتصعيد هو في حقيقة الأمر من صنع أمريكا ذاتها،لهذا على الرئيس الأمريكي الجديد أن يتحمّل التبعات، وأن يسارع إلى تبني استراتيجية تقود إلى حلحلة المشاكل والأزمات التي يتخبط فيها العرب، ومن خلال ذلك تقود إلى واستعادة مصداقية الولايات المتحدة التي سقطت في الحضيض.
الأمريكيون يحتفلون اليوم برئيسهم الجديد ويعلّقون عليه الآمال الكبيرة ليقودهم إلى مستويات أعلى من التطوّر والتقدّم والرفاهية، أما المجموعة الدولية فهي تنتظر منه أن يصحّح الأخطاء والخطايا التي ارتكبها سابقوه، وأن يستغل العظمة الأمريكية في إقرار السلم والاستقرار بالعالم وخاصة بالمنطقة العربية، ولا يجعلها كما هي حاليا سيفا مسلّطا على رقاب المستضعفين، وسكينا تمزّق الدول وتذبح وحدة شعوبها.———