بلادنا تحولت إلى قوة اقتصادية وعملاق طاقوي ينوع من منتوجاته
قدم الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي، قراءة متأنية في دوافع مراجعة اتفاق الشراكة
قدّم الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي، قراءة متأنية في دوافع مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ويرى أن الجزائر أصبحت تختلف كثيرا عن ما مضى، بعد أن تحوّلت إلى قوّة اقتصادية وعملاق طاقوي ينوّع من منتوجاته، هذا من جهة ومن جهة أخرى، تطرق إلى عدم تجسيد أغلبية بنود اتفاق الشراكة الموقّع عام 2005، وقال إن الوقت صار مناسبا لتفعيل هذه الشراكة بشكل يعود بالفائدة على جميع الأطراف.
اعتبر الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي، أن مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي صارت حتمية، على خلفية أنه في وقت سابق لم تفعل الاتفاقية اقتصاديا بالشكل المطلوب، والدليل على ذلك أنه لم تجسد ثلاث محاور أساسية، كانت الجزائر تحرص على تنفيذها، ويتعلق الأمر بكل ما يشمل تحويل التكنولوجيا وجلب رؤوس الأموال وكذا حرية تحرك العنصر البشري.
وفي شرح مفصل ومستفيض، أكد الدكتور تغرسي، أن تحويل التكنولوجيا، كان من أبرز بنود الاتفاق المبرم في عام 2005، باعتبار الجزائر أكبر مورد طاقوي موثوق للقارة الأوروبية، من أجل دعم التحول الطاقوي، لأن الجزائر تمون أوروبا بنسبة 12 بالمائة من الطاقة، وكما أنها تعتزم تزويد شركائها الأوروبيين بطاقات أخرى نظيفة ومتنوعة، مشيرا في سياق متصل، إلى مشاركة وزير الطاقة محمد عرقاب بمعرض طاقوي دولي في إيطاليا مؤخرا، وحضرته العديد من الشركات العالمية.
وأثار الخبير انشغال جوهري، يتمثل في طريقة استقطاب التكنولوجيا الحديثة والمتطورة ليس في الطاقة وحدها، وإنما في العديد من القطاعات، من بينها الفلاحة، عبر تفعيل الشراكات الحقيقية وفق مبدأ رابح – رابح، وإلى جانب بناء الشراكات الحقيقية في مجال التعليم العالي وقطاعات حيوية أخرى، على غرار الصناعة والسياحة، وجلب التكنولوجيا بمعناها الواسع، وليس بناء شراكات تقتصر على تقديم الخدمات.
ويعتقد تغرسي في هذا المقام، أن عملية مراجعة الاتفاق سيعكف فيها على تشريح مدى قدرة دول الاتحاد الأوروبي على تحويل التكنولوجيا، لأن الجزائر تمتلك ثروات هائلة ومختلف المنتجات وتحتاج إلى التكنولوجيا.
وضرب مثالا حيا على تصدير المنتجات خام مقارنة بمزايا تصديرها مصنعة، لأن أرباحها وقيمتها تكون مضاعفة عدة مرات، مثل سعر الحديد الخام يبلغ 136 دولار للطن، ويصل سعره المصّنع بشكل نهائي حوالي 10 آلاف دولار للطن الواحد. ولم يخف الخبير، أنه لم يتم تسجيل تحويل التكنولوجيا بحسب ما نصت عليه بنود الاتفاق.
ومن بنود الاتفاق غير المفعّلة، ولم تترجم على أرض الواقع، حيث بقي تنفيذها حبرا على ورق، أوضح الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي، أن عملية ضخ وجلب رؤوس الأموال، بقيت غائبة من خلال عدم الاستثمار في شتى القطاعات، مثل قطاع الطاقة، وذكر أن كل ما هو مسجل في هذا القطاع الاستراتيجي، يقتصر على تواجد شركات إيطالية من بينها شركة “إيني”، علما أن استثماراتها في الجزائر تصل إلى سقف 8 مليار دولار، ولم يخف الخبير في هذا الإطار، أنه لو استثمرت عدة دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا، فإن الربحية تعود على الطرفين أي الجزائر ودول أوروبية، على غرار الاستثمار في الفلاحة والصناعة التحويلية والسياحة وكذا المناجم، في ظل وجود ثروة ضخمة تكتنزها المناجم وغياب جميع الشركات الأوروبية عن الاستثمار في هذا القطاع الاستراتيجي والمربح، لأن الجزائر توفر مزايا وامتيازات يمكن لدول الاتحاد الأوروبي أن تستفيد منها.
وبخصوص آخر بند لم يتم تنفيذه على ضوء اتفاق الشراكة من طرف دول أوروبية، تطرق الخبير إلى عدم تفعيل الاتفاقيات المتعلقة بتحرك العنصر البشري، على اعتبار أنه منذ عام 2005، بقيت إشكالية صعوبة حصول الجزائري على تأشيرة سواء كان طالبا جامعيا أو باحثا، مطروحة بشدة، وكان بالإمكان استغلال القدرات الجزائرية، من خلال العمل سويا لتطوير البحث العلمي وإقامة شراكات مثمرة بين الجامعات الجزائرية ونظيرتها الأوروبية مثلما تنص عليه العقود، وتأسف الخبير في هذا السياق أن بعض الجامعات الأوروبية، تستغل الباحثين الجزائريين المميزين بصفة منفردة، ومن دون العودة إلى وزارة التعليم العالي ومن دون علمها.
ويرى الخبير تغرسي، أنه من الضروري بناء شراكات في البحث عبر مختلف المجالات، حيث يكون الاتحاد الأوروبي مرافقا للقدرات، ويتقاسم المنافع والأرباح مع الطرف الجزائري، وذهب تغرسي إلى أبعد من ذلك، على ضوء تقييمه لكل ما طبق من الاتفاق، لأنه يعتقد أن عدة محاور ينص عليها الاتفاق غير مطبقة، وربما لم يصل تنفيذها نسبة 10 بالمائة، ويتعلق الأمر بغياب تأطير للمؤسسات الوطنية وهيكلة شركات وما إلى غير ذلك.
وبعد أن اختلف الظرف، في ظل التحول العميق للمنظومة الاقتصادية الجزائرية ووضع خطواتها ضمن مسار الدول الناشئة بحركية وقوة اقتصادية متنامية، قال الخبير إن الربحية في الجزائر صارت كبيرة ومضمونة، بداية من التطور الذي يشهده أكبر بلد إفريقي وامتلاكه لطاقة بتكلفة منخفضة، وعلى اعتبار أن هذه الموارد الطاقوية غائبة عن أوروبا، ويضاف إلى ذلك حرية القرار السيادي الذي تتمتع به الجزائر في الوقت الحالي وعدم تبعية القرار الجزائري لأي مؤسسات دولية.
ومما توفره الجزائر للشريك الأوروبي، وقف الخبير على دورها في القارة الإفريقية كبوابة استراتيجية، عبّدت البنى التحتية، معتمدة على نفسها وفوق ذلك توفر حلولا وفرصا استثمارية مغرية ومنخفضة التكلفة، وأشار تغرسي إلى أن الاتحاد الأوروبي المستفيد من الثروات الافريقية لم يدعم التركيز في مشاريع البنى التحتية.