طباعة هذه الصفحة

معرض التّجارة البينية فرصة الأفارقة..الخبير عبد الرحمن هادف لـ “الشعب“:

الجزائر أسّست لمنظومــة قادرة على تنويع الاقتصـاد

حياة . ك

المركز الإفريقي للبحث والابتكار عنوان الجمع بين المعرفي والصّناعي

 يحتضن معرض التجارة البينية الإفريقية الذي ينطلق اليوم 4 سبتمبر، «البرنامج الإفريقي للشركات الناشئة» الذي يمنح لـ 75 مؤسسة ناشئة من مختلف البلدان الإفريقية فرصة العرض ضمن جناح مخصص مع الاستفادة من دورات تدريبية متخصصة وجلسات أمام المستثمرين وخبراء التمويل، فضلا عن توفير مرافقة تقنية ولقاءات ثنائية مع مسؤولين من هيئات إقليمية ودولية.

 بالمناسبة، سيتم إطلاق المركز الإفريقي للبحث والابتكار، وهو منصّة رقمية تفاعلية موجّهة للأساتذة والباحثين والطلبة الأفارقة، بما في ذلك المتواجدين في المهجر، لعرض نتائج أبحاثهم ونماذجهم الأولية، وتعزيز التعاون بين القطاع الأكاديمي والصناعي وصناع القرار بهدف دعم الابتكار وتسهيل الولوج إلى الأسواق.
ويتماشى المعرض مع المسار الذي تقوده الجزائر لتشجيع إنشاء بيئة أعمال مبتكرة في إفريقيا، حيث احتضنت منذ 2022 المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة، وتمّ خلال هذا المؤتمر اعتماد «إعلان الجزائر الوزاري حول تطوير المؤسسات الناشئة والذكاء الاصطناعي في إفريقيا»، والذي أكّد فيه الوزراء الأفارقة المكلفون بالقطاع أهمية هذه المؤسسات في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودعمها لأجندة الاتحاد الإفريقي 2063 واستراتيجيات التحول الرقمي والابتكار، مشيدين بالجهود الجزائرية في هذا المجال.
وشدّد إعلان الجزائر على أهمية الاستثمار في البنية التحتية الرقمية لضمان وصول عادل للتكنولوجيا بين المناطق لتقليص الفجوة الرقمية، وضرورة اعتماد سياسات موحّدة تعزّز التعاون بين الدول الإفريقية في الذكاء الاصطناعي.
في السياق، أبرز المستشار الدولي في التنمية الاقتصادية عبد الرحمن هادف، أنّ المؤشّرات الحالية تؤكّد أنّ الجزائر دخلت فعليا مرحلة بناء منظومة ريادة أعمال قادرة على لعب دور أساسي في تنويع الاقتصاد، والانفتاح على أسواق الجوار وإدماج نفسها في سلاسل القيمة العالمية.
وتعرف المؤسسات الناشئة في الجزائر ديناميكية جديدة وآفاق واعدة، بحسب ما تؤكّد مؤشّرات النجاح الأولية المحققة السنة الجارية، حيث تشهد بيئة المؤسسات الناشئة في الجزائر خلال سنة 2025 حركية لافتة تعكس التحول الجاري منذ إطلاق المنظومة الخاصة بالـ «ستارتاب» قبل أربع سنوات، حسبما ما صرّح لـ «الشعب» الخبير الدولي هادف، حيث شكّل إدراج شركة «مستشير» في بورصة الجزائر بداية العام الجاري، حدثا رمزيا، «ليس فقط لكونها أوّل مؤسّسة ناشئة تصل إلى السوق المالية، بل لأنها فتحت الباب أمام جيل جديد من المقاولين الشباب»، كما تم إطلاق مسابقة الابتكار الزراعي، حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع المشاريع الجامعية المبتكرة بأكثر من 50 بالمائة سنة 2024 مقارنة بالسنة السابقة.
ويرى الخبير هادف أنّ هذه النقلة النوعية المسجلة في المشاريع المبتكرة، لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة مباشرة لسياسات الدولة التي راهنت على إنشاء شبكة من الحاضنات، تأسيس المسرع العمومي، وإطلاق «الصندوق الجزائري لتمويل المؤسسات الناشئة»، الذي خصّص له ما يقارب 58 مليار دينار (أكثر من 400 مليون دولار) لدعم الاستثمار في المراحل الأولى، مع إمكانية وصول التمويل إلى 150 مليون دينار للشركة الواحدة، مفيدا أن عدد المؤسسات الحاصلة على «لابل ستارتوب»، تجاوز عتبة 2300 شركة في ظرف أربع سنوات، ما يعكس توسع القاعدة الريادية، واندماج الجامعات بشكل أوضح في ديناميكية الابتكار.
فيما يتعلق بالجامعات، فإنّها تمثّل - كما يراها محدّثنا - رافعة أساسية، ومن العناصر المحورية في هذه الديناميكية التي تشهدها المؤسسات الناشئة، والدور المتنامي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في ربط الجامعة بريادة الأعمال، مشيرا إلى أنه تمّ إدماج «المساهمة التعليمية» كمكون أساسي يشجّع الطلبة والخريجين على التفكير في إنشاء مشاريع ناشئة بدل الاكتفاء بالمسار الوظيفي التقليدي. في هذا السّياق، قال هادف إنّ الجامعات تضم فضاءات عمل جماعي، وحاضنات تسمح بتحويل أفكار التخرج إلى مشاريع قابلة للتسويق، لافتا إلى أنّ مراكز البحث والتطوير تلعب هي الأخرى دورا تكامليا، حيث يوفّر مركز تطوير التكنولوجيات المتقدمة (CDTA) الدعم في مجالات الروبوتيك، الذكاء الاصطناعي، والأنظمة المدمجة، بينما يساهم مركز تطوير الطاقات المتجددة (CDER) في تطوير حلول مبتكرة للطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، موضّحا أنّ هذه المراكز لا تقتصر على البحث الأكاديمي، بل أصبحت فضاءات للشراكة مع المؤسسات الناشئة، سواء عبر تجارب ميدانية، احتضان تقني، أو نقل للتكنولوجيا نحو السوق. وتطرّق الخبير هادف في تصريحه إلى الإطار المنظم والتطورات المهمة التي عرفها، حيث أصبح الحصول على «لابل ستارتوب» أكثر وضوحا ومرونة، إذ يكفي استيفاء شرط واحد من ثلاثة (إنفاق 15 بالمائة من رقم الأعمال على البحث والتطوير، أو توفير نصف المؤسسين على شهادة دكتوراه، أو امتلاك براءة اختراع / برنامج محمي) لتصنيف المؤسسة ضمن النظام.
وذكر هادف بالحوافز الضريبية المتضمّنة في قانون المالية 2025، التي تسمح بخصم يصل إلى 30 بالمائة من الأرباح الخاضعة للضّريبة في حال إنفاقها على البحث والتطوير أو الابتكار المفتوح، وهو ما يعزّز ـ حسبه ـ جاذبية بيئة ريادة الأعمال أمام المستثمرين المحليين والأجانب.
بالنسبة للقطاعات الواعدة للاندماج في سلاسل القيمة العالمية، يبرز الخبير هادف قطاعين رئيسيين يمكن للمؤسسات الناشئة الجزائرية أن تبني عليهما حضورا قويا، يتمثل الأول في الطاقات المتجددة والتكنولوجيا النظيفة، وذلك بفضل الإمكانات الهائلة في الطاقة الشمسية والرياح، يمكن للمؤسسات للناشئة تطوير حلول لتخزين الطاقة، رفع كفاءة الاستهلاك، والهيدروجين الأخضر، ما يفتح المجال للاندماج في سلاسل القيمة المرتبطة بالانتقال الطاقوي العالمي.
أما القطاع الثاني، فيتمثل في الرقمنة والتكنولوجيات الناشئة، ويشمل ذلك الذكاء الاصطناعي، التجارة الإلكترونية، وحلول المدن الذكية، ما يجعل من الجزائر سوقا شابة وواسعة تصلح لتجارب أولية، وهذا ما يمكّن - يقول هادف - من الانفتاح على أسواق إفريقية وعربية، مع إمكانية إدماج حلول محلية في سلاسل التوريد العالمية، خاصة في البرمجيات والخدمات الرقمية.
أما فيما يتعلق بالانفتاح على الأسواق الخارجية، فقد أكّد هادف أن هناك مبادرات مبتكرة، برزت لدعم التموقع الدولي للمشاريع الجزائرية، حيث أُطلق برنامج استكشاف الذي استفاد منه نحو 450 مؤسسة ناشئة وحامل مشروع مبتكر، كما أتيحت لهم فرص السفر إلى الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية للتعرف على المنظومات العالمية وبناء شبكات تعاون.
وذكر المتحدث أنّه تمّ تعزيز الشراكات مع شركات تكنولوجية كبرى، ما يسهم في تكوين جيل جديد من الكفاءات الجزائرية في مجالات الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية والشبكات الذكية، مبرزا أنّ ما تحقّق حتى الآن يعكس تناغما نسبيا بين ما تقدمه الدولة من دعم ومرافقة، وبين ما يترجم على أرض الواقع من مشاريع وشركات ناشئة.