الملكية الفكرية وحماية البيئة في صلب النقاش الطاقوي
جامعات جزائرية تطوّر حلولا خضراء لحماية منشآت النفط والغاز
انطلقت أشغال الملتقى الدولي حول الحلول الخضراء في الصناعة البترولية والغازية، أمس الأربعاء بوهران، بمشاركة خبراء من 12 بلدا سيقدمون أكثر من 90 محاضرة حول مواضيع مختلفة تخصّ حلول وتقنيات جديدة في مجال البترول والغاز.
وأشرف على افتتاح هذا اللقاء العلمي، المنظّم من طرف المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي بالشراكة مع المديرية المركزية للبحث والتطوير لمجمّع “سوناطراك”، ممثل المديرية فضيل شريف الذي قدم مداخلة حول الإنتقال الطاقوي ومكانة الطاقات الأحفورية في ظل التطورات والتغيرات الراهنة على الصعيد الدولي.
أوضح شريف أنّ “شركات النفط والغاز والطاقة تواجه تحديات معقّدة في الوقت الحاضر، حيث تسعى لتحقيق التوازن بين تأمين الطاقة اللّازمة لنمو الدول وتطورها، وبين معالجة القضايا البيئية التي ازدادت صعوبة إدارتها ومعايرتها”، وأشار إلى أنّ “قطاع الطاقة العالمي مسؤول عن 73% من انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو ما يستدعي اتخاذ تدابير جادة للحدّ منها، وفقًا لاتفاقية باريس”.
وترتّب عن “الجهود العالمية المبذولة لمكافحة تغيّر المناخ، تشديد اللوائح المتعلقة بالكربون، حيث ارتفع سعر الطنّ الواحد من ثاني أكسيد الكربون في أوروبا من 5 يورو في عام 2017 إلى أكثر من 90 يورو في عام 2023، ممّا يعكس جدية الإجراءات التنظيمية المتخذة”.
كما أشار إلى أنّ “أكثر من 140 دولة، تمثل حوالي 90% من إجمالي الانبعاثات العالمية، قد تعهّدت بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050-2060، ممّا يستلزم إعادة هيكلة جذرية لنماذج الأعمال في قطاع النفط”.
وأكّد أنّ “تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية انخفضت بنسبة 85% خلال عشر سنوات، ممّا جعلها تنافس الغاز والفحم في العديد من مناطق العالم”، مشيرا إلى أنّ “الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة، بلغ 1.8 تريليون دولار في عام 2023، متجاوزا لأول مرة استثمارات الوقود الأحفوري”.
أوضح أنّ “التحول إلى الطاقة النظيفة، لا يمكن أن يكون مفاجئا، تجنّبا للاضطرابات الاقتصادية وضمانا لأمن الطاقة”، مشدّدا في الوقت ذاته على “ضرورة أن يكون الانتقال تدريجيا ومستداما، ومخطّطا له بعناية، عبر جهود مشتركة بين الحكومات والصناعات والمجتمعات”.
وأشار إلى أنّ “الغاز والطاقة الكهرومائية والهيدروجين تشكّل حلولا مثالية لدعم هذا التحول”، مؤكّدا أنّ “القضية لا تتعلّق بمنافسة بين الوقود الأحفوري والطاقة المتجدّدة، وإنما بإعداد رؤية مستقبلية أكثر استدامة”.
الملكية الفكرية مهمة في إدارة الطاقة
وعاد ممثل المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في “سوناطراك”، ليؤكّد بأنّ “صناعة النفط والغاز تمتلك موارد تقنية وبشرية ومالية تؤهّلها لتكون طرفا رئيسيا في الانتقال الطاقي”، كما تطرّق إلى “أهمية الجوانب المتعلّقة بحقوق الملكية الفكرية، والتي تشمل نماذج الطاقة وتوازناتها، إدارة الموارد البشرية، حوكمة البيانات، والإدارة المالية”.
تعـاون مثمـر
وأفاد رئيس اللجنة العلمية للملتقى، الأستاذ قدري عبد المؤمن من جامعة سوق أهراس، بأنّ “النتائج التي تم التوصّل إليها وصلت إلى مرحلة متقدمة، وسيتم تطبيقها ميدانيا في القريب العاجل”، ولفت إلى “أهمية تبادل الخبرات مع الباحثين المشاركين، الذين يمثلون 12 دولة، حيث تجاوز عدد العروض المقدمة 275 عرضا، تم اختيار منها ما يقارب 213 مشاركة، تضمّنت 90 مداخلة شفوية، و94 مشاركة كملصقات علمية”.
مواكبــة التغيّـرات
من جهته، اعتبر الخبير في مجال الطاقة شعيب بوطمينة، “الجهود العالمية لزيادة حصة الطاقة المتجدّدة، مع الحفاظ على الموارد التقليدية من الغاز الطبيعي، أمرا ضروريا لتحقيق توازن مستدام في قطاع الطاقة”.
وفي سياق الحديث عن دور الجزائر، اعتبر بوطمينة “أنّ الدول الأوروبية، تمثل الشريك الرّئيسي لها في قطاع الطاقة”، مشيرًا إلى أنّ “الأوروبيّين يسعون إلى تنفيذ برامج طموحة، تهدف إلى التوسّع في استخدام الطاقات المتجدّدة”، وأوضح أنّ “هذا التحول، قد يشكل تحديا لمكانة الجزائر كمورّد رئيسي للغاز الطبيعي لدول جنوب أوروبا، ممّا يستدعي دراسة الوضع بعناية”، ويرى أنه “في حال اتجهت الدول الأوروبية إلى تنويع مصادر الطاقة والغاز الطبيعي، فإنّ ذلك قد يؤثر على الدور الجزائري في السوق الطاقوية”.
أفاد بوطمينة بأنّ “الجزائر بحاجة إلى تحقيق توازن بين استهلاك الكهرباء والتزاماتها التعاقدية مع الاتحاد الأوروبي”، مشيرًا إلى أن “دمج حلول الطاقة التقليدية مع الاستثمار في الطاقات المتجدّدة يعد خطوة ضرورية لضمان استقرار استهلاك الغاز الطبيعي”.
وأكّد بوطمينة “أهمية التزام الجزائر باتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع استكشاف حلول جديدة تضيف قيمة للاقتصاد الوطني في قطاع الطاقة، مثل احتجاز الكربون، وتحسين استخراج النفط، وتعزيز كهربة المنشآت الصناعية”. وخلص بوطمينة إلى أنّ “تبني هذه الاستراتيجيات سيمكّن الجزائر من ضمان إنتاج طاقة مستدامة، مع مواكبة التغيّرات في السوق العالمية”.
ملياني: جامعاتنا تطوّر حلولا لمشاكل الأكسدة الداخلية
نجحت جامعتا الشلف وسوق أهراس في إطار مشروع بحث بالشراكة مع مديرية البحث والتطوير لمجمّع “سوناطراك”، في تطوير حلول لإنتاج مثبطات لحماية قنوات الغاز والبترول من الأكسدة الداخلية، حسبما أفاد أمس الأربعاء بوهران، الباحث حاج ملياني الذي أشرف على أحد المشاريع.
وقال ملياني في تصريح على هامش الملتقى الدولي حول الحلول الخضراء في الصناعة البترولية والغازية، أنه تم إطلاق عدة مشاريع بحثية في إطار الشراكة بين مديرية البحث العلمي والتطوير التكنولوجي ومديرية البحث والتطوير لسوناطراك منذ ثلاث سنوات، من بينها مشروعان حول تطوير مثبطات لحماية قنوات الغاز والبترول شارك فيه باحثون من جامعتي الشلف وسوق أهراس.
وأبرز الباحث أنّ المشروعين تكلّلا بالنجاح بحيث تم إيداع براءتي اختراع على المستوى الوطني، فيما ينتظر تطبيق هذه الحلول في القريب العاجل، كما أشار إلى أنّ هذه المثبطات تعد صديقة للبيئة حيث يتم إنتاجها انطلاقا من الأعشاب التي تنبت في جنوب البلاد، مشيرا إلى أن إنتاجها محليا سيوفر من فاتورة الاستيراد، إضافة إلى كونها بديلا بيئيا للمثبطات الكيميائية الملوثة.
وقد تم تقديم نتائج هذه الأبحاث في إطار إحدى الجلسات التي نظمت خلال هذا الملتقى، وهي جلسة “مشروع البحث حول المثبطات الخضراء في قطاع البترول والغاز”. كما تم تنظيم أربع جلسات أخرى، تتمحور الأولى حول “مسارات نزع الكربون في قطاع البترول والغاز” تم التطرّق فيها إلى تقنيات مبتكرة للتقليل من الإنبعاثات الكربونية واحتجازها وتخزينها، مع عرض نتائج الأبحاث الخاصة باستخدام الطاقات المتجددة والهيدروجين فيما يخص إزالة الكربون. وتخص الجلسة الثانية “تكنولوجيات الوقود الحيوي المبتكرة”، حيث تم عرض أساليب لإنتاج الوقود الحيوي ومدى تكاملها مع العمليات التقليدية لإنتاج الوقود، فيما تمحورت الجلسة الثالثة حول “التزويد المستدام بالكتلة الحيوية وسلاسل الإمداد”، وشهدت عرض استراتيجيات للحصول على مواد أولية من مصادر بيئية مستدامة وتثمين النفايات النفطية لإنتاج الوقود الحيوي. كما تطرقت الجلسة الأخيرة إلى “معالجة المياه المستدامة لتعزيز استرجاع النفط”، إضافة إلى جلسة اختصت بالجانب التشريعي والتنظيمي المتعلّق بالسياسات والتمويل ذات الصلة بمشاريع البحث.