من عادة الأسرة الجزائرية أن يجتمع جل أفرادها كبيرا وصغيرا ذكورا وإناثا على مائدة الإفطار خلال شهر رمضان الكريم، ويستلزم هذا الاجتماع أن تفضل القنوات الوطنية على غيرها من الفضائيات تجنّبا لخدش الحياء واحتراما للتقاليد والأعراف. لكن هذه السنة تعذّر على الكثير من العائلات اتباع ذات التقليد كون الفضائيات الوطنية الخاصة تفنّنت في تقديم شبكة من البرامج على أنّها ترفيهية لكنها في الواقع عبارة عن تشكيلة من «السيتكومات» وحصص «الكاميرات الخفية» ومسلسلات الفكاهة والفرجة والدراما لا تمت بصلة للفرجة والضحك والترفيه لا من بعيد أو من قريب. أعمال تعتمد على نصوص رديئة وأفكار مشبّعة بالعنف والكلام السوقي، داعية إلى الانفصال والانشقاق وعدم احترام الصغير للكبير ولا الشاب للشيخ ولا الرجل للمرأة أو العكس. نصوص ابتعدت كل البعد عن القيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري، تلك التي تدعو لاحترام الخصوصية وعدم التهجم على الناس والتلاعب بمشاعرهم وتجريحهم والتهكم عليهم، من باب إضحاك المشاهد.
إلى أين تتّجه الفضائيات الخاصة بالمجتمع الجزائري؟ سؤال يطرحه الواقع المرير لظاهرة البرامج التلفزيونية والمحتوى الإعلامي الذي أقل ما ينعت بالركيك الذي تقدمه اليوم بل وتتنافس على جلب أكبر نسبة من المشاهدين أو «الضحايا» من خلاله ومن المسؤول عن هذه الرداءة؟ هل هي حداثة وجود هذه الفضائيات أم اعتمادها لأسباب مادية على شباب يفتقد للخبرة ويسعى وراء الارتجال والتألق السريع من خلال إنتاجه وتقديمه لأعمال تليفزيونية تقوم على أساس «كوّر واعطي للأعور»؟
فأين الوزارة الوصية وسلطة الضبط للسمعي البصري من كل هذا؟ وكيف يسمح لقنوات تخاطب المواطن الجزائري بالتعدي الصريح على الخطوط الحمراء للمجتمع الجزائري؟ فهل الانفتاح على الحداثة وكسر الطابوهات يسمح بمخاطبة المشاهد بلغة سوقية لا يفقهها سوى الشباب الذي لا يعرف واقعه سوى العنف وتعاطي المخدرات والانسياق أمام مظاهر «الرجلة» في استعمال «الشمة» والمخدرات والقوة وتتبع موضة «الكيراتين»؟
فأين الرسالة الإعلامية وواجب التوعية والترفيه الذي من المفروض أن تقوم به الفضائيات اتجاه المشاهد؟ هذا الذي تجتهد منذ ظهورها على تقديمه للعالم كإنسان يهوى العنف والنرفزة والتهكم، قليل أو منعدم الثقافة ولكن له رأي في كل صغيرة وكبيرة، وهمه الوحيد هو المشاركة والظهور على التلفاز؟ وهل التنافس على أعلى نسبة مشاهدة يستدعي التضحية بالقيم الاجتماعية وبأخلاقيات المهنة، والتهافت على مادة تلفزيونية دسمة مشبّعة بالارتجالية في اختيار الفكرة والنص والمحتوى، وعدم احترام المقاييس الفنية والفكرية في الإنتاج واستعمال المنظور الضيق في التعاطي وانشغالات وتطلّعات المشاهد الجزائري.