إنتماء أصيل وانفتاح ذكي

سعيد بن عياد
17 جانفي 2017

تشكل المرجعية الدينية للإسلام الوسطي الأصيل والمتفتح، الحلقة المتينة في النسيج الاجتماعي الذي يبقى أساس الجدار الوطني في مواجهة العولمة وكل ما تجره من تداعيات تصل إلى حد استهداف السيادة الوطنية للدول.
تمثل السيادة في الضمير الجمعي، المكسب الحيوي الذي تتوارثه الأجيال المتعاقبة. ومن ثمة يكون من الضروري جدا الحرص على تعزيز بنية المرجعية الدينية للجزائر، كونها الإسمنت الذي يشدّ الروابط المختلفة للمجتمع ويغذي روحه المتجددة ويحصّنه من كل التهديدات المحتملة ويقيه من الظواهر الهدامة، مثل العنف والتطرف.
وتمتد المرجعية الدينية للجزائر في عمق التاريخ، مسجلة بروزا قويا في تمتين البناء الاجتماعي وانسجام الهوية الوطنية للشعب الجزائري، بحيث تستوعب، أباً عن جد، التنوع الثقافي الذي يصبّ في نفس الاتجاه الذي تبلور بشكل جلي ونهائي إبان ثورة التحرير المجيدة التي شكلت خلالها العقيدة الروحية للشعب الجزائري، مجسدة في الدين الإسلامي الحنيف، الوقود المتجدد لإرادة التحرر واسترجاع الكرامة والعزة. لذلك، كان من الأمور الجوهرية أن يكرس الدستور، على اختلاف مراحل الحكم إلى اليوم، مادة جوهرية تؤكد أن الإسلام دين الدولة، تكريسا للوسطية التي تحتضن تقاليد وقيم المجتمع والتي تصب في نفس الوعاء، ألا وهو الوطنية بالمفهوم الكبير بكل ما تعنيه من تاريخ وحاضر وتطلعات.
كانت مرجعيتنا الحصن المنيع في مواجهة الأزمات والمفتاح السليم لتجاوز الهزات التي مر بها المجتمع، ولاتزال عنوان الهوية ومصدر قوة الفرد والأسرة، في عالم تحول حقيقة إلى قرية يمكن أن تعصف بها رياح تهب من مختلف جهات الكرة الأرضية ومنها بالأخص رياح تفريق الشعوب وتمزيق وحدتها وبعثرة مواردها وتحويلها إلى مجرد أسواق تابعة لمراكز نفوذ عالمية، تغذيها نزوة التسلط والهيمنة، أو بعبارة أخرى الاستعمار الجديد. وكان لزاما تحصين هذه القوة من أي تلاعب أو احتكار أو توظيف، بإدراجها ضمن الثوابت الوطنية للهوية الوطنية، منعا لوقوعها في قبضة قوى غامضة تحركها أياد أجنبية، خاصة تلك التي لم تهضم إلى اليوم تحرر الجزائر ورفض شعبها الانكسار مهما كانت المؤامرات والمناورات، من أجل تعطيل المسيرة الوطنية وعرقلة الحركية التنموية التي تضع الإنسان في صميم البرامج الوطنية والمحلية.
بالطبع، من أكبر المكاسب التي تحافظ عليها مرجعيتنا الدينية بما تتميز به من انتماء أصيل وانفتاح ذكي قائم على العلوم والمعارف، الوحدة الوطنية التي صهرتها الثورة التحريرية، لتتحول إلى طاقة خلاقة ومتجددة جيلا بعد جيل. إنها الصخرة المتينة التي تتكسر عليها كل محاولات النيل من بلادنا أو التشويش على شعبها المدرك للرهانات والمقدام على التعامل مع التحديات.
غير أن المصدر الأول في تأمين هذا الجدار يبقى في الأسرة والمدرسة والمسجد وباقي الروافد الاجتماعية لتنمية الشخصية الوطنية للفرد والمجتمع، باعتماد المنطق والنقاش البناء، بحيث يمكن حينها إدراك قيمة الوسطية كجسر عبور آمن إلى المستقبل ومن ثمة امتلاك الطاقة اللازمة للتعاطي مع إفرازات المحيط الإقليمي والعالمي دون فقدان في أي لحظة، مهما كانت يسيرة أو عسيرة، جادة الصواب، لتتواصل المسيرة باتزان وسط الأمم.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024