طباعة هذه الصفحة

حقّـق انتقـالا حيويا إلى الفعـل المؤسّسـي..الدكتـور بوغابـة لـــ”الشعب”:

الرئيس تبون أرسى قواعـد محكمة للديمقراطيـة التشاركيـة

علي مجالدي

المنهـج..القانـون والتعبــير المسـؤول..ضوابـط تحصّـن الفعــل الديمقراطـــي

تحديـد قواعــد المشاركة..حسمُ طـرق اتخـاذ القـرار وآجـــالُ التنفيذ

بنــاءُ الثقـة وتثبيــت الاستقـرار السياسي علـى قاعـدةِ القانــون والمسؤوليــة

قدم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في اللقاء الإعلامي الأخير، تصوّرًا يُعلي من منهجية الإطلاق قبل توقيته، ويُفهمُ منه أن الغاية لا تكمن في الإعلان، بل في تصميم آلياتٍ عمليةٍ تُحوّلُ العناوينَ الكبرى إلى مساراتٍ قابلةٍ للتنفيذ، وفي سياقٍ متصل تُبرزُ التجربةُ الجزائريةُ المتراكمةُ منذ فتح التعددية السياسية، حاجةَ الفعل السياسي إلى إطارٍ مؤسسيٍ يُحسنُ تمثيلَ المصالح.

أكد رئيسُ الجمهورية أن انطلاقَ الحوار مرهونٌ بتحديد الكيفيات والصيغ، ويشرحُ أن إدارةَ الشأن السياسي تقومُ على مناقشة الأفكار المطروحة وأن الحوارَ المنشود قد يُنتجُ مشاريعَ سياسيةً أخرى، إذا ضُبطت شروطُه، ويعرضُ تعدديةَ المقاربات ويشترطُ لكل ذلك حوارًا مؤسسيًا أو جماهيريًا منظمًا، ويضعُ - كذلك - قانونَ الأحزاب في قلب المعادلة بوصفه المدخلَ الذي يحددُ الالتزامات ويُيسّرُ الاطلاعَ على رأي الأغلبية، ضمن ميثاقِ احترامٍ متبادلٍ يمنعُ القذفَ والتضليل ويصونُ حيويةَ النقاش.
وفي هذا الإطار، يؤكد أستاذُ النظم السياسية المقارنة الدكتور عبد اللطيف بوغابة، في تصريح لـ«الشعب”، هذا المنحى باعتباره انتقالًا واعيًا من الرمزية إلى الفاعلية، ويشدّدُ على أن تكرارَ الإشارة الرئاسية إلى الحوار الوطني يعكسُ التزامًا انتخابيًا يجري تفصيلُ معالمه تدريجيًا، لا تدويرَ خطاب، ويُقرّرُ أن تصميمَ الإطار التنظيمي ليس تفصيلًا تقنيًا بل شرطُ أهليةٍ للدخول إلى ساحةٍ مشتركةٍ واضحةِ القواعد، كذلك يدعو إلى استثمار الرصيد التاريخي للجزائر في إدارة المراحل الحساسة حتى تُغلقَ منافذُ التسييس الفجّ وتُصانَ ثقةُ الجمهور.
 وفي نفس السياق، يضعُ الرئيس تبون تقويةَ الجبهة الداخلية في صلبِ الأمن القومي، ويعتبرُ الحوارَ المؤطرَ أداةً لتحويل الاختلاف إلى تنافسٍ مشروعٍ داخل المؤسسات، بدل تسربه إلى الشارع أو المنصاتِ غيرِ المسؤولة.
ويفككُ الدكتور بوغابة شرطَ “الكيفية والصيغ” إلى سلسلةِ أدواتٍ تشغيليةٍ تبدأُ بضبطِ أجندةٍ دقيقةٍ تُحدّدُ الموضوعاتِ وحدودَها وتُرتّبُ الأولويات، وتُعرّفُ دوائرَ المشاركة بما يمنعُ إغراقَ الساحةِ بكياناتٍ شكليةٍ أو خارجيةِ الارتباط، وتستكملُ بآلياتِ متابعةٍ وتقييمٍ تُحيلُ المخرجاتِ إلى مؤشراتٍ قابلةٍ للقياس، كما يُدخلُ قانونَ الأحزاب في قلبِ الهندسة المؤسسية، بوصفه صمامَ ضبطٍ للتمويل والشفافية والشرعية، ويقرأُ استقبالَ الرئيس لمسؤولي أحزابٍ على مدار السنة كإشارةٍ عمليةٍ إلى فتحِ قنواتٍ دائمةٍ لا موسميةٍ تُعيدُ بناءَ الثقة وتُقنعُ الفاعلين بأن الحوارَ مسارٌ وليس منصةً عابرة.
ويستحضرُ الدكتور بوغابة المقارناتِ الدولية ليستخلصَ قاعدةً بسيطةً مفادُها أن الحواراتِ الناجحةَ تُحدَّدُ فيها قواعدُ المشاركة سلفًا، وتُحسَمُ طرقُ اتخاذ القرار وتُحَدَّدُ آجالُ التنفيذ، ويُنبّهُ إلى أن الجزائر، بمراكمةِ خبرتها وبتركيزها على تحصينِ الداخل أمنيًا واقتصاديًا، تمتلكُ شروطَ نجاحٍ موضوعيةٍ ما دامت تراهن على ترتيبَ البيت السياسي بأدواتٍ قانونيةٍ واضحة.
وفي سياقٍ متصل، يربطُ توسيعَ فضاء التعبير الحزبي بميثاقِ سلوكٍ إعلاميٍّ، يُوازنُ بين حقِّ النقد وواجبِ التدقيق حتى لا تتحولَ الحيويةُ إلى فوضى رمزيةٍ تستنزفُ الثقة العامة، كذلك يدعو إلى تحديثِ المنظومة الانتخابية وتوضيحِ أدوارِ مؤسساتِ الإشراف، بما يوزعُ الوظائفَ بين الضبطِ والتّمثيل ويقلّصُ هوامشَ العطبِ الإجرائي.
وينتهي الدكتور بوغابة بالتحليل إلى خلاصةٍ تشغيليةٍ مفادُها أن المبادرةَ كما عرضها رئيس الجمهورية تربطُ الانطلاقَ بضبطِ المنهج بدقة، وتربطُ المنهجَ بقانونٍ يُؤطرُ التعددية، وتربطُ التعدديةَ بفضاءِ تعبيرٍ مسؤول، وتفتحُ البابَ لتحسينِ قواعدِ الانتخابات وإعادةِ توزيعِ الأدوار بين مؤسساتِ التنظيم والفاعلين الحزبيين، وفي نفس السياق، تُقاسُ الجديةُ بقدرِ ما تُترجَمُ العناوينُ إلى خطواتٍ محددةٍ بآجال ومؤشراتٍ قابلةٍ للقياس، عندها يستطيعُ الرأيُ العام أن يرى ديمقراطيةً تشاركيةً تُحترمُ فيها الأغلبيةُ وتُصانُ حقوقُ الأقلية وتُمارَسُ فيها معارضةٌ وطنيةٌ منظمةٌ لا تستقوي بالخارج ولا تُراهنُ على التضليل، وبذلك يُعادُ بناءُ الثقة ويُثبَّتُ الاستقرارُ السياسي على قاعدةِ القانون والمسؤولية والمصلحة العامة.