طباعة هذه الصفحة

الخبير الفلاحي.. لعلي بوخالفة لـ «الشّعب»:

رؤية جديدة لمواصلة «الثــورة الفلاحية» وتكريـس الأمـن الغذائي

خالدة بن تركي

 ملفّات هامّة  تنتظـر الوزير الجديد لمعالجة النقائص وتعزيز الإنتاجية

تشخيص شامل يشمل قـدرات الإنتاج واحتياجات السوق والمردوديــة والجودة

 يأتي قطاع الفلاحة في صدارة القطاعات الإستراتيجية التي تواصل الدولة دعمها وإصلاحها، باعتباره مجالا سياديا يرتبط بشكل مباشر بضمان الأمن الغذائي وتعزيز مقوّمات الاقتصاد الوطني، مع السعي لتثمين ما تحقّق من إنجازات في السنوات الأخيرة، والبناء عليها لتحقيق أهداف أكثر طموحا.
يكرّس تعيين وزير جديد للقطاع مواصلة مسار الإصلاحات وتعزيز ما تحقّق من إنجازات في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى الطابع السيادي لهذا القطاع الذي تراهن عليه الدولة بقوة لضمان الأمن الغذائي وتدعيم الاقتصاد الوطني.

 أوضح الخبير الفلاحي لعلي بوخالفة في تصريح لـ»الشّعب»، أنّ الوزير الجديد سيباشر عمله عبر إعداد تشخيص شامل لقطاع الفلاحة، يشمل قدرات الإنتاج، احتياجات السوق، المردودية والجودة، مع تحديد مكامن العجز أو الفائض في مختلف الشعب الفلاحية. وأضاف أنّ القطاع يضمّ حوالي 34 شعبة نباتية وحيوانية، وفي حال تسجيل عجز في مادة معينة، فإنّ الحل يكون إمّا برفع الإنتاج أو اللّجوء إلى الاستيراد وفق متطلّبات السوق، انسجاما مع أهداف رئيس الجمهورية الرامية إلى تأمين الغذاء وتفادي الأزمات. أما إذا تحقّق فائض، فيجب وضع خطط مدروسة للتخزين أو التحويل أو التصدير، لتفادي خسائر المنتجين وضمان استمرارهم في التركيز على الإنتاج.
أشار الخبير إلى أنّ من بين الملفات المهمة التي تنتظر الوزير الجديد، مشروع رقمنة القطاع، باعتبار أنّ تطوير الفلاحة لا يمكن أن يتحقّق دون الاعتماد على التكنولوجيا. فالرّقمنة –كما أوضح– لا تعني فقط جمع البيانات بل استغلالها بفعالية في تحليل المشاكل وصنع القرار، بالاستناد إلى المعلومات الميدانية الدقيقة لتوجيه الجهود نحو معالجة النقائص وتعزيز الإنتاجية بما يخدم الأمن الغذائي.
كما لفت بوخالفة إلى أنّ أبرز التحديات المطروحة تتمثل في ندرة المياه وسوء استغلالها، ما يفرض إدماج تقنيات حديثة في الرّي لمواجهة آثار التغيرات المناخية والجفاف. وإلى جانب ذلك، فإنّ تحسين الإنتاجية يظل مرتبطا بعوامل أخرى كتهيئة التربة، جودة البذور واستعمال الأسمدة المناسبة، وهي محاور أساسية لأي خطة إصلاح مستقبلية.
وبما أنّ وزارة الفلاحة قطاع سيادي يتحمّل مسؤولية توفير الغذاء للبلاد، فإنّ الاستمرار في مسار الإصلاح يبقى أمرا حتميا، من خلال الدفع أكثر نحو الرّقمنة لاستخدام المعلومات في اتخاذ القرارات، مع العمل على دعم التصدير وتحقيق التوازن بين تلبية الطلب المحلي والانفتاح على الأسواق الخارجية.
كما أكّد الخبير أنه من الضروري اعتماد رؤية شاملة تقوم على التخطيط المسبق، توظيف الكفاءات الوطنية واستغلال التكنولوجيا الحديثة، لتمكين الوزير الجديد من رفع التحديات ومواصلة الإنجازات في قطاع حساس يلامس حياة كل المواطنين.
بخصوص الهيكلة، يرى بوخالفة أنّ التفكير في إعادة تنظيم القطاع يشكل خيارا مهما، بالنظر إلى حجم المهام وتشعّبها، ما يتطلّب توزيع المسؤوليات بوضوح لضمان متابعة أنجع للمشاريع وتحقيق نتائج ملموسة، تعزّز الأمن الغذائي وتدعم الاقتصاد. وأضاف أنّ الفصل مستقبلا بين بعض القطاعات، مثل الغابات والصيد البحري ومنحها هيئات أو وزارات متخصّصة قد يساهم في تعميق الرؤية لكل مجال، وتوجيه الاستثمارات بشكل أدق، بما يحوّلها إلى مصادر حقيقية للتنمية المستدامة، مع الحفاظ على التوازن البيئي وحماية الموارد الطبيعية.
كما شدّد على أنّ نجاح الإصلاحات مرهون باختيار إطارات كفؤة قادرة على تسيير المديريات الولائية والمصالح المركزية بكفاءة، على أن تكون هذه الكفاءات مرتبطة عضويا بالقطاع ولها دراية بخصوصياته، لتساهم بفعالية في بلوغ الأهداف المسطّرة.
واختتم الخبير الفلاحي حديثه بالتأكيد على أنّ قطاع الفلاحة في الجزائر، يمتلك من المقومات ما يجعله مؤهّلا للتحول إلى قطاع نموذجي ورائد، لا يقتصر دوره على ضمان الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى جعل الجزائر بلدا مصدّرا للمنتجات الفلاحية ذات القيمة المضافة العالية، وقادرا على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية. وأوضح أنّ بلوغ هذا الهدف الطموح لن يكون ثمرة قرارات ظرفية أو حلول استعجاليه، بل يحتاج إلى رؤية إستراتيجية بعيدة المدى، تقوم على التخطيط الدقيق، والاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا، وتحفيز الكفاءات الوطنية، إلى جانب إحداث قطيعة مع أنماط التسيير التقليدية. فالتجارب الدولية –كما قال– أثبتت أنّ الإصلاح الفلاحي العميق لا يُقاس بالأشهر أو حتى بالسنوات القليلة، وإنما يتطلّب صبرا وجهدا متواصلا لبناء قاعدة صلبة، وتحديث البنية التحتية والأنظمة الإنتاجية، بما يضمن استدامة النتائج وتحقيق نقلة نوعية تجعل من الفلاحة أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.