مبـادرات بالجملــة لاستعـادة السيــادة الكاملـة على القرارات المصيرية
مكانة ريادية في صناعة آمال الأفارقة واستكمال سيادتهم على ثرواتهم ومستقبلهـم
رسمت الجزائر عودتها الفعلية إلى القارة الإفريقية على مختلف المستويات والأصعدة، وباتت تتصدر قيادة التطلعات الدبلوماسية والاقتصادية للأفارقة، سواء على الصعيد البيني أو الدولي، مؤكدة ارتباطها بالمبادئ الجامعة، على غرار استكمال الاستقلال السياسي واستعادة السيادة الكاملة على القرارات المصيرية.
تجاوزت الجزائر مرحلة الشعارات في تعاملها مع إفريقيا، وعمدت إلى تجسيد عدد من المبادرات الكبرى، التي عكست مكانتها الريادية في صناعة آمال الأفارقة والعمل على استكمال سيادتهم على ثرواتهم ومستقبلهم.
ومنذ 2020، وتحديدًا في الأسابيع الأولى لتولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مقاليد الحكم، أمر بإنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية.
هذه الأخيرة أعلنت عن مهامها مبكرًا في دعم التنمية بإفريقيا، من خلال بناء مشاريع لدول الجوار وتخصيص مبلغ قدره مليار دولار لدعم المشاريع في كل الدول الإفريقية الراغبة في الاستفادة منها.
وبذلك تكون الجزائر قد أقرنت رؤيتها التضامنية مع الأفارقة بشكل عملي، انسجامًا مع المبادئ التضامنية الجامعة منذ تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963، وقبلها عبر عمليات دعم حركات التحرر والعمل دون كلل على مساعدة دول الجوار لتجاوز مشاكلها عن طريق الوساطات وتغليب الحوار والحلول السلمية.
في سنة 2022، أنهت الجزائر إعداد النصوص القانونية القاضية باستحداث مناطق تجارية للتبادل الحر مع دول الجوار، ودخلت المنطقة التي تم إنشاؤها مع موريتانيا حيّز التنفيذ سنة 2023، حيث بدأ أثرها يظهر سريعًا من خلال ارتفاع المبادلات التجارية بملايين الدولارات سنويًا.
وبالتوازي مع ذلك، أنهت الجزائر التزاماتها بالانضمام الكامل لمنطقة التبادل التجاري الحر التابعة للاتحاد الإفريقي «زليكاف». كما قامت، الشهر الماضي، بالانضمام إلى نظام الدفع والتسوية «بابس» بعد توقيع البنك المركزي على الاتفاقية التي تهدف إلى تحفيز المبادلات بالعملات المحلية على مستوى الحدود بين الدول الإفريقية.
وقدمت الجزائر المثال والنموذج في دعمها للتكامل الإفريقي، بإطلاقها مشروع الطريق الدولي الرابط بين تندوف والزويرات الموريتانية على مسافة 800 كلم، وتكفلت بتمويل المشروع بالكامل بقيمة مليار دولار.
كما عبرت في المقابل عن استعدادها لتقديم الدعم التقني والمادي لكل البلدان الإفريقية الراغبة في استغلال مواردها الطبيعية وبلوغ مستويات عليا من إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث أبرمت شركة سونلغاز عدة مذكرات تفاهم مع دول من غرب إفريقيا وأخرى من شرقها أبدت اهتمامها بالاستفادة من الخبرة الجزائرية في مجالات الطاقة والمناجم.
وإلى جانب خبرتها في فرض السيادة الكاملة على استخراج وتحويل الموارد الطبيعية، تملك الجزائر مؤهلات كبيرة في مجال التكوين عالي المستوى للمهندسين والتقنيين الذين يخوضون معارك السيادة الاقتصادية بكل احترافية.
قيادة دبلوماسية
على الصعيد الدبلوماسي، أخذت الجزائر على عاتقها الدفاع عن القضايا الإفريقية في مجلس الأمن الدولي، حيث تشغل عضوية غير دائمة منذ السنة الماضية. ونظمت خلال فترة رئاستها الشهرية للمجلس، في جانفي الماضي، اجتماعًا خاصا بمكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية، باعتبارها الأكثر عرضة للعمليات الإرهابية التي يذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين العزل، إضافة إلى تداعياتها الخطيرة على مسارات التنمية الاقتصادية والتجارية.
ونظير الجهود الجزائرية في مكافحة هذه الظاهرة، تم، لأول مرة، الاعتراف على أعلى مستوى دولي بدور الجزائر نصيرًا للاتحاد الإفريقي في الوقاية من الإرهاب ومكافحته، وهي المهمة التي أُوكلت لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بعد أن اختاره نظراؤه الأفارقة لتولي هذه المسؤولية الثقيلة، بالنظر إلى تداعياتها الوخيمة والمعقدة.
وجرى ذلك بمجلس الأمن الدولي، حيث تم أيضًا، ولأول مرة، «وبإلحاح من حامل القلم (الجزائر)»، الاعتراف بالدور الأساسي الذي تضطلع به الآليات الإفريقية القائمة، لاسيما لجنة أجهزة المخابرات والأمن الإفريقية (CISSA)، ووحدة مكافحة الإرهاب التابعة للقوة الإفريقية الجاهزة، وأفريبول (AFRIPOL)، وهو ما يعكس النضج المتزايد للبنية الأمنية القارية.
وتشكل هذه الإنجازات تعبئة حقيقية للمجموعة الدولية تجاه القارة الإفريقية، التي لاتزال تعاني من التهميش في سلم الاهتمامات الدولية.
وليس هذا فقط، بل تقود الجزائر جهودًا معتبرة داخل مجموعة العشرة لإنهاء المظالم التاريخية التي عرفتها القارة في مجلس الأمن، باعتبارها غير ممثلة بمقعد دائم داخل هذه الهيئة، حيث تتواصل المطالب الآن بضرورة تخصيص مقعدين دائمين وآخرين غير دائمين لإفريقيا.