طباعة هذه الصفحة

جـزائر الانتصـارات والإصـلاحات والانجـازات بعد سبتمـبر 2024..

أجور ترتفع..استثمارات تتنامى والسكن للجميع

علي مجالدي

بيان وبرهان وعمـل جدّي في الميـــدان

تقوية احتياطي العملة..تراجع التضخــــــم وتعزيز الاقتصـاد خارج المحروقات

منذ تجديد الثقة في رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في السابع من سبتمبر 2024، اتجهت المقاربة الاقتصادية إلى مسار عملي يضع الإنجاز المادي في قلب السياسات، والفكرة بسيطة ومباشرة، توسيع قاعدة النمو خارج المحروقات، تخفيض التقلبات السعرية، وخلق بنية تحتية تقلل المخاطر وتُقلّل كذلك كلفة الإنتاج والنقل على المدى المتوسط.

تبرز حصيلة السنة الأولى من الولاية الجديدة عبر مزيج من المؤشرات والبرامج، نمو سنوي يفوق 4 بالمائة في الأنشطة غير النفطية، واستلام منشآت مائية كبرى بطاقة إنتاجية عالية، وانطلاق محاور سككية تربط الجنوب العميق بمناطق الاستهلاك والتصدير، وتقدم إجرائي في ملف التعدين الثقيل، إضافة إلى تعزيز تماسك الجبهة الاجتماعية عبر سياسة رفعٍ تدريجي للأجور وخفضٍ ملحوظ للتضخم إلى قرابة 4 بالمائة بعد مستويات أعلى في 2023، بما يعيد جزءًا معتبرًا من القدرة الشرائية ويحسّن توقعات الأسر والمؤسسات.
علاوة على ذلك، يجري تحريك بيئة الأعمال برافعة الشركات الناشئة التي تقترب من عتبة 8 آلاف مؤسسة جديدة هذا العام، في محاولة لربط الابتكار بالمشروعات المادية، وليس إبقاءه في هامش خدماتي محدود، بالإضافة إلى ذلك، يمنح معرض التجارة الإفريقية البيني الذي تحتضنه الجزائر منصة عملية لتصريف هذا التحول نحو عقود وتسويات تبادل أوسع ضمن منطقة التجارة الحرة القارية، بآلية تعظيم للقيمة المضافة بدل الاقتصار على ريوع ظرفية.

الماء والسكك والتعدين..

تأتي المنشآت المائية الضخمة في مقدمة الإنجازات، مع تسليم أربع محطات كبرى لتحلية مياه البحر في الطارف وبومرداس وتيبازة ووهران بطاقة 300 ألف م³/اليوم لكل محطة، ما يغيّر معادلة الأمن المائي في الشريط الساحلي والمناطق الداخلية المحاذية لها ويخفض هشاشة البلديات خلال ذروة الطلب على الماء في فصل الصيف. في نفس السياق، تعني هذه القدرة المضافة ساعات ضخ أطول واستقرارًا في التزويد يقلّص اللجوء إلى الصهاريج ويُخفّض التكلفة غير المباشرة على الصحة والسياحة والصناعة.
من جهة أخرى، فإن تدشين خط بشار-عبادلة بطول 100 كلم في أفريل 2025، لم يكن مجرد حدث بروتوكولي عادي، بل خطوة تشغيلية ضمن مشروع أطول يصل إلى منجم غارا جبيلات الضخم.. الجدوى هنا تُقرأ بلغة «الطن-كلم»، كل كيلومتر سكة فعال يخفض كلفة نقل الحديد الخام مقارنة بالطرق ويضيف انتظامًا في جداول الشحن.
علاوة على ذلك، حين يكتمل الربط إلى المنجم على نحو ألف كيلومتر، ينتقل الملف من «إعلان اكتشاف» إلى «سلسلة قيمة».. استخراج، نقل، تحويل محلي، ثم تصدير منتجات نصف مصنعة أو نهائية. هذا التحول هو ما يمنع تكرار خطأ تصدير مواد أولية منخفضة القيمة، ويؤسس لقاعدة صناعية معدنية تخلق وظائف ذات إنتاجية أعلى.
أما غارا جبيلات، فيظل ركيزة ثقيلة في المعادلة مع احتياطي يتجاوز 3.5 مليارات طن، واستثمار كلي يربو على 6 مليارات دولار يشمل وحدات تحويل لتغطية الاستهلاك المحلي والتصدير.
في سياق متصل، لا تُقاس قيمة المنجم بحجمه فقط، بل بقدرة المنظومة على امتصاص إنتاجه عبر مصانع صلب محلية وممرات لوجستية فعالة وموانئ قادرة على مناولة شحنات ضخمة بانتظام. وهنا تحديدًا يأتي دور السياسة العامة للرئيس تبون في ربط السكك بالموانئ وبالمناطق الصناعية حتى لا تتكدس المواد الخام في عنق زجاجة.
وشهدت السنة الحالية من عهدة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، نجاحا ملموسا في كبح التضخم حيث انخفض إلى قرابة 4 بالمائة بعد أن كان فوق 9 بالمائة، وهذا ليس تفصيلاً محاسبيًا، حيث أن انخفاض التضخم يخلق «عوائد واقعية» لزيادات الأجور ويعيد الثقة في التوقعات قصيرة الأجل للأسر، ويمنح المؤسسات القدرة على التسعير طويل الأجل للعقود، كما يُبقي استقرار احتياطي الصرف عند مستويات مريحة قدرة البلاد على تمويل الواردات الأساسية للمعدات والمواد الأولية دون ضغط حاد على العملة.
وفي السياق، ساهم تنظيم الاستيراد في توجيه جزء أكبر من فاتورة الخارج نحو مدخلات إنتاج بدل سلع استهلاكية نهائية، بما يرفع معامل القيمة المضافة المحلية ويقلّص «تسرب» الدخل الوطني إلى خارج الدورة الصناعية.
اجتماعيًا، تتضح الحصيلة عبر ثلاثة محاور مترابطة.. الأول، برنامج السكن الذي يقلّص فجوة الطلب الحضري ويحدّ من الضغوط الإيجارية.. الثاني، سياسة الأجور التي ترفع القاعدة الدنيا تدريجيًا وتصحح فجوات في سلال الرواتب.. الثالث، الأمن الغذائي باعتباره مسألة سيادة لا رفاهية؛ والوصول إلى الاكتفاء من القمح الصلب خلال 2025 يظل هدفًا عمليًا يقتضي مراكمة موسمين جيدين، واستثمارات ريّ دقيقة، وبذورًا محسنة، ونُظم تجميع ونقل فعّالة، مع بقاء نافذة استيراد مرنة لضمان استقرار الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، تقليل كُلف اللوجستيك عبر السكك والموانئ سيظهر أثره في أسعار الجملة والتجزئة خلال دورات التخزين المقبلة، ما يكمّل أثر السياسة النقدية في تثبيت الأسعار.
برنامج رئيس الجمهورية ساهم بشكل واضح في تحريك بيئة الأعمال في اتجاه أوسع من منح تراخيص وإطلاق منصات مع تسجيل نحو 8 آلاف شركة ناشئة هذا العام، يكتسب قيمته حين تبدأ هذه الشركات بالتموضع في الاقتصاد الحقيقي، في نفس السياق، تتحول الجامعات وحاضنات الابتكار إلى مزودٍ مستمر للمهارات، ويرتفع احتمال تكوين طبقة «مقاولات متوسطة» لا تبقى صغيرة ولا تتحول إلى احتكار، بل تتسع أفقيًا وعموديًا عبر عقود توريد داخلية وخارجية.
على المستوى الإقليمي، لا تعمل الجزائر في فراغ، فمعرض التجارة الإفريقية البيني يوفّر مسرح اختبار للعقود الصغيرة والمتوسطة، ويوسّع الوصول إلى سوق قارية تتجاوز 1.4 مليار مستهلك ضمن مظلة منطقة التجارة الحرة القارية.
هنا تتضح الفلسفة الاقتصادية.. عدم التركيز على المشاريع العملاقة فقط، بل إسناد الشركات الصغيرة لولوج أسواق جديدة في النقل الجوي والبحري والتبادل السلعي والخدمات التعليمية، علاوة على ذلك، يعني «منطق الانتشار» أن اكتساب حصة سوقية قارية يبدأ بأوامر توريد محدودة ومتكررة، ثم يرتقي إلى سلاسل توريد أطول، وصولًا إلى استثمارات مشتركة وتوطين تصنيعٍ لدى الشركاء الأفارقة. بالإضافة إلى أن هذا المسار يقلّل مخاطر الاعتماد على منفذ واحد أو زبون واحد ويخلق تنويعًا جغرافيًا للإيرادات يُحسّن الصمود أمام الصدمات.
 ويرى الخبراء أن الولاية الجديدة لرئيس الجمهورية بدأت بتثبيت فرضية تتمثل في أن الإنجاز الذي يُقاس يتحول إلى سياسة قابلة للاستمرار، فمحطات التحلية تؤمّن الماء وتحرر المدن من هشاشتها الموسمية، والسكك تربط الموارد بالموانئ وتخفض كلفة «الطن-كلم». والتعدين ينتقل من اكتشاف إلى صناعة تحويل، والتضخم ينخفض فتتحسن القوة الشرائية، والأجور تُعدّل فتستقر التوقعات. والشركات الناشئة تتكاثر فتتسع قنوات القيمة المضافة. وفي نفس السياق، يفتح الحضور الإفريقي المنظم طريقًا لتحويل المؤشرات إلى صادرات وعقود.