طباعة هذه الصفحة

تزامن مـع إطــلاق الجـزائر لمشاريع استراتيجية..إياتياف 2025

فرصة الخـلاص الإفريقـي مـن التّبعيـة الاقتصاديــة

علي عويش

 الجزائر جسّدت رؤية إفريقيا المتحرّرة اقتصاديا بخطوات عملية

مواجهة أزمات الاقتصاد العالمي بالتّجارة البينية..حتمية تاريخية

 عاشت التّجارة البينية الإفريقية على وقع تجاذبات غذّتها الأزمات السياسية، الأمنية والاجتماعية بالعديد من دول القارة، وأفضت إلى بروز تحدّيات من حيث الهياكل والمنشآت والمرافق اللوجيستية التي قوّضت من قدرة القارة الإفريقية على النمو بالشكل الذي تتطلّع إليه حكومات وشعوب القارة. فرغم المؤهلات الاقتصادية والبشرية الضخمة التي تزخر بها إفريقيا، إلا أن حصّتها من التبادل التجاري بين دولها بقي ضئيلا مقارنةً بالاتحاد الأوروبي، وهو وضع نتج عن هشاشة البنية التحتية الإفريقية وغياب التكامل اللوجيستي، والتعريفات الجمركية المبالغ فيها، فضلاً عن غياب صناعة حقيقية وافتقار العديد من الدول إلى تنظيمات وتشريعات اقتصادية تلبّي احتياجات مواطنيها.
 وفي ظل أوضاع اقتصادية عالمية متأزّمة، يبرز معرض التجارة البينية الإفريقية “إياتياف2025” كبصيص أمل نحو الوصول إلى تبادل تجاري حقيقي داخل القارة، حيث تشكّل التظاهرة في طبعتها الرابعة، المنعقدة في الجزائر، فرصة حقيقية لإحداث نقلة نوعية في العلاقات التجارية بين دول القارة، فتنظيم هذه التظاهرة لأول مرة في شمال القارة، يحمل في طيّاته دلالات اقتصادية عميقة وجيوسياسية مهمة نظراً للموقع الاستراتيجي للجزائر - حاضنة التظاهرة - كونها تشكّل جسراً بين قارتين، ومنفذا طبيعيا لدول القارة باتجاه الحوض المتوسط.
شكّل معرض التجارة البينية الإفريقية نقطة تحوّل حقيقية في العلاقات التجارية بين دول القارة، فالمتابع لفعاليات “إياتياف 2025”، يدرك مدى المشاركة المتميّزة للمؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الناشئة والحضور القوي لزعماء القارة، فضلاً عن مشاركة مستثمرين ورجال أعمال  وفاعلين اقتصاديين من داخل القارة وخارجها، وهو ما من شأنه التأسيس لبناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد، يكون لإفريقيا فيها صوت مسموع، خاصةً في مجالات الزراعة، الصناعة والطاقة.
ويرى مراقبون أنّ مساعي الجزائر الحثيثة لإحداث تكامل اقتصادي قاري، يلقى ترحيباً واسعاً من طرف العديد من الحكومات والهيئات الاقتصادية القارية، حيث يُحسب للجزائر مبادرتها السباقة لإنشاء خمس مناطق للتبادل الحر مع دول الجوار، كانت أولها منطقة التبادل الحر بولاية تندوف، والتي وضع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون رفقة نظيره الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني حجر الأساس لإنشائها خلال زيارته التاريخية الثانية للولاية.
افتتاح المعابر الحدودية البرية مع كل من موريتانيا، مالي والنيجر، كانت هي الأخرى خطوات جريئة حملت بعداً تنموياً واستراتيجياً في آن واحد، حيث تسعى الجزائر من خلال هذه الفضاءات إلى تسهيل تدفّق السلع والبضائع والخدمات، وتنشيط الحركية الاقتصادية مع دول الجوار وتنمية المناطق الحدودية، ناهيك عن تحقيق نتائج إيجابية على الاستقرار والأمن بالمناطق المتاخمة للحدود.
لا يتعلّق نجاح الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية بحجم المشاركة فحسب، بل كونها تنعقد في سياق زمني يفرض على الدول الإفريقية الانخراط في شبكة موسعة من العلاقات التجارية البينية، والتقليل من حدة تبعيتها للأسواق الخارجية، كما أن هذه التظاهرة تضع دول القارة أمام حتمية وإلزامية التوجّه نحو التجارة البينية الإفريقية كضرورة تفرضها التحدّيات الاقتصادية العالمية وتوجّه دول العالم إلى المزيد من التكتلات والتحالفات، ولا يختلف اثنان أن تظاهرة إياتياف ومناطق التبادل الحر وفتح المعابر مع دول الجوار، تمثّل خطوات عملية جريئة ووثبة كبيرة في الاتجاه الصحيح، حيث أن التحدي اليوم، قائم على ترجمة الأقوال والقرارات ومخرجات اللقاءات إلى سياسات اقتصادية ملموسة على أرض الواقع، وهو ما كانت للجزائر اليد العليا فيه باستباقها لكل هذه القرارات بخطوات عملية مهّدت للتكامل القاري منذ سنوات.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال المجهودات الكبيرة التي بذلتها وتبذلها الجزائر لتعزيز اندماجها الاقتصادي مع محيطها الإفريقي، من خلال خطوات عملية تستهدف رفع وتيرة التجارة البينية مع دول الجوار. فقد أنشأت الجزائر خمس مناطق للتبادل الحر على حدودها الجنوبية، كانت أولها منطقة التبادل الحر في تندوف، تلتها مناطق مماثلة في عين قزام، برج باجي مختار، جانت وتيمياوين، في إطار استراتيجية شاملة لتحويل المناطق الحدودية إلى فضاءات اقتصادية نشطة. كما قامت الجزائر بفتح معابر حدودية تجارية دائمة مع دول مثل موريتانيا، النيجر ومالي، ما سهل انسيابية البضائع وعزز من الروابط الاقتصادية الإقليمية. إلى جانب ذلك، تمّ تطوير آلية تجارة المقايضة، التي ساهمت بشكل ملموس في تنشيط المبادلات التجارية بين سكان المناطق الحدودية، من خلال تبادل سلع محلية دون المرور بالآليات التجارية التقليدية، وهو ما مثّل حلاً عملياً لمحدودية السيولة، وضعف الخدمات البنكية في تلك المناطق. هذه الخطوات تؤكد التزام الجزائر بتجسيد رؤية إفريقيا متكاملة اقتصادياً، لا تُبنى فقط على المبادئ، بل على مشاريع فعلية تستهدف تحقيق تنمية متوازنة وشراكة رابح - رابح بين الدول الإفريقية.