طباعة هذه الصفحة

عقود وصفقات منتظرة تصل قيمتها إلى 44 مليار دولار

إياتياف الجزائر.. ثورة الاقتصاد الإفريقي

فضيلة بودريش

 منصة للأبحاث والابتكارات الأكاديمية القابلة للتطبيق

تنطلق، اليوم الخميس، فعاليات معرض التجارة البينية الإفريقية، المتزامن مع الدخول الاجتماعي والعودة القوية للمتعاملين الاقتصاديين الساعين لاقتناص فرص استثمارية وتجارية واعدة، ضمن أضخم تظاهرة قارية وإقليمية يشارك فيها ما لا يقل عن 75 بلداً، ويستقطب نحو 2000 مشارك، بحثاً عن شراكات وأسواق وتجارب جديدة، بما يسمح بتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا وخفض تكاليف استيرادها من خارج القارة. إنه موعد اقتصادي رفيع واستراتيجي، ينتظر أن يشهد إبرام عقود وصفقات تصل قيمتها إلى 44 مليار دولار.

يجتمع الفاعلون الاقتصاديون الأفارقة في الجزائر مدفوعين بطموح بناء مستقبل اقتصادي أكثر تطوراً وازدهاراً، بما يضمن رفاهية واستقرار شعوبهم التواقة لغد أفضل. ومن المرتقب أن تكون هذه الطبعة منطلقاً قوياً نحو توطيد التعاون وتعميق الشراكات، لكون الجزائر محطة محورية في التحول الاقتصادي للقارة السمراء، التي تمثل أكبر سوق جاذبة للمنتجين عالمياً، بفضل كثافتها السكانية التي تتجاوز 1.4 مليار نسمة.
وتسعى الجزائر، بصفتها البلد المستضيف، إلى رفع سقف التحدي لتكون عاصمة حقيقية للتجارة والاقتصاد الإفريقي، ومحطة مركزية للتكامل والتبادل البيني. ويمثل معرض الجزائر 2025 بنسخته الرابعة، موعداً إقليمياً بالغ الأهمية، تراهن عليه الشعوب الإفريقية لتحقيق دفعة قوية في مسار التكامل القاري، عبر منصة شاملة للتجارة والاستثمار، قادرة على دعم الابتكار وتوسيع الأسواق واستقطاب شركاء وزبائن جدد، فضلاً عن تفعيل الأجندات الاقتصادية وفق رؤية عملية وإستراتيجية.

قمة للصناعات الإبداعية

يستمر المعرض إلى غاية 10 سبتمبر 2025 بقصر المعارض بالصنوبر البحري، تحت شعار «بوابة نحو فرص جديدة»، حاملاً طموح قيادة مسار التكامل وبناء جسور متنوعة للشراكات الثنائية والثلاثية. وتمت برمجة 11 قطاعاً استراتيجياً للمشاركة.
يتضمن البرنامج، مشاركة واسعة للشركات الإنتاجية والخدماتية من مختلف الدول الإفريقية، إلى جانب حضور شركات عالمية. كما يشهد تنظيم منتدى الاستثمار والتجارة على مدار أربعة أيام، يلتقي فيه فاعلون أفارقة ودوليون لمناقشة فرص الشراكة المتاحة. ويشمل البرنامج أيضاً، معرضاً وقمة للصناعات الإبداعية تشمل مجالات الموضة، الموسيقى، السينما، الفنون، الحرف، الرياضة، الأدب وفنون الطهي.
على الصعيد الصناعي، سيكون المعرض مناسبة هامة لقطاع الميكانيك، حيث ستنظم أول دورة لمعرض السيارات الإفريقية، بمشاركة صانعي ومجمّعي السيارات، مع إبراز تجربة الجزائر في هذا المجال من خلال مصنع فيات والشراكات قيد الإنجاز، إضافة إلى مشاريع تطوير قطع الغيار وزيادة نسبة الإدماج الصناعي.

الجالية بالمهجر في قلب التنمية

كما يضم البرنامج معرضاً رقمياً على منصات افتراضية، يتيح تواصل العارضين والزوار طوال السنة، إلى جانب لقاءات أعمال ثنائية (B2B) وأخرى مع القطاع العام (B2G). وسيكون حضور الجالية الإفريقية في المهجر بارزاً عبر «يوم الدياسبورا»، المخصص لمناقشة دورها في مسارات التنمية.
ويولي المعرض اهتماماً خاصاً بالشباب المبتكر والشركات الناشئة، حيث يتيح لهم عرض مشاريعهم ونماذج أولية، إضافة إلى منصة مخصصة للأبحاث والابتكارات الجامعية والأكاديمية القابلة للتطبيق اقتصادياً. كما سيتم إنشاء شبكة للحكومات المحلية لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري، وتفعيل التبادل الثقافي والدراسي بين المدن والجهات الإفريقية.

مركز إفريقي للبحث والابتكار

ويحمل «إياتياف» في نسخته الرابعة، أهدافاً كبرى ورهانات محورية، قادرة على إحداث نقلة نوعية في مسار التنمية وتحويل التعاون الاقتصادي إلى واقع ملموس، من خلال رفع حجم المبادلات البينية، واستعراض الفرص الاستثمارية الكبرى التي تزخر بها القارة.
كما سيكشف المعرض عن نماذج وتجارب ناجحة لشركات ناشئة خرجت عن دائرة الاعتماد التقليدي على الطاقة الأحفورية، في خطوة تؤكد السعي الجاد لتنويع الاقتصاد الجزائري وإعادة رسم ملامح بنيته الإنتاجية. فالتجارب الناشئة في مجالات الزراعة الذكية، الطاقات المتجددة، الرقمنة والصناعات الإبداعية، تقدم اليوم صورة جديدة عن إفريقيا كقارة تتجاوز رهان النفط والغاز، لتضع الابتكار والإبداع في صدارة محركات التنمية.
ويُنتظر أن يشكل إبراز هذه التجارب رسالة قوية للمستثمرين الأفارقة والدوليين، بأن القارة السمراء تمتلك قدرات حقيقية للتجديد والابتكار، وليست مجرد سوق استهلاكية للمواد الأولية.
في هذا السياق، تستعد الجزائر، بالتعاون مع البنك الإفريقي للتنمية ومنطقة التجارة الحرة القارية، لإطلاق مبادرة نوعية تتمثل في إنشاء «مركز إفريقي للبحث والابتكار»، وهو مشروع غير مسبوق، يشكل منصة رقمية حديثة موجهة لتعزيز التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي وصناع القرار. هذا المركز لن يكون مجرد فضاء للبحوث النظرية، بل أداة عملية لدفع مسار التحول الصناعي، من خلال ربط نتائج الأبحاث العلمية بالاحتياجات الفعلية للمؤسسات الإنتاجية، وتسهيل انتقال التكنولوجيا وتحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع اقتصادية ملموسة.
ويتوقع الخبراء أن يشكل المعرض فرصة حاسمة لتفعيل آليات منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية «زليكاف»، التي تعد أكبر مشروع تكاملي في تاريخ القارة. فتوحيد قواعد المنشأ، وتحرير الرسوم الجمركية، وتسهيل حركة السلع ورؤوس الأموال، خطوات ستفتح الباب أمام ولادة سوق إفريقية موحدة قادرة على التفاوض بندّية مع الكتل الاقتصادية الكبرى في العالم. ومع انفتاح هذه الآليات، ستصبح الشركات الإفريقية أكثر قدرة على بناء سلاسل إنتاج إقليمية، وعلى خلق قيمة مضافة حقيقية، بدل الاكتفاء بتصدير المواد الخام.
إن موقع الجزائر الاستراتيجي المطل على أوروبا والمتوسط وإفريقيا العميقة، إلى جانب مواردها الطبيعية الهائلة وتجربتها الناجحة في قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة، يؤهلها لأن تلعب دور «المحرك القاري» في مسار التكامل الاقتصادي. فالجزائر لا تعرض نفسها كدولة مستضيفة فحسب، بل كفاعل رئيسي قادر على تأمين الربط بين الأسواق، واستقطاب الاستثمارات، وإطلاق المبادرات التي تعزز التعاون جنوب- جنوب. وهذا يتماشى مع التزاماتها في إطار أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، التي ترسم ملامح إفريقيا قوية، مزدهرة وموحدة.
وبذلك، تقف القارة السمراء أمام لحظة تاريخية تمتد على مدار أسبوع كامل، لكنها تحمل آثاراً قد تحدد ملامح عقود مقبلة. إنها فرصة ثمينة لحسم خطواتها نحو مسارات جديدة من التعاون والنمو، وتأسيس مرحلة مغايرة تقوم على الاندماج الاقتصادي العميق والازدهار المشترك. إنها دعوة لأن تتحول إفريقيا من قارة الإمكانات المؤجلة إلى قارة الإنجازات الفعلية.