طباعة هذه الصفحة

خطّـة شاملة لتحديث الخدمات وتطوير اقتصـاد خـلاّق للثّـروة

الحوكمـة الإلكترونيـة..خيـار استراتيجـي وإجــراءات عمليـة

سعاد بوعبوش

توفير بيئـة آمنـة ومتطــوّرة لتخزيـن ومعالجـة البيانـــات

 تواصل الجزائر وضع أسس قويّة لتحولها الرقمي ضمن رؤية شاملة ومتكاملة، تجسيدًا لتعليمات رئيس الجمهورية الهادفة إلى تحقيق الحوكمة الإلكترونية من خلال تسريع رقمنة الإدارات وتحسين جودة الخدمات العمومية. ورغم التفاوت المسجّل في رقمنة بعض الخدمات بين مختلف القطاعات الوزارية، إلاّ أنّ الجزائر، بعد 63 سنة من الاستقلال، حققت خطوات مهمة في هذا المجال، ممّا أسهم في تقديم صورة جديدة لإدارة تقطع مع الممارسات البيروقراطية القديمة، وتؤسّس لجزائر عصرية مواكبة لمتطلبات التحول الرقمي والتطورات العالمية.

 يأتي التّحوّل نحو الرقمنة كخيار استراتيجي باعتباره أحد القوى المحركة التي يعوّل عليها كثيرا في تجسيد وانجاح مختلف برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، ما جعل التحول الرقمي أحد أهم محاور رئيس الجمهورية، وتأكيده في كل مرة بضرورة توجه الجزائر نحو الإسراع فيه وتعميمه، لتجاوز الفجوة الرقمية سواء في الاقتصاد أو الإدارات العمومية بداية بخلق بيئة رقمية ومن ثم استعمالها كمحرك نمو.

تخفيــف المعامــلات الإداريـة.. أولويــات الرّئيــس

 وشكّلت الرّقمنة إحدى أولويات الرئيس من خلال التخفيف على المواطن وتسهيل التعاملات الإدارية، وتوفير كل ظروف الراحة في مختلف تعاملاته اليومية، في المقابل تكوين قاعدة معطيات مركزية، ما يعني توفير معلومة موثوقة وفعّالة وآنية، على مختلف المستويات والإدارات، ناهيك عن التمكين من الحصول على إحصائيات صحيحة وواقعية تمكّن من صياغة رؤية استشرافية لمختلف المشاريع بجميع القطاعات، ووضع خطط وورقة طريق على المدى المتوسط والطويل.
ومن هنا بدأ العمل بكل جدية فالبداية تجسّدت من وزارة السّكن، حيث كانت أول من سعى إلى إدخال الرقمنة في برنامج سكنات عدل بهدف إضفاء الشفافية على عمليات التوزيع وتسهيل التسجيل للاستفادة من السكن والتخلي تدريجيا على الإجراءات الإدارية والورقية المعقدة، ما جعل من برنامج عدل من أوائل البرامج المرقمنة في الجزائر.
لتلتحق باقي القطاعات تدريجيا تباعا خاصة بعد ربط العمل لتنفيذ هذا الالتزام بالآجال، سيما بعد أن فرض التطور التكنولوجي الحاصل في مجال المعلومات والاتصالات التوجه نحو الرقمنة كخيار استراتيجي ووحيد للنهوض بالاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته وإداراته، بطريقة سلسة يمهّد لجزائر جديدة إلكترونية من خلال التحول الرقمي، الذي لا يقف عند استخدام التطبيقات التكن،لوجية فحسب، بل أصبح منهاجا وأسلوب عمل يجمع المؤسسات الحكومية لتجعل تقديم الخدمات أسهل وأسرع ولعل البداية كانت بمحاولة إلغاء الوثائق في إيداع الملفات، ووقف استخدام الورقة والقلم على مستوى الإدارات، واستبدالها بالمعطيات الإلكترونية وإتمام العمليات المختلفة عبر تطبيقات النت.

تحديــد الآجال..مرحلـة انتقاليـة في العمــل والتّقييـم

 وشكّل تحديد الآجال مرحلة انتقالية ونوعية في العمل سيما بالنسبة للقطاعات المتعثّرة، على غرار مصالح أملاك الدولة والضرائب والجمارك والتي أصبحت فيما بعد تحت مجهر التقييم المرحلي الأوّلي إلى جانب مجالات أخرى، وهو المسعى الذي عرف تسجيل محصّلات إيجابية بعد تحديث وعصرنة المعاملات الإدارية التي تعتبر تحصيلا حاصلا في هذا المجال، إلى جانب اعتبارها قضية أمن قومي لارتباطها الوثيق والحيوي بالاقتصاد الوطني وخدمة لمصالح المواطن، على رأسها التحديد الدقيق لأملاك الدولة وأملاك الأفراد، والذي تعزّز أكثير سيما بعد اقتناء أنظمة مالية متطورة بهدف تحقيق هذا الهدف ذو الأبعاد الاقتصادية.
من جهة أخرى، تمّ الذهاب لتأسيس بنك معلومات جزائري، بشكل فوري ومستعجل من قبل وزارة المالية، يسهّل على مختلف مصالح الدولة، ممارسة مهامها وأداء واجبها تجاه مواطنيها، بأمثل وأنجع أسلوب، لأن تقييم الوضعية الحالية فرضت تحديد الأهداف المتعلقة برقمنة الخدمات العمومية وإحصائها وبتسهيل الإجراءات، ولهذا تم التأكيد على ضرورة الإسراع في إنجاز ما يسمى بـ “مركز بيانات حكومي” ذي دخول واحد يكون قطبا يجمع بين كل الوزارات والإدارات، ويوفر منصات مشتركة لتبادل الوثائق والبيانات.

مركـز البيانــات..خطوة هامّة نحــو التّحوّل الرّقمـي

 ومن هنا جاء اختيار الشّريك الصيني “هواوي كنسورسيوم” في إطار صفقة بالتراضي، لإنجاز مشروع إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية، وبالفعل تمّ الشروع فيه في أكتوبر الفارط، من خلال الانطلاق في تركيب أول وحدة لمركز البيانات الوطني، ببلدية المحمدية بالعاصمة، والعمل على تسليمه في آجاله المحددة، لتنطلق في مارس الفارط من السنة الجارية، أوّل عملية تشغيل لمركز البيانات الوطني، الذي يعد من المشاريع الاستراتيجية للتحول الرقمي في الجزائر، في خطوة تهدف إلى الانطلاق في الاختبارات التقنية اللازمة واستكمال المشروع وفق الجدول الزمني المحدد، وذلك من أجل توفير بيئة آمنة ومتطورة لتخزين ومعالجة البيانات، بما يساهم في تحسين الخدمات الرقمية، وتعزيز الأمن السيبراني في الجزائر.ويشكّل إنجاز مركز بيانات وطني أحد الدعائم المهمة للرقمنة، بحيث يعتبر بنية تحتية لتخزين المعطيات والتطبيقات بصفة آمنة وسريعة وفعالة في معالجة ودراسة البيانات، وتحت تسيير آمن، ما سيسمح بتغير طريقة العمل وتسهيل الإجراءات وتبادل المعلومات التي هي الأخرى كان لزاما أن تحيّن حتى تتكيّف، وتواكب المنصّات والأنظمة التي توضع على مستوى المؤسسات والإدارات أو حتى القطاعات المعنية.

إعـــداد استراتيجيــــة للتّحــــوّل الرّقمـــــي

وها هي اليوم الجزائر تسعى لإثراء الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي كخطة شاملة تهدف إلى تحقيق “الجزائر الرقمية” بحلول عام 2030، ساعية بذلك إلى تحديث الإدارة العمومية، وتعزيز الاقتصاد الرقمي، وترسيخ السيادة الرقمية للجزائر من خلال رقمنة شاملة للخدمات العمومية، وتطوير اقتصاد رقمي خلاق للثروة.ويمثّل إعداد الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، برؤية “جزائر رقمية 2030” من بين المشاريع الاستراتيجية التي التزمت بها للمحافظة السامية للرقمنة منذ إنشائها، باعتبارها أول مرجعية وطنية تنظّم وتؤطّر وتقود مسار تجسيد التحول الرقمي في بلادنا، وفق مقاربة تشاركية وتشاورية شاملة مع جميع القطاعات الوزارية والخبراء والفاعلين وللتعاملين الاقتصاديين في مجال الرقمنة.ويرتكز مضمون الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي حسب ما صرّحت به الوزيرة المحافظة السامية للرقمنة مريم بن مولود في عدة محطات، على تحسين رفاهية للمواطن وللمؤسّسة، من خلال تسهيل وتسريع المعاملات وتحقيق اتصال عالي الجودة للجميع، وتوفير خدمات عمومية مرقمنة وسهلة الولوج 100 %، إضافة إلى تطوير اقتصاد رقمي وطني خلاّق للثروة.وتقوم الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي تقوم على (05) محاور استراتيجية، محوران منها يعدان القاعدة الأساسية لإنجاح التحول الرقمي في بلادنا، متعلّقان بالبنية التحتية الأساسية” والمتمثلة أساسا في شبكات الاتصال عالي الجودة ومراكز البيانات، وكذا “للموارد البشرية والتكوين والبحث والتطوير، أما المحاور الثلاثة الأخرى فتستهدف مكونات الدولة والمتمثلة في السلطات العمومية التي تحكم وتسير من خلال محور الحوكمة الرقمية”، والاقتصاد الذي يخلق الثروة من خلال محور “الاقتصاد الرقمي”، والمجتمع المدني لبلوغ الشمول الرقمي من خلال محور “المجتمع الرقمي”، ويشمل كل محور مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، بمجموع خمسة وعشرين 25 هدفا استراتيجيا، لكل هدف منها غاية تعمل على بلوغها في الفترة الممتدة من 2025 إلى 2030.
وتقوم الاستراتيجية الوطنية للتّحوّل الرّقمي على ركيزتين الأولى، تتمثل في الجانب القانوني والتنظيمي الشامل الذي ينظّم ويؤطّر ويضبط مجال الرقمنة في بلادنا، وهو ما تعمل عليه حاليا للحافظة السامية للرقمنة من خلال إعداد قانون الرقمنة بإشراك كل المعنيين بمجال الرقصة في بلادنا، أما الركيزة الأخرى لهذه الاستراتيجية فتتمثّل في الأمن الرقمي، الذي يعد دعامة أساسية وبالغة الأهمية يرتكز عليها أمن هذه المحاور، حماية البيانات والأنظمة من التهديدات السيبرانية، وهذا الجانب تكفّلت به الاستراتيجية الوطنية لأمن الأنظمة للمعلوماتية 2025 - 2029، التي اعتمدها للمجلس الوطني الأمن الأنظمة المعلوماتية.