طباعة هذه الصفحة

أشغال المنتدى العربي الرابع من أجل المساواة تُختتم بتوصيات شاملة

”إعـلان الجـزائـر” يضع فلسطين والدّعم الإنساني في مقدّمة الأولويات

خالدة بن تركي

 تعزيـز الحمــــايــة الاجتمــاعيــة والعدالة والمساواة بالمنطقـة العربيــة

أهمية الخُطط الاستباقية في التعامل مع الأزمات.. وضــرورة تقـديـم المسـاعـدات العــــاجلــة

اختُتمت أمس، بقصر المؤتمرات “عبد اللطيف رحال” بالجزائر العاصمة، فعاليات المنتدى العربي الرابع من أجل المساواة المنظم بمشاركة وزراء وممثلين عن منظمات إقليمية ودولية، وتركزت أشغال اليوم الختامي على عرض التوصيات ومناقشة السبل الكفيلة بتعزيز نظم الحماية الاجتماعية، في مواجهة الأزمات المتلاحقة التي تمر بها المنطقة العربية.


تميّز اليوم الثاني بعرض قدّمته وزيرة التنمية الاجتماعية في دولة فلسطين، سماح حمد، عبر تقنية التواصل الافتراضي، سلطت من خلاله الضوء على حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة، إذ يعيش أكثر من مليوني فلسطيني مجاعة فعلية، بينما يعاني نحو 30 ألف طفل من سوء تغذية حاد، وأضافت أن المساعدات الغذائية والطبية منقطعة بشكل كامل منذ أكثر من 90 يوما، فلا شاحنات طعام تدخل، ولا حليب أو أدوية متوفرة للأطفال، رغم وجود الشاحنات المحمّلة بالمساعدات على مرأى من السكان، لكنها لا تمنح الإذن بالمرور.
أوضاع قاسية
أكدت وزيرة دولة فلسطين عمق المأساة التي يمر بها قطاع غزة، مشددة على أن الظروف الحالية تمثل عبئا غير مسبوق على الحكومة الفلسطينية، لاسيما على وزارة التنمية الاجتماعية، ورغم هذه الأوضاع القاسية، تواصل الوزارة عملها في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تقدم الدعم لنحو 31 ألف أسرة ضمن برامج الحماية الاجتماعية، إلى جانب 18 خدمة مدرجة في السجل الاجتماعي، كما تم تسجيل أكثر من 50 ألف مواطن جديد خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط، أي ما يعادل قرابة 10 آلاف عائلة نازحة، معظمهم من سكان المخيمات التي تعرضت للدمار الكامل.
وأردفت المتحدثة قائلة: “نحن ننسق باستمرار مع الوكالات الدولية والمنظمات الإنسانية، لتأمين الحد الأدنى من احتياجات الأسر، ورغم محدودية الموارد، ما زلنا قادرين على تقديم الحد الأدنى من الدعم في الضفة الغربية، لكن الوضع في قطاع غزة كارثي، حيث لا تصل حتى أبسط المساعدات”.
وتحدثت المسؤولة عن غرفة العمليات الطارئة التي أنشأتها الحكومة الفلسطينية في 19 يناير، خلال فترة قصيرة من وقف مؤقت للعدوان، للعمل على إيصال الخدمات الأساسية لسكان غزة، هذه الغرفة بدأت بـ25 جهة حكومية، وانضمت إليها لاحقا 40 مؤسسة من المجتمع المدني والقطاع الخاص، بالإضافة إلى وكالات أممية مثل”او أن دي بي” و«اوشا” والعمل على توفير المأوى لنحو 1.8 مليون نازح، ثم تأمين المياه، الصحة، والتعليم، رغم تدمير 80 بالمائة من المدارس.
وأكدت المتحدثة أن الاحتلال لم يستطع كسر إرادة الفلسطينيين، وأن الوزارة لجأت إلى التعليم عن بعد بمشاركة متطوعين من الضفة، لكن العدوان تجدد بشدة وأوقف الجهود، كما شددت على أهمية تكييف أنظمة الحماية الاجتماعية لتلبية الحاجات الطارئة والمتغيرة لكافة الفئات، وبالأخص الفئات الأكثر هشاشة كالنساء، الأطفال، كبار السن، وذوي الإعاقة، كما أن الوزارة تسعى إلى استدامة الحماية الاجتماعية والقانونية، رغم التحديات الهائلة.
وختمت الوزيرة الفلسطينية حديثها بالإشارة إلى تقارير دولية، مثل تقرير “الإسكوا” الأخير الذي بيّن كيف تتفاقم الفجوة الاجتماعية في المنطقة بسبب الأزمات المتعددة - من مناخية واقتصادية إلى سياسية ومؤسساتية - وخاصة في ظل الاحتلال والصراعات، ما يضاعف من تآكل شبكات الحماية الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
تحدّيات كبيرة
في هذا السياق، أكد طارق نابلسي، الوزير المفوض ومدير إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية بجامعة الدول العربية، على معاناة الشعب الفلسطيني، لاسيما في قطاع غزة، مشيرا إلى الجهود المشتركة التي يبذلها كل من مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب ومجلس وزراء الصحة العرب لتقديم مساعدات إنسانية وصحية عاجلة.
وأوضح أنه تم إرسال وفود عبر الأردن ومصر لتسليم هذه الإعانات بشكل مباشر، كما أشار إلى التحديات الكبيرة التي واجهتها فرق الإغاثة عند معبر رفح، نتيجة العراقيل الإسرائيلية التي تعرقل مرور المساعدات وتؤثر سلبا على سرعة توزيعها، وأشاد نابلسي بالجهود المتواصلة والفعالة التي تبذلها جمعيات الهلال الأحمر في مختلف الدول العربية.
وأبرز الوزير - في سياق آخر - أهمية الخطط الاستباقية في التعامل مع الأزمات، خاصة في ما يتعلق بالفئات الهشة كالأشخاص ذوي الإعاقة، وأشار إلى أن الاجتماع العربي الثاني للأشخاص ذوي الإعاقة 2023 – 2032”، الذي أقرته القمة العربية بالمملكة العربية السعودية، يمثل محطة بارزة في هذا الاتجاه، حيث تضمّن فصلا خاصا بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الأوبئة والكوارث، كما تحدث عن جهود دعم الطفولة والشباب، مشيرا إلى أن مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية يعد الخطط الخاصة بالأطفال بالتعاون مع الدول الأعضاء، بينما ُمنح الشباب مساحة بارزة للتعبير عن أولوياتهم من خلال منتدى الشباب العربي، الذي يسبق القمم التنموية، وأوضح أن هذه المنتديات مكنت الشباب من طرح مبادراتهم مباشرة أمام القادة العرب، لاسيما في ما يخص الأوضاع في مناطق النزاع، وبناء القيادات الشابة.
وأوضح الوزير المفوض أن التعاون العربي في هذا المجال يشمل كذلك دعم وتنظيم العمل التطوعي، مشيرا إلى الاستراتيجية العربية الخاصة بالعمل التطوعي، التي جاءت استجابة لما كشفت عنه جائحة كوفيد-19 من ضرورة تنسيق الجهود التطوعية بما يجعلها أكثر فاعلية في مواجهة الأزمات، وأكد أن العمل جار حاليا على إعداد برامج تدريبية في هذا السياق، إلى جانب السعي نحو تكريم النماذج المتميزة عربيا في مجال التطوّع.
وأكد المتحدث على أهمية التنسيق المتكامل بين جامعة الدول العربية، والحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، مشددا على أن التكامل بين هذه الأطراف يعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة، ودعا إلى مواصلة تعزيز الشراكات وتبادل الخبرات، من أجل بناء أنظمة حماية اجتماعية مرنة وشاملة، قادرة على الصمود أمام الأزمات، والاستجابة للاحتياجات المتغيرة للفئات الهشة، بما يضمن العدالة الاجتماعية ويسهم في ترسيخ الاستقرار المجتمعي في المنطقة العربية.
حماية حقوق العمال
المستشار النقابي بالاتحاد العام لعمال النقابات عمال ليبيا ناجي شريف، بدوره، قال في مداخلة إن ليبيا تعتمد في مجال الحماية الاجتماعية، على قانون الضمان الاجتماعي من خلال صندوق خاص للمتقاعدين، ويجري العمل حاليًا على تحسين أوضاعهم وزيادة رواتبهم. كما أصدرت الدولة منحا للزوجة، والأطفال حتى سن 18، والنساء غير المتزوجات، تصرف بانتظام. ورغم ذلك، لا تزال التحديات قائمة، مثل غياب الانتخابات، وتكدس العمالة، وارتفاع عدد الباحثين عن عمل، وهو ما يدفع النقابات إلى مواصلة جهودها للتخفيف من معاناة المواطنين وتحسين ظروفهم.
توصيات هامة
وتوجت أشغال المنتدى العربي من أجل المساواة بجملة من التوصيات، في مقدمتها الدعوة إلى مزيد من العدالة والشمول، دعم المؤسسات الضعيفة وتوجيه الموارد المحدودة بفعالية، مع الانتقال من الدعم الإنساني المؤقت إلى أنظمة حماية اجتماعية مستدامة.
وتضمنت التوصيات أيضا من خلال إعادة توزيع الدخل وتوفير شبكات الأمان، يمكن للحماية الاجتماعية أن تقلص الفقر، وتعزز التنمية الشاملة والفرص المتساوية، وفي سياق التعاون وتبادل التجارب من الضروري تبادل الخبرات بين الدول العربية والعالمية، لتطوير أنظمة حماية تستجيب للواقع المحلي وتعزز العدالة الاجتماعية.
وجاءت بضرورة الحد من الفوارق التي تعتبر مسؤولية جماعية تتطلب مشاركة فعالة من الحكومات، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية، خلق فرص عمل لائقة للحد من الاعتماد على المساعدات، وتعميم الاستفادة من النمو الاقتصادي على كل الفئات، التكامل بين السياسات الاجتماعية والاقتصادية لترجمة التنمية الاقتصادية إلى مكاسب اجتماعية حقيقية.