طباعة هذه الصفحة

“ثورة” قانونية وتنظيمة لمراقبة التصدير والاستيراد خدمة للبلاد والعباد

مفاتيح الرئيس تبون لتأسيس حوكمة اقتصادية رشيدة

علي مجالدي

قطيعــة جذريــة مـع الممارسـات البائــدة اللاّمسؤولة

تحقيق السيادة الاقتصاديـة الكاملـة والمستدامــة

ترشيد الـواردات وضمـان استــيراد حاجـة السّـوق الفعليـة

في خضم التحوّلات الاقتصادية العميقة التي تشهدها الجزائر، وسعيها الحثيث نحو بناء نموذج اقتصادي أكثر تنوعاً واستدامة، تأتي خطوة إنشاء هيئتين وطنيتين متخصصتين في عمليات الاستيراد والتصدير كإحدى اللبنات الأساسية ضمن مسار إصلاحي شامل.

لا يعكس قرار رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، القاضي بإثراء النصوص والآليات القانونية المتعلقة بهاتين الهيئتين والإشراف الشخصي على تأسيسهما، فقط الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع، بل يؤكد أيضاً على إرادة سياسية عليا لإحداث قطيعة جذرية مع الممارسات السابقة ووضع أسس متينة لتنظيم وضبط التجارة الخارجية، التي تمثل شرياناً حيوياً للاقتصاد الوطني، حيث تتجاوز أهمية هاتين الهيئتين مجرد كونهما أداتين إداريتين جديدتين، لتصلا إلى كونهما ركيزتين محوريتين في استراتيجية الدولة الرامية إلى رقمنة الحياة الاقتصادية، ضبط السوق، حماية الإنتاج المحلي المتنامي، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الجزائرية في الأسواق العالمية، وكل ذلك في إطار رؤية تهدف إلى تحقيق سيادة اقتصادية كاملة ومستدامة.
لطالما كانت التجارة الخارجية، بجناحيها الاستيراد والتصدير، نقطة ارتكاز أساسية لأي اقتصاد وطني، فهي تحدّد ملامح الميزان التجاري وتؤثر بشكل مباشر على احتياطات الصرف والقدرة الشرائية للمواطن.
في هذا السياق، يندرج إنشاء الهيئتين الوطنيتين ضمن مقاربة شاملة تهدف إلى إعادة هيكلة وتنظيم هذا القطاع الحيوي. فمن جهة، ستعمل الهيئة المكلفة بالاستيراد على ترشيد الواردات وضمان استيراد ما يحتاجه السوق فعلياً، مع وضع معايير جزائرية خالصة، كما أمر به رئيس الجمهورية، حيث يتوجب على كافة المتعاملين الاقتصاديين احترامها. وهذا التوجه لا يهدف فقط إلى كبح فاتورة الاستيراد التي أثقلت كاهل الخزينة العمومية لسنوات، بل يسعى بالدرجة الأولى إلى حماية الإنتاج الوطني الذي يشهد طفرة نوعية، خاصة مع الهدف المسطر لبلوغ مساهمة القطاع الصناعي نسبة 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات القادمة. وهذا الهدف الطموح لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية مدروسة توازن بدقة بين ما يتم استيراده وما يتم تصنيعه محلياً، مع إعطاء الأولوية للمنتج الجزائري ذي الجودة والتنافسية.
وفي سياق متصل، تأتي الهيئة الوطنية المكلفة بالتصدير لتضطلع بدور لا يقل أهمية، يتمثل في تسهيل ولوج المنتجات الجزائرية إلى مختلف الأسواق العالمية وتعزيز الصادرات خارج قطاع المحروقات. وكانت الجزائر قد حققت أرقاما تاريخية في هذا المجال، حيث فاقت قيمة صادراتها خارج المحروقات 7 مليارات دولار في عام 2024، وهو مؤشر قوّي على الإمكانيات الكبيرة التي يزخر بها الاقتصاد الوطني.
 وتطمح الدولة إلى مضاعفة هذا الرقم خلال العامين القادمين، والوصول به إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2030. ولتحقيق هذه الغاية، ستعمل الهيئة الجديدة على تذليل العقبات البيروقراطية، توفير المعلومات والدعم اللازمين للمصدرين، والمساهمة في الترويج للمنتج الجزائري عالمياً، خاصة وأن الإشراف الرئاسي المباشر على إنشاء هاتين الهيئتين يهدف إلى إرساء قطيعة مع كل الانحرافات التي شابت الهيئات المسؤولة سابقاً وتحديد مواصفات دقيقة للمستوردين والمصدرين.
علاوة على ذلك، يندرج تأسيس هاتين المنصتين ضمن خطة الدولة الأشمل نحو رقمنة كاملة وشاملة للحياة الاقتصادية في البلاد. فالتحكم في تدفقات السلع والخدمات عبر الحدود، وضمان شفافية المعاملات، ومكافحة التضخيم في الفواتير والممارسات التجارية غير المشروعة، كلها أهداف يمكن تحقيقها بفعالية أكبر من خلال منصات رقمية متكاملة وآليات عمل حديثة. والرقمنة في هذا السياق ليست مجرد تحديث تقني، بل هي أداة حوكمة فعّالة تساهم في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، وتوفر قاعدة بيانات دقيقة لصناع القرار لرسم السياسات الاقتصادية المستقبلية.
ويمكن القول إن إنشاء هيئتين وطنيتين للاستيراد والتصدير، مع الحرص على إثراء نصوصهما وآلياتهما القانونية لتكون مدروسة بدقة عالية وصالحة لعقود قادمة ومتلائمة مع الآليات الدولية، يمثل خطوة استراتيجية بالغة الأهمية في مسار الإصلاح الاقتصادي الجزائري. كما إنها مبادرة تعكس رؤية واضحة نحو بناء اقتصاد قوي ومتنوّع، قادر على مواجهة التحدّيات وتحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال ضبط آليات السوق، حماية الإنتاج المحلي، وتعزيز القدرات التصديرية للبلاد، بما يخدم المصلحة العليا للاقتصاد الوطني والمواطن على حد سواء.