طباعة هذه الصفحة

بعد تقنين الإستـيراد المصغّر

رئيس الجمهورية يؤسّـس الإقتصـاد المنظم

علي مجالدي

 اهتمـام عميـق بالفئـات الشبانيـة..ومرافقة قانونية واجتماعية لصغــار التجـار

 في خطوة جديدة تجسّد الرؤية الشمولية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في الاهتمام العميق بالفئات الشبانية، جاء أمره الأخير خلال اجتماع مجلس الوزراء ليشكل تحولًا في مسار تنظيم التجارة عبر الحدود، من خلال تسوية شاملة لوضعية الشباب العاملين في مجال ما يسمى “الاستيراد المصغّر”، هؤلاء الشباب الذين اختاروا شقّ طريقهم في التجارة عبر منافذ غير نظامية، وجدوا أنفسهم لسنوات بين مطرقة الطموح وسندان الوضعية القانونية المخالفة، ما جعل الكثير منهم عرضة لحجز سلعهم وخسارة مدّخراتهم المحدودة، بل وفقدان التوازن الاجتماعي الذي يؤمّن لقمة العيش للعديد من العائلات الجزائرية.

أمر رئيس الجمهورية بإدماج هذه الفئة في النشاط النظامي للتجارة الخارجية، عبر تمكينهم من المزايا المنصوص عليها في قانون المقاول الذاتي، ومنحهم صفة “أعوان اقتصاديين”، وهو ما سيفتح أمامهم أفقًا جديدًا من الاستقرار الاجتماعي والاعتراف القانوني، ويعفيهم من الممارسات السابقة التي كثيرًا ما وُصِفَت بالهامشية رغم مساهمتها في الدورة التجارية الوطنية.
علاوة على ذلك، كلّف رئيس الجمهورية الوزير الأول بتشكيل لجنة استعجالية لتحديد آليات تنظيم هذا النشاط، بما يسمح بحمايته وتوجيهه، دون الإضرار بمصالح الاقتصاد الوطني أو تهديد الصناعة المحلية الناشئة، ومن المنتظر أن تفضي هذه اللّجنة إلى إعداد قائمة دقيقة بالمنتجات، التي يمكن استيرادها وفق رخصة مضبوطة توازن بين متطلبات السوق الوطني وضرورات الحماية الإنتاجية.
وفي السياق، يوضّح الدكتور صحراوي سليمان، المتخصّص في الاقتصاد الجزئي في تصريح لـ«الشّعب”، أن هذا التوجيه الرئاسي يُعبّر عن وعي دقيق بالتفاصيل الدقيقة للحركية الاقتصادية في الجزائر، ويُعد سابقة هامة في التعاطي الرّسمي مع فئة لطالما أُهملت رغم ديناميتها. ويضيف بأنّ “رئيس الجمهورية يثبت مرة أخرى أنه مطّلع على كل صغيرة وكبيرة تخص الاقتصاد الوطني، وقد أدرك أن الاستيراد المصغّر، رغم بساطته الظاهرية، يدر دخلا على آلاف العائلات، ويُعدّ رافدًا للسوق في بعض أبعاده، خاصة أنه لا يُمول من الخزينة العمومية ولا من العملة الصعبة الرّسمية، بل يعتمد في كثير من الحالات على تحويلات المغتربين”.
كذلك، فإنّ دمج هؤلاء الشباب في الاقتصاد الرّسمي سيجعلهم مساهمين مباشرين في الجهد الجبائي، ويفتح لهم المجال للحصول على التغطية الاجتماعية والاستفادة من المرافقة القانونية والتجارية، بدل أن يُتركوا عرضة للمخاطر القانونية والخسائر المتكررة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تنظيم هذا القطاع سيمنح الدولة قدرة أكبر على ضبط تدفقات السلع، وتحديد أولويات السوق، دون أن تغلق الباب أمام المبادرات الفردية أو النشاطات التجارية الصغيرة.
وفي سياق متصل، يمكن النظر إلى هذه الخطوة على أنها استكمال لمسار إصلاحات أوسع تبنتها الدولة الجزائرية في السنوات الأخيرة، تهدف إلى توسيع القاعدة الاقتصادية ودمج الاقتصاد غير الرّسمي تدريجيا في المنظومة الوطنية، بما يعزّز الشفافية ويرفع من مؤشرات الأداء الكلي.
ولا تقتصر توجيهات رئيس الجمهورية بخصوص الاستيراد المصغّر على معالجة وضعية آنية أو تخفيف معاناة فئة معينة فقط، بل تحمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية واستراتيجية عميقة، تؤكّد مرة أخرى أن الرؤية التي تقود البلاد اليوم، تُراكم تدريجيا لبناء اقتصاد أكثر توازنا، وطني الروح، شامل في بنيته، ولا يقصي أحدا من أبنائه الراغبين في المشاركة، بوسائلهم المتواضعة، في خدمة السوق والمجتمع.