التضليل الإعـلامي قاصر عن النيــل من اللحمـة الوطنيــة
ممولو التنظيمات الإرهابيــة.. أوهـام وحسـابــات خاطئــة
تواجه الجزائر في المرحلة الراهنة تحديات هجينة غير مسبوقة ومتزايدة بشكل مستمر، تجمع بين الهجمات السيبرانية، ومحاولات الإضرار بأمنها الإعلامي، واستهداف شبابها عبر إغراقه بالمخدرات، في ظل تواطؤ مفضوح لبعض الأطراف الخارجية، وعلى رأسها المخزن المغربي واليمين المتطرف الفرنسي، الذي لا يخفي عداؤه للجزائر.
وفي هذا السياق، جاءت تحذيرات الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، خلال زيارته الأخيرة إلى الناحية العسكرية الرابعة، لتؤكد إدراك الجزائر لطبيعة التهديدات الجديدة.
وشدد الفريق أول السعيد شنقريحة، في كلمته التوجيهية على ضرورة التصدي للاستخدام الخطير للدعاية المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، مؤكدًا أن الأخبار الكاذبة والمعلومات المفبركة تحولت إلى «أسلحة فتاكة» في أيدي أطراف تسعى إلى ضرب الاستقرار الداخلي وإحداث فجوة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
وفي نفس السياق، لم يخف الفريق أول، أن هذه الحرب الإعلامية تستهدف بث الشك والبلبلة وزرع عدم الثقة، داعيًا إلى تعزيز الحسّ الأمني لدى الأفراد والجماعات، وتحفيزهم على التعامل النقدي مع المعلومة، في سياق يفرض التحلي بأعلى درجات الوعي واليقظة لإفشال المخططات التي وصفها بـ»الدنيئة».
علاوة على ذلك، لا تقتصر الحرب ضد الجزائر على البعد الإعلامي فقط، بل تأخذ أشكالًا أشد خطورة عبر محاولات الإغراق بالمخدرات والمؤثرات العقلية. فقد كشفت عملية أمنية نوعية نفذتها مصالح الأمن الوطني بولاية مستغانم عن حجم المخطط الممنهج لاستهداف الجزائر. حيث تم حجز أكثر من 1.65 مليون قرص مهلوس، من نوع «الإكستازي»، قادمة من ميناء مرسيليا الفرنسي، وهي أكبر شحنة من نوعها يتم ضبطها في إفريقيا، بقيمة تتجاوز 400 مليار سنتيم.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت التحريات أن هذه الشبكة الدولية كانت تنشط بين المغرب وفرنسا، ما يعزز - مرة أخرى - الشكوك حول تواطؤ منظم بين شبكات إجرامية مدعومة من المخزن وأوساط يمينية متطرفة في فرنسا، لضرب المجتمع الجزائري، اقتصاديًا واجتماعيًا، عبر نشر المخدرات والمهلوسات بشكل كثيف.
وفي سياق متصل، تؤكد دراسات عدة أن المغرب مازال أكبر منتج عالمي للقنب الهندي وفق تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حيث يتم تسخير أرباح هذه التجارة القذرة لتمويل أنشطة مشبوهة، بعضها يهدد أمن الدول الجارة مباشرة. ويعد هذا المخطط جزءًا من حرب قذرة تهدف إلى استهداف المجتمعات الحية في المنطقة، وعلى رأسها المجتمع الجزائري الذي ظل عصيًا على محاولات التخريب الناعمة.
إلى ذلك، أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور منصوري عبد القادر، في تصريح لـ»الشعب»، إلى أن الأموال المتأتية من تجارة المخدرات عبر شبكات فرنسا والمغرب تُستخدم في تمويل وتسليح التنظيم الإرهابي «الماك»، المصنف رسميًا كمنظمة إرهابية في الجزائر، ويرى الدكتور منصوري أن هذه الشبكات لا تقتصر على تهريب المخدرات فحسب، بل تتحرك ضمن أجندة سياسية تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر من الداخل، عبر دعم النزعات وتمويل عمليات التسلح السري.
ميناء مرسيليا ..قاعدة خلفية؟!
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت عدة تقارير مستقلة أن ميناء مرسيليا تحول إلى بوابة خلفية لهذه الأنشطة الإجرامية، حيث تتقاطع مصالح شبكات تهريب المخدرات مع شبكات التطرف السياسي، في ظل غياب إرادة حقيقية من السلطات الفرنسية، أو في بعض الأحيان بتواطؤ بعض الأطراف المرتبطة باليمين المتطرف، الأمر الذي يثير الشكوك حول مصداقية شعارات فرنسا الرسمية بشأن الشراكة مع الجزائر، إذ تمد يدها اليمنى، بينما تطعن الجزائر باليد الأخرى.
وكذلك، لا يمكن تجاهل المفارقة الصارخة بين التصريحات الرسمية الفرنسية التي تدعو إلى «تحسين العلاقات مع الجزائر»، وبين حماية جهات فرنسية معروفة لعناصر «الماك» وتمكينهم من التحرك بحرية، بل أحيانًا تسهيل حصولهم على الدعم الإعلامي والسياسي، وهو تناقض فجّ يسقط كل الشعارات البراقة التي ترفعها باريس حول «بناء الثقة».
وتبدو الجزائر اليوم مدركة تمامًا لطبيعة الحرب الهجينة التي تُشن ضدها، والتي لم تعد تقتصر على الأساليب التقليدية، بل تجمع بين التحريض الإعلامي، التخريب المجتمعي، والإغراق بالمخدرات، في محاولة لتقويض أسس الدولة والمجتمع، غير أن التجربة الوطنية الجزائرية، المعتمدة بتاريخ طويل من مقاومة المؤامرات الاستعمارية، تجعلها قادرة، بحزم مؤسساتها ويقظة جيشها وتلاحم شعبها، على إحباط هذه المخططات والحفاظ على وحدتها وسيادتها مهما اشتدت الضغوط والمناورات.