طباعة هذه الصفحة

جزائر الشهداء متعاليـة عن التضليل الفرنسـي

باريس «تداوي» عجزها بوزراء قصّر يقلبون الحقائق!!

علي مجالدي

دوائر فرنسية تحوّل الأنظار عن مشاكلها عوض معالجتها بهدوء وواقعية

مناوئو الجزائر يفتقدون إلى الخطاب الواقعي ويعجزون عن بلورة فكرة جديدة

لا يُمكن قراءة التصريحات المتكررة الصادرة عن بعض المسؤولين الفرنسيين، وتحديدًا وزير الداخلية المتطرف، إلا في سياق محاولة واعية لصرف الأنظار عن عمق الأزمة الداخلية التي تعيشها فرنسا، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

حين يتحدث هذا الوزير «القاصر» عن «محاولات الجزائر تصدير أزمتها الداخلية»، فإنه يعكس خطابًا مقلوبًا يُسقط المأزق الفرنسي على خصم خارجي مختلق. في الوقت الذي يُظهر فيه الواقع أن الجزائر تسير نحو استقرار متنامٍ وشراكات اقتصادية واعدة، بينما تغرق فرنسا في انسدادات مؤسساتية متواصلة، ونسب مديونية قياسية، واستقطاب سياسي غير مسبوق.
وتشهد فرنسا منذ أشهر حالة من التأزم الداخلي الصريح؛ فبعد أزمة تمرير قانون المالية لسنة 2025 التي تسببت في سقوط حكومة ميشال بارنييه، وجدت النخبة السياسية الفرنسية نفسها عاجزة عن إنتاج توافق جديد مستقر، وهو ما ترجم في تأخر المصادقة على قانون الميزانية لأكثر من ثلاثة أشهر، وعودة النقاشات الحادة بين الحكومة والبرلمان حول طبيعة الأولويات.
علاوة على ذلك، ارتفعت وتيرة التنافس بين جناح ماكرون والتيارات اليمينية المتطرفة بشكل ملحوظ، خاصة بعد النتائج غير المتوقعة للدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، والتي كرست الصعود السياسي لليمين المتشدد، ما زاد من تعقيد المشهد ووضع الجمهورية الخامسة في اختبار غير مسبوق.
أعلى الدول مديونية
في السياق، لا يمكن إغفال التدهور الواضح في المؤشرات الاقتصادية الفرنسية. فقد بلغت المديونية العمومية نحو 3. 305 مليار يورو، أي ما يعادل 111.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي، حسب آخر بيانات المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE).
 هذه الأرقام تجعل فرنسا من بين أعلى الدول الأوروبية مديونية، ما يفرض عليها ضغطًا مستمرًا من المفوضية الأوروبية ومؤسسات التصنيف الائتماني، ويُقلص من قدرتها على تنفيذ سياسات اجتماعية واقتصادية توسعية.
وبدل معالجة تدهورها بهدوء وواقعية، تلجأ بعض الدوائر الفرنسية إلى تحويل الأنظار نحو الخارج، وتحديدًا الجزائر، باعتبارها الخصم الجاهز في المخيال السياسي الفرنسي التقليدي. وتُستخدم في هذا السياق، مصطلحات مستهلكة من قبيل «الجزائر تحاول تصدير أزماتها» أو «افتعال مواجهات خارجية»، بينما الوقائع تُكذب هذه الادعاءات. فالجزائر -في الواقع- بصدد إطلاق مشاريع استراتيجية كبرى تؤكد تحوّلها نحو نموذج اقتصادي منتج ومتوازن، يقوم على الشراكات المتعددة والاعتماد على الذات في القطاعات الحساسة، مثل الأمن الغذائي والمائي والطاقة.
ومن هذه المشاريع، نذكر الشراكة مع شركة «بلدنا» القطرية لإنتاج بودرة الحليب واللحوم في أدرار، باستثمار يفوق 3.5 مليار دولار وهو الأكبر من نوعه في العالم. كذلك تم التوقيع على مشروع زراعي ضخم مع شريك إيطالي بقيمة 420 مليون يورو، يشمل تخصيص مساحة قدرها 36 ألف هكتار في ولاية تيميمون لإنتاج القمح الصلب والبقوليات وبناء مصانع تحويلية مرتبطة بمنظومة الأمن الغذائي الوطني. في سياق متصل، تُعاني فرنسا من تراجع مكانتها في السوق الدولية، ما يدفع العديد من شركاتها الكبرى إلى التوسل للحصول على صفقات في الجزائر. وفي صورة هزلية أقرضت فرنسا المغرب قرضًا بقيمة 781 مليون يورو لاقتناء 18 عربة قطار من شركة «ألستوم» الفرنسية، في خطوة وصفها العديد من المتابعين المغاربة بأنها توظيف سياسي واضحج؛ ذلك أن ذات الحكومة الفرنسية التي تُغرق دولًا في المديونية مقابل إنقاذ شركاتها، تعلم جيدًا أن آلاف المواطنين في منطقة الحوز مازالوا بلا مأوى بعد زلزال 2023، بينما توجّه الأموال نحو مشاريع ذات أولوية فرنسية، لا مغربية.
ويمكن بسهولة، ملاحظة أن الفرنسيين لا يكتشفون مشاكلهم إلا عندما يتوقف إعلام بولوري عن إثارة موضوع الجزائر واستضافة وزراء يرددون نفس الكلام وبنفس الطريقة وبنفس النبرة، لعشرات المرة، بشكل يظهر افتقادهم لأي خطاب حقيقي وعجزهم عن تطوير فكرة سياسية جديدة، باستثناء التكرار والاجترار الممل.