ضجّة مفتعلة بالكامل.. والتسوية مع الرئيس الفرنسي أو من يفوضه
الجزائر لا تنجر وراء خطاب التهييج.. وإدارة الملف بأدوات احترافية
قدّم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، خلال لقائه الدوري مع وسائل الإعلام الوطنية، قراءة سياسية شاملة للمشهد الإقليمي والدولي، مجددًا مواقف الجزائر إزاء العديد من القضايا الحساسة، أبرزها العلاقات مع فرنسا، قضية الصحراء الغربية، وتموضع الجزائر في خارطة العلاقات الدولية مع القوى الكبرى.
اتسم حديث رئيس الجمهورية، عن العلاقة مع فرنسا، بالوضوح والدقة وكثير من الدقة. مبرزا في الوقت ذاته إدراكا عميقا عميقًا بالتوازنات الدولية، ومؤكدا صلابة الدولة الجزائرية وقوة مؤسساتها وقدرتها على صون السيادة الوطنية والدفاع عن مصالحها الحيوية.
في معرض حديثه عن العلاقات الجزائرية- الفرنسية، وضع رئيس الجمهورية النقاط على الحروف، محددًا طبيعة العلاقة التي تريدها الجزائر مع باريس؛ علاقة بين دولتين، قوة أوروبية وقوة إفريقية، بعيدا عن الضغوط الإعلامية ودوائر التأثير غير الرسمية. معلنا أن الملف بيد وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، والذي وسمه فيها بـ»الوزير الكفء»، والذي يحظى بثقته الكاملة، ما يُترجم رغبة الدولة في إدارة الملف الخلافي مع فرنسا بأدوات احترافية، خالية من الانفعال، لكن محصّنة بموقف وطني ثابت.
ولم يتوقف رئيس الجمهورية عند المواقف الرسمية، بل تجاوزها، برأي مراقبين، إلى تحليل دقيق لطبيعة الضجيج السياسي المفتعل في فرنسا اليمين المتطرف. مؤكدًا، أن الجزائر لا تنجرّ وراء خطاب التهييج، وأن النقاش الحقيقي -إن كان لابد منه- سيكون فقط مع الرئيس ماكرون أو من يفوّضه رسميًا. وفي هذا الطرح، تأكيد على تمسّك الجزائر بمبدإ التعامل من ندّ إلى ند، خارج أي حسابات استعمارية قديمة أو استعلاء سياسي موروث.
هذه الكلمات المبادئ الثلاثة، التي لخص فيها الرئيس تبون رؤيته للعلاقة مع باريس، تعتبر ترسيخا للمنطق الحقيقي للدولة، عبر التمسك بالأطر الرسمية والرئيسية لضبط العلاقات بين الدول وتكريسها على مستوى رأس الدول ووزارة الخارجية، عكس الفوضى والفلتان الذي يميز الخطاب الرسمي في فرنسا، حيث اختلطت الأمور ولم يعد معروفا من يمثل صورتها في الخارج، هل هو الرئيس ماكرون، أم الوزير الأول، أم وزير الخارجية أم الحاقد وزير الداخلية.
وفي سياق متصل، بعث رئيس الجمهورية برسالة صريحة تتعلق بالجالية الجزائرية بالخارج، مشددًا على أن كرامتها وأمنها الوطني غير قابلين للمساس، ما دام أفرادها يحترمون قوانين البلدان المضيفة. وهو موقف يجمع بين الحزم السيادي والاحترام الكامل لأطر العلاقات الدولية.
معرفة كل الخبايا
وفي معرض رده على سؤال حول زيارة مسؤولين فرنسيين إلى الأراضي الصحراوية المحتلة، أظهرت إجابة رئيس الجمهورية، أن الجزائر لم تتضايق مطلقا بتلك الزيارات، وقال: «نحن نعلم وفرنســـــا تعلم أننا نعلم طبيعة علاقتها مع الجار الغربي... هي من وقفت وراء مقترح الحكم الذاتي».
وبدا الرئيس تبون، أكثر صراحة، كاشفًا عن خلفية سياسية طالما وُصفت بالمسكوت عنها، حين أشار إلى أن مقترح «الحكم الذاتي» هو ابتكار فرنسي قبل أن تتبناه المملكة المغربية. ولا يوضع هذا التوضيح في خانة الاتهام، بقدر ما يُفهم على أنه واقع لا يضايق الجزائر، بل يضايق الشرعية الدولية والأمم المتحدة، خاصة وأن الدعم الصريح بات يتم بطريقة تنم عن المزايدات والتموضعات المحكومة بمنطق التحالفات الضيقة. وأكد رئيس الجمهورية عدم انزعاج الجزائر من العلاقة التي تربط فرنسا بالمغرب، مشيرا إلى «الاستعراض المبالغ فيه» الذي يرافق الموقف الفرنسي من الملف الصحراوي، منبّهًا إلى أن هذا السلوك لا يخدم لا مصداقية فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن، ولا الشرعية الدولية التي يفترض بها أن تصون مسار تصفية الاستعمار.
وفي هذا السياق، يبرز موقف الجزائر كصوت عقلاني لا يبحث عن نزاع أو عداوة، إنما يطالب باحترام المسارات القانونية للقضايا الدولية، وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية التي تظل، وفق قرارات الأمم المتحدة، نزاعًا دوليًا غير محكوم بأي تسوية أحادية الجانب.
علاقات متطورة مع القوى العظمى
أما على مستوى العلاقات الدولية، جدّد الرئيس تبون تمسّك الجزائر بخطّها الدبلوماسي المتوازن، مؤكدًا أن تعزيز وتطوير الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تُوّجت بتوقيع اتفاقيات جديدة في المجال العسكري.
وقال، إن التطور المتصاعد للعلاقات مع واشنطن، لا يعني بأي حال من الأحوال المساس بمتانة العلاقات مع روسيا أو الصين أو الهند، هذا التوضيح يعيد التذكير بثوابت السياسة الخارجية الجزائرية القائمة على مبدإ عدم الانحياز، خاصة في عالم يتجه نحو الاستقطاب من جديد. وفي دلالة اقتصادية وسياسية بالغة الرمزية، أشار رئيس الجمهورية إلى مساعي الجزائر لفتح خط جوي مباشر نحو نيويورك، وهي خطوة تعكس انفتاحًا محسوبًا على السوق العالمية، ودعمًا عمليًا للجالية الجزائرية في أمريكا الشمالية، في إطار دبلوماسية متعددة الأبعاد.
وفي ذات المقابلة، أكد رئيس الجمهورية، استعادة العلاقات الثنائية بين الجزائر وإسبانيا حالتها الطبيعية بعد فترة من البرود. كما أثنى مجددا على التعاون النوعي مع إيطاليا، وكذلك ألمانيا، مشيرا إلى أنهما دولتان لم يسبق وأن عرفت العلاقة معهما مشكلا أو سوء فهم وإن حدث يتم حله بالطرق الودية.