طباعة هذه الصفحة

الرئيس تبون يضع النقاط على الحروف بقوة الحجة التاريخية

لا تنازل أو مساومة حول الذاكرة.. ومزاعم اللوبيات الفرنسية خرافات

عدد شهدائنا طيلة 132 سنة خلال مقاومة الاستعمار هو 5.600.000 شهيد 

نطالب الاعتراف المعنوي بالجرائم وليس التعويض المادي

حين دخل المستعمر الفرنسي أرضنا وجد كل الجزائريين متعلِّمين أما جنوده فكانوا جُهَّالاً ولم يجلب معه إلا الخراب

حين تنجز تمثالا عملاقا للأمير عبد القادر وسط باريس تكون رجعت إلى وعيك 

مقترح الحكم الذاتي خرافة ولدت بباريس وتقترح على الصحراويين خيارين بين المرّ والأمرّ

أفرد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حيّزا مهمّا من خطابه الموجه للأمة، أمس، لملف الذاكرة الوطنية. وتحدث مطولا عن الصراع مع فرنسا، المستعمر القديم، في هذا الخصوص، واضعا النقاط على الحروف ومنهيا الغموض الذي لطالما اتخذته أوساط فرنسية متطرفة كأوراق للمزايدة وشن حرب كراهية على الجزائر والجزائريين.
وبقوة الحجة التاريخية، جدد رئيس الجمهورية، أن عدد شهداء الجزائر الذين سقطوا طيلة 132 سنة، في مقاومة الاستعمار هو 5.600.000 شهيد، في كل مناطق الوطن، وقضى عليهم المستعمر بأبشع الطرق وبجرائم إبادة جماعية مثبتة.
وأمام كل تلك الأرواح والتضحيات، لا يمكن التنازل قيد أنملة عن ملف الذاكرة الوطنية، تكريما للآباء والأجداد الذين سقطوا في ميدان الشرف. موضحا أن ما تطالب به الجزائر هو «الاعتراف المعنوي بالجرائم» وليس التعويض المادي.
وقال رئيس الجمهورية، إن «ملايير الدولارات لا تعيد الشهيد الذي سقط في المقاومة، وفي الكفاح المسلح على يد الاستعمار الفرنسي»، مستدلا بالمجازر البشعة التي ارتكبت بحق الجزائريين، على غرار عرش بن شهرة الذي أبيد عن آخره بالغاز المميت، بعد لف أطفال لا تتعدى أعمارهم 13 سنة في قطع من القماش.
وتابع رئيس الجمهورية، قائلا: «إن الجنرال، بيجو، إبادي، أحب من أحب وكره من كره.. هذا هو التاريخ، لقد قتلوا الزعاطشة بدفعهم للاحتماء في مغارات، ثم أحرقوا الخشب أمامهم ليموتوا اختناقا».

المستعمر لم يجلب معه إلا الخراب

وأمام كبار إطارات الأمة، أكد رئيس الجمهورية، أن حديث اللوبيات المعادية للجزائر في فرنسا، عن فضل هذه الأخيرة على «بلادنا التي كانت مستنقعا مثلما يزعمون.. فكلها خرافات». مضيفا، بأن «الجزائر كانت تورّد القمح حتى للرومان، بل أعطت القمح لفرنسا». وأفاد بأن الاستعمار الفرنسي لما دخل أرض الجزائر، وجد كل الجزائريين متعلِّمين «أما جنوده فكانوا جُهَّالاً، ولم يجلب معه إلا الخراب».
وبعد أن نسف السرديات التي يراد من خلالها تبييض وجه الاستعمار، أشهر الرئيس تبون، واحداً من أكبر الملفات التي مازالت عارا على ظهر فرنسا، وهو التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية.
وقال الرئيس، «أنتِ أصبحتِ قوة نووية، وأنا تركتِ لي المرض.. تعالي نظفي الوسخ الذي تركته (النفايات النووية)». مفيدا بأن الاستعمار ارتكب المجزرة تلو الأخرى، بدليل أن «عدد الجزائريين كان 4 ملايين نسمة سنة 1830، وأصبح 9 ملايين نسمة سنة 1962، ما يعني زيادة عدد السكان لم تجاوز 5 ملايين طيلة 132 سنة، ما يدل على أن أجيال كاملة تم إبادتها من قبل الجيش الاستعماري.
لذلك، يشدد رئيس الجمهورية، أنه لا تنازل عن ملف الذاكرة «ولا نطلب الأموال، بل للتأكيد على أن أجدادنا لم يموتوا هباء».

كلنا أبناء شهداء.. ولن نتنازل

وأوضح أيضا، أن حرصه على الذاكرة الوطنية، ليس نابعا من أية خلفية ولا يتخذ سجلا تجاريا، مثلما تدعي الأصوات الفرنسية الحاقدة، وإنما نابع من كونه إبن كل شهداء الجزائر. وقال في السياق: «أنا اعتبر نفسي ابن الشهيد أمود، والشهيد بن بولعيد، وعميروش والحواس ولطفي.. والشهداء كلهم».
ووسط تصفيقات أعضاء البرلمان بغرفتيه والإطارات العليا للدولة، أكد رئيس الجمهورية، أنه وأمام كل هذا الرصيد التاريخي، «لا يمكن أن ترسل لي، لصّا مجهول الهوية، مجهول الأب، ليقول لي إن نصف الجزائر كان لدولة أخرى».
وتابع رئيس الجمهورية قائلا، «نحن أصحاب حق، نطلب الاعتراف بالمنكر الذي قام به الاستعمار في البلاد»، مشيرا إلى احتجاز أكثر من 500 جمجمة تعود لمقاومين جزائريين في باريس، والتي لم تسترجع منها الجزائر سوى 24 فقط.
ودعا الرئيس تبون، المسؤولين الفرنسيين إلى طاولة الحوار حول موضوع الذاكرة وكشف كل شيء، وتقديم خطوات جادة للاعتراف، مفيدا بقوله: «يوم تنجز تمثالا عملاقا للأمير عبد القادر وسط باريس، أعترف لك أنك رجعت إلى وعيك».

مساندة القضايا العادلة والشعوب المقهورة

في ملف السياسة الخارجية، جدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مساندة فلسطين، مثلما كان عليه الحال دائما منذ عهد صلاح الدين الإيوبي. وقال في السياق، إن «الجزائر من الدول القليلة التي تخاف التاريخ، وتقف مع فلسطين، ولديها شهداء مدفونون في فلسطين».
وذكر بمواقف الجزائر، الداعمة للقضية الفلسطينية على مستوى مجلس الأمن الدولي، منذ بداية شغلها مقعدها غير الدائم مطلع السنة الجارية، حيث خاضت «معارك لصالح الشعب الفلسطيني ومازالت».
ودعا الكثير من الأطراف، لعدم لوم الجزائر على مواقفها هذه، «لأنها لا تفعل ذلك من أجل إحراج أي أحد ولكن هكذا هو طبعها».
وتطرق الرئيس تبون، إلى الجهود المتواصلة من أجل تمكين فلسطين من صفة العضو الكامل بالأمم المتحدة، حيث بذلت جهودا معتبرة نجم عنها اعتراف 143 دولة بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية، مفيدا بأن اعتراف بعض الدول الأوروبية بفلسطين «خطوات عملاقة لن تمحوها لا المجازر ولا المحارق».

متيقنون من بناء دولة فلسطينية.. ولندعْ الشعب الصحراوي يقول كلمته

وعبر الرئيس عن يقينه الكامل من بناء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، على الحدود التي يقتنع بها الفلسطينيون عقب مفاوضاتهم مع الكيان الصهيوني.
وبخصوص الصحراء الغربية، جدد رئيس الجمهورية، التأكيد على ثبات مواقف الجزائر حيال هذا النزاع منذ سنة 1973، وتحديدا منذ أول اجتماع بنواديبو ثم تلمسان، ثم إفران لاحقا.
وقال: «لندع الشعب الصحراوي يقول كلمته ويقرر مصيره، ولا يفرض عليه شيئا». ووصف مقترح الحكم الذاتي بالخرافة، التي ولدت بباريس، والتي تقترح على الصحراويين خيارين بين «المر والأمر». وأكد أن أرض الصحراء الغربية ليست ملكا للاحتلال المغربي حتى يقترح فيها حكما ذاتيا على أصحابها، ومازالت مسجلة على مستوى الأمم المتحدة «كأرض لم تستكمل مسارها السياسي».
وأكد الرئيس في السياق، أن ثبات الجزائر على موقفها نابع من التزامها بالشرعية الدولية، «إذ لم تحِد منذ استقلالها عن القانون الدولي»، مشيرا إلى أنها دخلت في نزاعات مع بلدان أوروبية، لأنها حادت عن الشرعية الدولية «وبعضها تراجع عن انحرافه».