بشأن الانحراف الفرنسي الخطير حول الصحراء الغربية.. وزير الخارجية:

رد الرئيــس تبون على ماكـرون كان صارمـا وحازما

حمزة.م

هذه التبريرات الثلاثة لماكرون.. وهكذا كان الرد دقيقا من الرئيس تبون

الموقف الفرنسي يركز على حصرية الحكم الذاتي كقاعدة لحل النزاع ضمن السيادة المغربية المزعومة 

الخطوة الفرنسية لا يمكنها الإسهام في إحياء المسار السياسي وإنما تغذي الانسداد 

خطوة لا يمكنها دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة 

خطوة لا تخدم السلام ولا البحث عن حل سلمي ولا بلورة التسوية المنشودة 

3 تغييرات خطيرة طرأت على الموقف الفرنسي تناقض كل ما يدعيــــــه هذا البلد 

باريــــــس منحت «هبة من لا يملك لمن لا يستحق» 

ربح الوقت لتكريس الواقع الاستعماري وفرضه على المجتمع الدولي 

صفقة باطلة قانونيا وأخلاقيا.. واستحالة تغيير ماهية القضية الصحراوية

 أكد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، أمس، أن تغير الموقف الفرنسي، تجاه قضية الصحراء الغربية، خطوة «بالغة الخطورة»، توجت «صفقة» مشبوهة بين فرنسا والمغرب على حساب الشعب الصحراوي، مشددا على ألا قيمة لها من ناحية القانون الدولي والجهود الدولية الرامية إلى حل النزاع.

قدم رئيس الدبلوماسية الجزائرية، معظم التفاصيل المرتبطة بقرار الحكومة الفرنسية اعترافها بمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية ضمن إطار السيادة المغربية المزعومة، معتبرا أنه «خطير» وفي وضعية «تعارض» مع القانون الدولي والمساعي الأممية لحل النزاع.
جاء ذلك في ندوة صحفية، نشطها بمقر وزارة الشؤون الخارجية، حيث عاد في مستهلها إلى إرهاصات الخطوة الفرنسية ومحاولة السلطات الفرنسية بقيادة الرئيس إيمانويل التمهيد والتبرير المسبق لها مع الجزائر، لكن دون جدوى.
عطاف، كشف أمام وسائل الإعلام الوطنية والدولية، أنه «تم إطلاع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بهذه الخطوة، بصفة مُسبقة من قبل نظيره الفرنسي خلال اللقاء الذي جمعهما يوم 13 جوان الماضي، أي منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، على هامش اجتماع مجموعة السبع بمدينة باري الإيطالية».
وفي تفاصيل اللقاء بمدينة باري الإيطالية «كان ردّ رئيس الجمهورية صارماً وحازماً ودقيقا للغاية» -يقول عطاف- إذ اعتبر «أنّ الموقف الفرنسي الجديد ليس مجرد استنساخ للمواقف السابقة المعلن عنها، بل يتجاوزها ويتجاوزها بالكثير، لأنه «يركز على حصرية خطة الحكم الذاتي كقاعدة لحل النزاع القائم في الصحراء الغربية، وأنه يعترف اعترافا صريحا بما يُسمى «مغربية الصحراء الغربية» ويدْرِج بصريح العبارة «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة».
وبالنسبة لرئيس الجمهورية، فإن الخطوة الفرنسية لا يمكن أن تسهم البتة في إحياء المسار السياسي، «وإنما جاءت لتُغذي الانسداد الذي أدخلت فيه خطةُ الحكم الذاتي القضيةَ الصحراوية منذ أكثر من 17 سنة».
وكان الرئيس تبون -بحسب عطاف- شديد الوضح عندما أبلغ ماكرون أن الخطوة الفرنسية لا يمكن لها أن تدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة، لأنه وبكل بساطة لا يتجه أداء مهمته في نفس الاتجاه الذي أعلنت عنه فرنسا، «أي أنه لا يعمل من أجل تطبيق خطة الحكم الذاتي ولا هو يعتبر أن الصحراء الغربية مغربية، ولا هو يهدف إلى تثبيت السيادة المغربية المزعومة على التراب الصحراوي».
كما تم التأكيد، خلال ذات اللقاء، على أنّ الخطوة الفرنسية لا تخدم السلام في الصحراء الغربية، ولا تخدم البحث عن حلّ سلمي في الصحراء الغربية، ولا تتجه في الاتجاه الذي بإمكانه الإسهام في جمع الشروط اللازمة للإسراع في بلورة الحل المنشود لهذا الصراع، طبقا لما أملته ومازالت تمليه الشرعية الدولية.
ومما كشفه وزير الشؤون الخارجية، أيضا، أن مضمون الرسالة التي بعث بها الرئيس الفرنسي إلى العاهل المغربي، كان بحوزة الجزائر، عندما قامت السلطات الفرنسية «بإبلاغنا عبر سفيرنا بباريس بفحوى الرسالة التي اعتزم الرئيس الفرنسي أن يبعث بها إلى ملك المغرب، لاسيما نصها المتعلق بقضية الصحراء الغربية».
ليأتي الرد الجزائري صارما وحازما مرة أخرى، -يؤكد الوزير- «وبتعليمات من السلطات العليا للبلاد، فقد عَبَّر سفيرنا بباريس للسلطات الفرنسية عن الموقف الجزائري من هذه الخطوة، مُحذراً من تداعياتها وعواقبها الخطيرة».

رد الفعل الجزائري

الوزير عطاف، أكد أن الجزائر تتابع التوجه الفرنسي لتغيير الموقف من قضية الصحراء الغربية، وبعدما تبينت أنه قيد التنفيذ أصدرت بيانا، الخميس، ضمنت فيه ركائز موقفها، و»أوقفت الاتصالات مع الجانب الفرنسي».
لتقوم بتجديد موقفها من «هذا التطور الخطير»، بعد نشر رسالة الرئيس الفرنسي للملك المغربي وقررت سحبَ سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري وتخفيض مستوى تمثيلها بهذا البلد.
وأوضح عطاف، أن سحب السفير «خطوة معروفة ومتعارف عليها في الأعراف الدبلوماسية الدولية، وهي عالية التعبير عن الاستنكار والاستياء من قبل دولة تجاه دولة أخرى».
وفي رده على أسئلة الصحفيين، بشأن خطوات لاحقة، أجاب الوزير بأن الحكومة الجزائرية، كانت واضحة عندما قالت إنها سوف تقوم «باستنتاج كل ما يمكن استنتاجه، والخطوة الأولى كانت سحب السفير، وسوف تقوم بالخطوات المناسبة التي تعبر من خلالها عن رفضها للقرار الفرنسي الخطير».
وبخصوص زيارة رئيس الجمهورية، إلى فرنسا، التي حدد لها تاريخ نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر في وقت سابق، أكد عطاف أنها ستكون من بين الاستنتاجات التي تعكف عليها الحكومة.
وقال للصحفيين، «لا أفاجئكم بأن الخطوة الفرنسية لم تعطِ لنا ولم تسهم في تحقيق هذه الزيارة، لما يترتب عنها من خطورة، كونها تمس بأمن واستقرار المنطقة».
وأصر عطاف على التأكيد بأن الموقف الفرنسي الجديد، من القضية الصحراوية، «خطير بالنسبة للمنطقة» و»غريب من حيث التوقيت»، لأنه جاء في وقت يعرف تحركات لإحياء مسار السلام في الصحراء الغربية من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ومن طرف بعض الدول الأخرى التي هي بصدد البحث عن تحريك آليات التفاوض من أجل حل سلمي.

الجديد في الموقف الفرنسي

ورغم أن الموقف الفرنسي كان منحازا على مر التاريخ ومنذ اتفاقية مدريد لصالح المغرب من النزاع في الصحراء الغربية، إلا أنه يحمل جديدا هذه المرة «حيث ذهب أبعد وإلى درجة الاصطفاف التام مع المغرب»، بحسب رئيس الدبلوماسية الجزائرية.
وقال عطاف، «لم يكن لفرنسا، خلال 50 سنة، دور وسيط». والجديد فيما أقدمت عليه فرنسا، يتجسد في ثلاثة أمور خطيرة تُنَاقِضُ كُلها ما يدعيه هذا البلد من تأييد للجهود الدولية ومن دعم لدور مجلس الأمن ومن مساندة لمساعي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة.
وأفاد بأن فرنسا أقدمت على الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على إقليم الصحراء الغربية، وهي الخطوة التي يمكن وصفها بعبارة بسيطة تُلخص في مضمونها القيمة القانونية لهذا الاعتراف، ألا وهي: «هِبَةُ مَن لا يَمْلُكْ لمَن لا يَستَحق».
وأخطر ما في رسالة الرئيس الفرنسي إلى ملك المغرب، بحسب الوزير، هو أن باريس أصبحت تتبنى بشكل كلي الطرح المغربي المتعلق بقضية الصحراء الغربية، وتجعل منه أولويةً تتعهد بالدفاع عنها على الصعيدين الوطني والدولي. «وكأن الطرح المغربي حول الصحراء الغربية أصبح طرحا فرنسيا».

المخطط الوهمي

وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، قدم عديد العناصر التي تنسف الرواية الفرنسية وتبريراتها الواهية لمساندة المخطط الوهمي الذي قدمه الاحتلال المغربي، سنة 2007.
وقال، إن الخطوة الفرنسية التي تَدَّعِي أنها ترمي إلى إحياء المسار السياسي لتسوية النزاع في الصحراء الغربية، تُسهم، على النقيض من ذلك، في تكريس حالة الجمود التي تعاني منها العملية السياسية منذ ما يقرب العقدين من الزمن. «وهي حالة الجمود التي تسبب فيها بصفة مباشرة مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب». وأفاد عطاف بأن «هذا المقترح المغربي لم يهدف، ولو يوماً، لتقديم مساهمة في حلّ نزاع الصحراء الغربية. بل على العكس من ذلك تماماً، فإن مآربه كانت ولاتزال تنصب حول ثلاثة أهداف، هي القضاء على حق تقرير المصير المُخول دوليا للشعب الصحراوي من خلال إجهاض تنظيم استفتاء لهذا الغرض.
ووأد الحلول السياسية البديلة والحيلولة دون بروز أي مبادرة جادة وصادقة لحلّ هذا النزاع، غير تلك التي تريدها المملكة المغربية؛ أي شرعنة الأمر الواقع الاستعماري في الصحراء الغربية.
وكذا ربح المزيد من الوقت لتكريس الأمر الواقع الاستعماري وفرضه على المجتمع الدولي وحمله على التكيف معه والقبول به، «وهذا ما لا يزال المغرب يسعى من أجله بتضييع الفرص تلو الفرص وهاجِسُه الوحيد ربح الوقت والمزيد من الوقت»، يضيف المتحدث.
وبالنسبة للدبلوماسية الجزائرية، فإن الانحياز الفرنسي الفاضح والمطلق للمقترح المغربي «يمثل محاولةً لإعادة بعث هذا المشروع من الرماد وإعادة إحياء الأهداف المتوخاة منه، وهي الأهداف التي ترتبط تمام الارتباط بعرقلة جهود التسوية السياسية لقضية الصحراء الغربية وتثبيت الواقع الاستعماري المفروض على الشعب الصحراوي».
وما يؤكد أن مخطط الحكم الذاتي وهمي، ولا يمت إلى الواقع بصلة، بحسب عطاف، أنه ومنذ 17 سنة لم «تُخَصَّصَ له ولو ساعة، أو دقيقة، أو حتى ثانية، لمناقشته»، والمعنى هنا أنه لم يُعرض على طاولة المفاوضات طيلة كل هذه المدة الزمنية. «لأنه لم يؤخذ على محمل الجد والجدية كإطار لحل الصراع في الصحراء الغربية». وأضاف الوزير متسائلا، «كيف لهذا المقترح الذي يتم تقديمه اليوم على أنه الوصفة السحرية لحل قضية الصحراء الغربية، ألا يحظى باهتمام المبعوثين الأمميين الأربعة الذين تداولوا على هذا المنصب طيلة العقدين الماضيين؟». وزاد، «لماذا لم يُخصص هؤلاء المبعوثون، ولو فرصة واحدة، لاستعراض ومناقشة مضمون هذا المخطط، لا في إطار الأمم المتحدة ولا خارج هذا الإطار الأممي؟».
واستحضر أحمد عطاف، تعليقات عدد من المسؤولين الأمميين «الذين أَسَرُّوا لنا، في أكثر من مناسبة، أن مخطط الحكم الذاتي لا يمت للواقع ولا للجدية بصلة، ولا يرقى لأن يشكل أرضية توافقية للمفاوضات السياسية حول تسوية النزاع في الصحراء الغربية».

صفقة باطلة

بعد إسهابه في تشريح الملف، انتهى وزير الشؤون الخارجية إلى وصف التحول الفرنسي تجاه المغرب في قضية الصحراء الغربية، بـ «الصفقة التي تمت بين طرفين على حساب طرف ثالث وهو الشعب الصحراوي وصاحب القضية، له دَعْمُهُ وَدِرْعُهُ في الشرعية الدولية التي أقرت بمشروعية حقه وأنصفته خير إنصاف».
وقال عطاف، إن «الخطوة الفرنسية التي وَضَعَتْ نُصْبَ أهدافها تدشين صفحة جديدة في العلاقات الفرنسية- المغربية، لا تعدو أن تكون صَفْقَةً.. صفقةٌ لا تصح لا قانونياً، ولا سياسياً، ولا أخلاقياً».
وأدان الوزير هذه الصفقةٌ التي «يتبادل فيها الأقوياء المنافع وهم يضَحُّون، غير آبهين وغير مكترثين، بحق من لا قوة له إلا قوة القانون وقوة الشرعية الدولية».
وأوضح عطاف أن الفرنسيين أنفسهم يتكلمون عن صفقة مع المغرب، بحديثهم المتكرر عبر قنواتهم الإعلامية عن الاقتصاد وعن الاستثمار في هذا البلد الذي يحتل الصحراء الغربية.
وقال، «يستحيل أن أكشف كل شيء في الوقت الحالي، ولكن سيأتي يوم وتكون أشياء يفصح عنها، تؤكد بأن الصفقة كانت ضمن مقاربة صفقة مع المغرب ومع الجزائر، وبالوثائق».
وختم عطاف، بالتأكيد على أنّ القرار الفرنسي، وبالرغم مما يصبو إليه من مآرب تخدم الواقع الاستعماري في الصحراء الغربية، «يستحيل عليه أن يغير المعطيات القانونية الدولية لقضية الصحراء الغربية».
وأكد أنه «لا يمكن، بأي حال من الأحوال، للخطوة الفرنسية أن تغير الوجه القانوني والسياسي والأخلاقي للقضية الصحراوية بالعفوية والسهولة التي يتصورها من كان وراء بلورة وتفعيل هذه الخطوة».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024