نزل الدكتور عبد القادر دحدوح أمس الأول ضيفا على المكتبة الوطنية الحامة، ضمن فضاء «منتدى الكتاب»، حيث قدّم مداخلة تحت عنوان «سكة الأمير عبد القادر والسيادة الوطنية»، تتضمن تقديما لكتاب سكة الأمير عبد القادر الجزائري وبناء السيادة الوطنية الذي نُشر في إطار الذكرى 60 لاستقلال الجزائر من طرف وزارة الثقافة والفنون.
أشار الدكتور عبد القادر دحدوح، إلى أن الكتاب استكمال لدراسة كان قد نشرها سابقا في كتاب بعنوان «استحكامات الأمير عبدالقادر العسكرية (2008)، حيث تناول في هذا الأخير استراتيجية الأمير عبدالقادر العسكرية وتناول بشكل أخص القلاع والحصون التي شيّدها في كل من تاقدمت (بتيارت)، تازة (بتيسمسيلت)، بوغار(بالمدية)، سبدو (بتلمسان)، وقلعة سعيدة، وأثناء إعداد ذلك العمل - يقول دحدوح - «لفت انتباهي موضوع آخر تتوفر فيه المادة الأثرية وتقل المادة والمعرفة التاريخية حوله، ما يجعل الموضوع في غاية الأهمية. فبدأت أشتغل على الموضوع، حيث قمت بدراسة ميدانية للعينات المتحفية لسكة الأمير عبدالقادر المتواجدة بكل من: المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية بالجزائر العاصمة، المتحف الوطني أحمد زبانة بوهران، المتحف الوطني سيرتا بقسنطينة، متحف بلدية برج الأمير عبدالقادر بتيسمسيلت ومتحف المكتبة الوطنية بباريس.
ونشر دحدوح دراسة حول المجموعة المتحفية لسكة الأمير عبدالقادر بمتحف المكتبة الوطنية بباريس، وقد كان لهذه الدراسة وبحث آخر استكمالا للمقال الأول، صدى كبيرا لدى المختصين والباحثين بصفة خاصة والمثقفين والمهتمين بدراسة حياة الأمير عبدالقادر بصفة عامة، لما يتضمن البحث من نشر لقطع نقدية جديدة وتقديم قراءة ومعارف جديدة حول الموضوع، وكان شائعا في الدراسات السابقة للموضوع لكل من الباحث منير بوشناقي، والشيخ عبدالرحمن الجيلالي والأستاذ صالح بن قربة أن الأمير عبدالقادر ضرب سكته في قلعة «تاقدمت» التي اتخذها عاصمة بدءا من سنة 1836م، غير أن الأبحاث الأثرية والمجموعات المتحفية داخل الوطن وخارجه (متحف المكتبة الوطنية بباريس) أمدته بقطع نقدية ضربت بمدينة معسكر التي جاءت بصيغة: «أم عسكر»، ما يعني الأمير عبدالقادر ضرب سكته أولا في معسكر ثم نقل دار الضرب إلى تاقدمت.
كما تضمنت الدراسات - بحسب دحدوح - إضافات جديدة بخصوص أصناف نقود الأمير عبدالقادر وأوزانها وقيمة صرفها والنقوش الكتابية التي تضمّنتها، الأمر الذي يؤكد على أهمية الموضوع لتناوله بشكل أكثر تفصيل. ويقول «من هنا جاءت فكرة اختيارنا لموضوع سكة الأمير عبدالقادر ومواصلة البحث فيه بما يسمح نشره في كتاب»، مشيرا إلى أنه ركز فيه على استخلاص مختلف المعاني الرمزية من خلال مضامين الكتابات والنقوش التي تضمنتها السكة، ومدى ارتباطها بالاستراتيجية التي انتهجها الأمير في بناء دولته، اعتبارا بأن السكة هي شارة من شارات الملك، وبها استكمل الأمير عبدالقادر معالم الدولة الجزائرية الحديثة التي كان يشيد أساساتها، ويضع لبناتها الأولى.
وذكر دحدوح مجموعة من الاسئلة الملحة التي حاول الإجابة عنها، منها: ماهي الفترة التي سك فيها الأمير عبدالقادر عملته؟ ما هي الظروف التي تحكمت في سك العملة سواء في بداية ظهورها أو تاريخ التوقف عن السك؟ وما هي النصوص والكتابات والنقوش الزخرفية التي تضمنتها سكة الأمير عبد القادر؟ هل كانت تلك النصوص الكتابية أو النقوش الزخرفية جديدة؟ أم هي إعادة تسجيل لنصوص وكتابات وزخارف سبق وأن ظهرت على السكة العثمانية خاصة أو السكة الإسلامية مشرقا ومغربا بشكل أعم؟ أو بعبارة أخرى ما مدى تأثر سكة الأمير عبدالقادر بالسكة المعاصرة له أو التي سبقته، وما هو الشيء المميز في سكته عن غيرها من النقود والعملات؟
كما لفت الباحث إلى أنه اتبع في دراسته على المنهج التاريخي والوصفي التحليلي، حيث تمّ رصد مختلف النصوص التاريخية التي تطرّقت إلى سكة الأمير عبدالقادر، ثم التحري الميداني للمجموعات النقدية بالمتاحف الوطنية ومتحف المكتبة الوطنية بباريس، مع مقارنتها من جوانب مختلفة بما عاصرها من عملات ونقود، سواء من حيث الشكل أو النصوص الكتابية أو الزخارف والنقوش، أو قيمة صرفها، أو معدن وطريقة سكها، والتسميات التي عرفت بها.
قبل ذلك، كان الباحث قد قدم دراسة تاريخية حول حياة الأمير عبدالقادر من مولده إلى وفاته، مع التركيز أكثر على المحطات المرتبطة بفترة المقاومة وأهم الأحداث البارزة فيها، دون تفصيل ممل أو تقصير مخل، كما تطرّق إلى مختلف التنظيمات التي قامت عليها الدولة بما فيها التنظيمات الإدارية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية والصحية والهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية. وقد دعّم الدراسة بصور النقود وبعض الخرائط والأشكال التوضيحية حتى يسهل على القارئ فهم واستيعاب مادة الكتاب.