يبدو أن شهر العسل الذي ظلت فرنسا تمضيه في مستعمراتها السابقة بالساحل الإفريقي قد انقضى لتستيقظ بعد عشرات السنين من أحلامها الوردية على كابوس مفزع من مشاعر الاستياء و العداء، التي لم تعد شعوب هذه المنطقة تخشى من الجهر و القذف بها في وجه الوجود الفرنسي الذي لم يجلب لها غير الأوجاع و الأزمات.
لم تكن فرنسا تعتقد يوما بأنها ستتحوّل الى هدف للمحتجين الغاضبين في كل من مالي والنيجر و بوركينافاسو، و أن تسمع نداءات و صرخات تطالبها بالرحيل ، لكن الزمن تغير والساحل الافريقي قرّر ان يستعيد استقلاله و حريته التي رهنتها باريس كما رهنت قراره وثرواته وحوّلته إلى قطعة جغرافية تنام على ثروات لا تنضب بينما ينام شعبها جائعا.
المؤكد اليوم أن الزمن الفرنسي انقضى في الساحل، و مشاعر الغضب التي تبديها الشعوب السمراء في هذه المنطقة ليست ظرفية ولا سطحية، بل على العكس تماما،حيث نرى مشاعر العداء تجاه فرنسا تتمدّد وتتزايد، وقد انتقلت من القاعدة إلى القمّة، فلم يعد قادة الساحل الافريقي يخشون من وضع الخطوط الحمراء أمام باريس، ويطالبونها بالتحقيق في عمليات قتل ارتكبتها قوّاتها مثلما فعل رئيس النيجر محمد بازوم الذي أمر السلطات الفرنسية بفتح تحقيق في الاشتباكات التي وقعت نهاية شهر نوفمبر الماضي، عندما اعترض متظاهرون مرور قافلة تابعة لقوة «برخان» العسكرية، وتسببت في مقتل 3 مدنيين.
وكانت قافلة «برخان» قد غادرت العاصمة الإيفوارية أبيدجان، في طريقها إلى مدينة غاو بوسط مالي، وتمت محاصرة القافلة، وتعرضت للرشق بالحجارة في مدينة كايا بوسط بوركينا فاسو، قبل أن تستأنف رحلتها بعد أيام، ليقطع متظاهرون طريقها مجددا في مدينة تيرا بغرب النيجر.
وقد فتحت القوات الفرنسية النار على المحتجين ما خلّف قتلى وجرحى، وخلّف أيضا استياء كبيرا في أوساط الجماهير التي لم تعد تتردّد في اتّهام العسكريين الفرنسيين بدعم المجموعات الإرهابية أو على الأقل الإحجام عن مواجهتها، وتصرّ على مغادرتهم.
والغالب أن سبب قرار الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلغاء زيارته الى مالي والتي كانت مرتقبة الاثنين، ليس خشيته من الوباء كما قال ـ بل خوفا من المظاهرات المناوئة له والتي كانت في انتظاره، لكن إلى متى سيظل يهرب من هذا الواقع ومن حقيقة أن فرنسا لم يعد لها مكان في الساحل الافريقي.