تجاوز الأسـوأ برؤيـة إستراتيجيـة وبرمجة سليمــة
بعد سنتين من انطلاق البناء المؤسساتي، استطاعت الجزائر تجاوز الأسوأ بحنكة ورشادة سياسية جعلتها تتفطن لفخ «مرحلة انتقالية» أُريد لها أن تكون الورقة «الجوكر» لإدخال الدولة في متاهة سياسية تداعياتها قاضية، وبالرغم من طرحها كحل للخروج من أزمة صعبة إلا أنّ الدستور والهوية السياسية والتاريخية المتميزة والمتفردة للجزائر مكنتها من تفادي أجندات خارجية تبحث عن إعادة فكر استعماري بصورة جديدة ومستحدثة.
أجمع مختصون في اتصال مع «الشعب» على تفطّن القيادة السياسية إلى ما كان يحاك ضد الجزائر، من خلال استغلال الحراك لخدمة مخططات خارجية حاولت استغلال حالة اللااستقرار الداخلي والإقليمي من أجل ضرب الجزائر بـ «مرحلة انتقالية» اعتبرها مختصون أول خطوة لكسر دولة وشعبا، لذلك استطاعت الجزائر الخروج من نفق مظلم إلى فسحة أمل، ستكون السنوات المقبلة فارقة في إقلاع اقتصادي يمكنها من بلوغ مصاف الدول في طريق التقدم.
بن يحي: تجاوز الأسوأ
أكدت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتورة نبيلة بن يحي، تجاوز الجزائر منذ الانتخابات الرئاسية إلى اليوم مرحلة صعبة بسبب الظروف السياسية التي ميزت فترة الحراك الشعبي، حيث اعتبرتها مرحلة التحول الديمقراطي وإعادة بناء وهيكلة المؤسسات الرسمية، من خلال برمجة مختلف المواعيد الانتخابية، رئاسية، تشريعية ومحلية، في ظروف اقتصادية صعبة جدا تزامنت مع أزمة صحية استثنائية بسبب الجائحة العالمية كوفيد -19، وبالنظر أيضا إلى عملية تحول القوى التي يشهدها المجتمع الدولي.
وقالت إنّ الجزائر تعيش مرحلة تتغير فيها بنية النظام السياسي الدولي وهي ضمن هذا الهيكل العام والشامل كوجود إقليمي في منطقة شمال إفريقيا، بالإضافة إلى محيط إقليمي غير مستقر وغير آمن بالنسبة لها.
«حاولت الجزائر بكل الطرق السليمة ورشادة التفكير السياسي تفادي المرحلة الانتقالية»، لاسيما وأنّ كل الدول التي تبنت المقاربة الانتقالية كسوريا، ليبيا، لم تصل إلى نقطة استقرار بل بالعكس عرفت تجاوزات خطيرة جدا أمنيا، سياسيا واقتصاديا.
لذلك يمكن القول – حسبها- إنّ الجزائر تفادت بكل الطرق بالرغم من الخطط والأجندات الداخلية والتي في حقيقتها تمثل أجندات لقوى أجنبية محددة، تسعى إلى تحقيق عدم الاستقرار من خلال الدعوة عن طريق أطراف داخلية إلى تبني مرحلة انتقالية عبر ما أسمته في بعض الأحيان بالمجالس التأسيسية، لكنّ الجزائر استطاعت تجاوز الأزمة التي عاشتها بعيدا عن مرحلة انتقالية اعتبرتها بمثابة صدمة سياسية شاملة لكل عناصرها السياسية، الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية وكذا النفسية، فهي ليست مرحلة تؤسس لبناء ديمقراطي حقيقي، بل بالعكس هي تهديم آخر للعملية الديمقراطية والمؤسساتية للدولة.
وفي سياق ذي صلة، لاحظت الأستاذة أنّ الجزائر باستكمال بنائها الديمقراطي من خلال انتخابات هي جزء من كل لأنها ليست الفعل الديمقراطي الشامل والكامل لكنها جزء من العملية الانتخابية قد تجاوزت الأصعب، فقد حاولت الدولة بكل المعطيات القانونية من خلال السلطة المستقلة للانتخابات السياسية من خلال الأحزاب السياسية وفي كثير من الأحيان المجتمع المدني، أن تؤسس لنفسها جملة من المخرجات للوصول إلى الاستقرار بمفهومه الداخلي، بتقوية وتوعية الجبهة الداخلية بما يحيط بها من تحديات وتهديدات خاصة وأنّ الدولة قامت بإدراج جملة من الخطط الإستراتيجية في إطار الإنعاش الاقتصادي وإعادة إطلاق لمشاريع اقتصادية هي إستراتيجية في حدّ ذاتها.
وترى بن يحي أنّ المرحلة الحالية ونحن على أبواب العام الجديد، تقتضي الاستعداد للتحديات المقبلة هي صحية واقتصادية بالدرجة الأولى، فكلما كان الاستعداد له من خلال بنى مؤسساتية اقتصادية صناعية بالتحديد وزراعية بالتدقيق، سنؤسس لبناء ديمقراطي يكون متينا تتقوّى به الجبهة الداخلية بالقضاء على جملة من المشاكل من بينها خفض مستوى البطالة، رفع وتطوير وسائل الإنتاج.
مع الاهتمام بجودة التعليم من خلال رعايته واحتوائه باختيار النخبة اللائقة التي تؤسس لهذا المنهج الجديد، إلى جانب قطاع الصحة بإعادة هيكلته، فبعد العمل الانتخابي، تدخل الجزائر اليوم في مضامين هذا الحراك المجتمعي الذي يحمل جملة من العناصر اقتصادية، سياسية، أمنية، صحية، تعليمية، وإلى غير ذلك.
«المرحلة التي أسماها البعض حملة أجندات الفوضى في الجزائر بالانتقالية مكانها ليس في الجزائر»، هكذا عبرت الدكتورة عن مرحلة كانت مطروحة بقوة كخيار للخروج من الأزمة السياسية في 2019، لكن بفضل الرجال الساهرين على استقرارها، استطاعت تجاوز الأسوأ بعيدا عن هذا الطرح من خلال رؤية إستراتيجية هادفة ببرمجة سليمة.
رسكلة الفوضى
أوضحت بن يحي في سياق شرحها لفحوى المرحلة الانتقالية أنّها لا تؤسس لتعديل الدستور ولا لانتخابات رئاسية ولا تشريعية ولا محلية، بل هي رسكلة للفوضى وتثمين أجندات لمراحل انتقالية أخرى، حيث أكدت أنّ كل مرحلة انتقالية هي نقطة فرعية لمراحل انتقالية أخرى، ما يجعلها دائرة مفرغة يصعب الخروج منها.
وتساءلت في الوقت نفسه «كيف للدول الأوروبية الغربية أو الشرقية أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية أن تؤسس بناءها الديمقراطي بعيدا عن صيغة «مرحلة انتقالية»، بينما تروّج لها بقوّة في الدول الإفريقية وبعض الدول التي تبحث عن مكانتها الداخلية والإقليمية والدولية «.
وفي الوقت نفسه كشفت الأستاذة أنّ هذا الترويج يخدم أجندات خارجية تهدف إلى رجوع الظاهرة الاستعمارية بصور أخرى، قد تكون عبر مساعدات اقتصادية أو معاملات تجارية معيّنة، لذلك أكدت الجزائر مرة أخرى بمرورها الآمن في تأسيسها الديمقراطي خلال السنتين الماضيتين أنها دولة ذات سيادة وعضو مهم في هيئة الأمم المتحدة تحترم ميثاق الهيئة بالتزامها القانون الدولي.
وأضافت المتحدثة أنّ الجزائر لم تقع في فخ المرحلة الانتقالية التي اعتبرتها جزءا من أجندات صناعة الفوضى في الدول، حيث انتقلت مباشرة إلى جوهر البناء الديمقراطي وهو الانتخابات بأقسامها الثلاثة رئاسية، تشريعية، ومحلية، واكتملت هذه الجزئية في جوّ ديمقراطي نسبي.
فيما أشارت إلى كلمة رئيس الجمهورية في قوله إنّ الإجماع لم يعد في القرن 21 عاملا لضبط المسار السياسي، بل أصبحت النسبية من تؤسس للعمل والجهد الديمقراطي والجزائر وصلت إليه عن طريق انتخابات محترمة برشادة للحفاظ على الاستقرار والأمن الداخلي، بالرغم من المحيط الإقليمي الذي يشهد مناورات أمنية وسياسية لتطويق الجزائر على الجبهة الإقليمية.
فالجزائر ثابتة تتحرك بكل رزانة والجميع يعرف هويتها السياسية والتاريخية المميّزة والمتفردة، مؤكدة أنها ستقطف ثمارها على الأمد القصير بالوصول إلى تأسيس محيط مستقر، من خلال فعل العملية المؤسساتية للانتعاش الاقتصادي ورسكلة المؤسسات الصناعية والزراعية ومؤسسات أخرى حتى يكون لها صوت وعمل دائم على الجبهة الإقليمية والدولية.
بن عقون: دولة قويّة بمؤسساتها
من جانبه، في تقييمه لما عاشته الجزائر خلال السنتين الماضيتين، قال أستاذ العلوم السياسية عيسى بن عقون إنّ الجزائر أثبتت مرة أخرى أنّها دولة كبيرة وقويّة بمؤسساتها، فبعد إسقاط العهدة الخامسة كمطلب أساسي وجامع لكل الجزائريين، وجد الشارع نفسه بعد استقالة الرئيس السابق وتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المفروض إجراؤها في أفريل 2019، أمام مطالب جديدة كانت شبه تعجيزية، لأنّ الحراك تبنى أفكارا متعددة ومتضاربة كان من المفروض طرحها كخيار في ظروف أخرى.
ولاحظ بن عقون أنّ المدنيين كانوا دائما هم من يحكمون زمام الأمور، فلم نسمع يوما عن رئيس بلدية عسكري أو رئيس دائرة أو ولاية، أو وزير عسكري أو مسير عسكري في مختلف مؤسسات الدولة الاستراتيجية، وقد حدّد دستور 2020 وظيفة الجيش أو المهام الموكلة إليه حيث أعطاه بعض الصلاحيات للتدخل في حالات استثنائية عندما يكون البلد في خطر للحفاظ عل السيادة الوطنية أمام خطر محدق، أما دون ذلك هو باق في الثكنات.
وأفاد «الحراك بعد إسقاط العهدة الخامسة وبعد أن كان قويا رفع الكثير من المطالب وظهرت تيارات متعددة فيه، ولو تبنينا ذلك الطرح لدخلنا في دوامة، فعندما يستهدف الجيش معناه استهداف الجزائر.
واعتبر المتحدث أنّ الحنكة السياسية للقيادة، استطاعت تجاوز مراحل صعبة واستطاعوا المرور بالجزائر إلى برّ الأمان بعيدا عن خيار المرحلة الانتقالية نحو الاستقرار المؤسساتي.
وفي الوقت نفسه، أكد بن عقون أنّ رئيس الجمهورية عندما اتخذ قرار تقليص عهدة البرلمان والجماعات المحلية بعام واحد هي بصمة سياسية مميزة للمناخ السياسي الذي تعيشه الجزائر، كان باستطاعته انتظار الآجال المحددة لانتهاء العهدة البرلمانية لكنه فضل إحداث طفرة سياسية بإعطاء الفرصة لإطارات جزائرية شبابا كانوا أو من أصحاب التجربة.
وما حدث بإعطاء قانون الانتخابات الأولوية للقائمة الإسمية المفتوحة أدخل إلى البرلمان الكثير من الأشخاص «الجدد» فأغلبهم بعيدون عن المال الفاسد، فكانوا بصمة الأوساط الشعبية التي اختارتهم وانتخبتهم داخل البرلمان، ونفس الشيء بالنسبة للمحليات.
وقد تمّت الانتخابات الرئاسية وواصلت الجزائر سيرها في البناء المؤسساتي بخطى ثابتة، وما على القيادة السياسية إلا السير قدما في التنمية، ملحّا على ضرورة تركيز الجهود من أجل إقلاع إقتصادي وتجاري وصناعي وكل ما له علاقة بالتنمية الاقتصادية والسياسية، لضمان موارد مالية بجانب المحروقات التي كانت المورد الوحيد للخزينة العمومية.
الخروج من النفق
واعتبر بن عقون أنّ الجزائر استطاعت الخروج من نفق مظلم وفشلت كل القوى الدولية التي كانت تحاول التدخل بطريقة مباشرة وغير مباشرة في العملية السياسية في الدولة، واصفا تدخلاتها بـ «ذات مصالح، غامضة وغير بريئة»، حيث كان من المفروض إحداث الفوضى داخلها، لكنها استطاعت منع حدوثها، مؤكدا أنّ تضافر جهود الجميع كلٌ في مكانه بإقلاع اقتصادي واجتماعي والسياسي سيسمح خلال خمس أو عشر سنوات وصول الجزائر إلى مصاف دولة في طريق التقدم بعدما كانت من بين الدول النامية.
وفي ذات السياق، قال أنها وبالرغم من وباء عالمي كان سببا كبيرا في الركود وضعف المداخيل الذي عرفته الجزائر وباقي دول العالم بما فيها القوى الكبرى لأن الحفاظ على حياة وصحة المواطنين أصبحت أولوية، لكنها في المقابل وفي الجانب السياسي استطاعت المُضيّ بصفة متواترة ومتسلسلة لإنجاح مختلف المواعيد الانتخابية، لذلك سنتمكن من الخروج من عنق الزجاجة إلى فسحة الأمل وبعد مدة نستطيع تسجيل الكثير من النجاحات في الكثير من القطاعات.