العرب أولئك المنبوذون في الغرب: رحلة في قلب اللاتسامح

د: شمس الدين شيتور
11 مارس 2014

هو شرّ ينشر الذّعر، الأجنبي الدّاكن البشرة عرَبي بالتأكيد، لأنه يجب أن نناديه بإسمه، إنه يعمل على تلويث فرنسا البيضاء والنّاعمة.
العبارة المأخوذة من قصيدة لافونتان “الحيوانات المصابة بالطاعون”، جاءت لتجلب الإنتباه إلى الظروف الحزينة للعرب في الغرب وحالتهم في هذه الدراسة بفرنسا تحديداً.
سنشرح في السطور الآتية أن العرب هم شعب كسائر الشعوب لا أكثر ولا أقلّ، بفضل الإسلام إستطاع هذا الشعب إثراء الموروث العالمي للإنسانية، بواسطة اللغة العربية، مرحلة حضارية رائعة إنتهت سنة ١٤٩٢ بسقوط غرناطة.
في مرحلة ثانية، سنقدم الإتهامات في حقّه ونبيّن أنه لا يقوم على أسس مبررة، لكن هو موضوع حملات يشارك فيها وسائل من خلال تضخيم حجم المؤجّجين، وأشباه المثقفين الذي يملون على المواطنين الطريقة التي يجب أن يفكروا بها وما يجب عليهم نسيانه.


من هم العرب؟

يُقال أنّ العرب شعب سامي قديم موطنهم الأصلي هي ما يعرف بالسعودية اليوم، دون أن أحاول الإشادة بهذا الشعب الصحراوي، يكفينا أن نعود إلى فترة ما قبل الإسلام، إحدى محطات هذا الشعب الأبيّ. الكثير منّا خلال شبابه رقص نبضه على إيقاع القصائد وأشياء أخرى المعلّقات والخطب العصماء التي شهدها “عُكاظ”. يرُوى أنّ السّمَوأَل من كتّاب العصر الجاهلي، وكاتب “المية السموأل” لم يفش سراً لعنترة ابن شدّاد معرّضا ابنه لخطر الموت، ومن هذه الحادثة جاءت العبارة الشهيرة: “أوفى من سموأل”، والتي استمرت عبر العصور.
إذا أخذنا في الحسبان الميادين الواسعة التي تطرّق إليها العرب في تجاربهم العلمية، أفكارهم وكتاباتهم، نلاحظ أن العلوم والفلسفة الأوروبية ما كانت لتتطوّر دون العرب، فالعرب لم يكتفوا بنقل الفكر الإغريقي، ولكنّهم واصلوا وطوّروا، فقد أعطوا نفَساً جديدا للمعرفة، لغة تتطوّر وتفرض نفسها كوسيلة للتواصل الدولي، حكومة مركزية قويّة، دين يشجّع المعرفة، وجاء في القرآن أنّ حبر العلماء أغلى من دماء الشهداء، العالم الغربي أبدى تحفّظا، بل عداءاً اتجاه هذه المعارف الأجنبية، قبل أن يستحوذ بدوره عليها ويعمل على إثرائها.
يتعلّق الأمر باللّغة، العالم اللامع جاك بارك يشرح ذلك في “العرب ونحن”، وظيفة اللّغة عند العرب تختلف وأهمّ مقارنة بوظيفتها عند الغربيين: يعطي مثالا على ذلك: هكذا، بالعربية، الكلمات تعود كلّها عند الكتابة إلى الأصل: ك.ت.ب: مكتوب، مكتب، مكتبة، كاتب، كتاب. باللغة الفرنسية نفس هذه الكلمات تختلف تماما عن الأصل. فالكلمات الفرنسية إعتباطية، ولكن الكلمات العربية “تلتحم ضمن منطق شفّاف، بجذر يكون وحده إعتباطيا” في أن اللّغات الأوروبية تصلّب العبارة وتجمدها، على نحو يتعلّق بموضوع محدّد بالشيء، الكلمة العربية مشبثة بأصولها، تستخرج المادة من أصولها النبيلة”.(١).
كيف هو حال ورثة دار الحكمة، القصائد، معلّقات النابغة الذُبياني وعنترة ابن شدّاد وآخرين كُثر؟ الدول العربية اليوم في الحضيض، تجد صعوبة في القضاء على الجهل “الأميّة تمس ٤٠٪ من الأشخاص أكبر من ١٥ سنة”، أي يعني ٦٠ مليون بالغ، حسب تقرير لمنظمة اليونسكو ـ نشر يوم ٠٧ جانفي ٢٠٠٩ ـ هل يجب أن تهان الشعوب بهذه الطريقة ولا أحد يتعرّض إلى حكامها؟ لكن هذه قصة أخرى.

تجارة جديدة: كُتّاب بأطروحات عنصرية

لا يجب أن نصدّق أن الذين “أعلنوا أنفسهم مفكرين” آلان فينكيلكروت ليفي، وآخرين باسكال بروكنر وحدهم من يتحامل على العرب باتهامهم بأنّهم مصدر كل الأوجاع والآفات. هناك “كفاءات” حقد جديدة تنمو في مخلفات التاريخ إستقرت في الغرب وتطور تجارة فعلية.
نولوين لوبلفوفيناك ـ يضيف في هذا الخصوص ـ كتاب لوران أوبرتون “فرنسا أورانج ميكانيك” والموضوع الذي يحاول تسويقه هذا الكتاب “إنحراف أمة” وصفة محمّلة بخلفيات الكاتب وعالم الإجرام غزافيي روفر الذي كتب تقديم الكتاب (…) وهي وصفة أصبحت الشعار الراهن لمارين لوبان، التي قامت بإشهار شرس للكتاب (…) “عباراته الإنتقائية بالجملة: المهاجر الذي يقود حضارتنا إلى الخسارة، الزنوج الذين لديهم ذكاء محدود”، المثليين الذين “يتصرفون هم كذلك كالحيوانات”، السكنات الإجتماعية و«غزو الحشرات التي ترافق ذلك”، بالإضافة إلى المساواة بين الرجل والمرأة”(٥).
«فرنسا أورانج ميكانيك” يواصل نولوين لوبلوفيناك، كتاب بأطروحة أين تأتي الإحصائيات لتلقي الضوء على الخطاب الذي يدعو إلى التفكير في خطاب الصحفي إيريك زمور أو مارين لوبان.
إجمالا فرنسا، مصابة بورم العنف الأقصى. وإذا استطاع القتلة ببرودة دم أو بدم حامٍ على طريقة (برتراند كونتا) أن يكونوا بيضا، فإن الذين يمارسون أقصى درجات العنف، سيكونون في الغالب شباب أجانب (…) من بين أولئك الرجال من أصول أجنبية “بعض الثقافات”. وبما أن زمور يعتمد على أعمال هيغس لاغرانج “لا أعتقد أنه يمكننا تفسير كل شيء عن طريق أسباب إجتماعية. الإثنية لا يمكن تجاهلها، لست متأكدا أن مجتمعنا سيتلاءم مع كل الثقافات.”(٥)

تفتيش على الملامح: التقليل من شأن الأجانب

حقيقة، وفيما يخص الإحصائيات من الشارع ٨٩، جاء في تحقيق حول العنوان وعمليات التفتيش على ملامح الوجه، كتبت تسلوي لوبرانس “باحثان من المركز الوطني للبحوث الإجتماعية نشرا تحقيقا إحصائيا أطلق صافرة إنذار حول التفتيش على الملامح: العربي يتم تفتيشه من سبع إلى ثماني مرات أكثر من الأبيض من قبل الشرطة الفرنسية، وبالنسبة للزنوج ست مرات أكثر، هذه الأرقام التي نشرت في ٣٠ جوان ٢٠٠٩، تبيّن ذلك بوضوح.
لكنها تتضاعف من خلال رهان آخر، وهي عدم فعالية هذه التقاليد البوليسية، أين أبدت محافظة باريس “إهتمامها” بالتحقيق، نعلم أن التفتيش على الملامح لا يجسّد التمييز فقط بالإضافة إلى أنه غير مجدي.(…) هذه الدراسة ذات البعد الأوروبي تبيّن أن أغلبية الدول الأوروبية، فرض نفسه، والشأن كذلك في بريطانيا، فالبريطانيون من أصول آسياوية تم تفتيشهم خمس مرات أكثر، إعتبارا من الإعتداء على “مترو” لندن صيف ٢٠٠٥، أين نفس الكتّاب الذين حسموا موقفهم من قبل، كتبوا “ليس هناك دليل على أن الترتيب الإثني يمكننا من التنبّؤ بالأعمال الإجرامية أو الإرهابية”.(٦)
نعلم كذلك أن “تعليمات أُعطيت شفهيا، تتعلّق بالتفتيش على لون البشرة أو المظاهر الإثنية “إذا كنت في .. وكان عليك إنجاز شِفْرة، من الأقرب في الشبه إلى أفغاني أو عراقي إلا عراقي أو أفغاني؟”.
نشاهد ذلك العرب والأشخاص ذوي البشرة الملوّنة يجدون صعوبة في إندماج مطمئن وهادئ والذي لا يقوم إلا على العيش جنبا إلى جنب، وهذا ليس سهلا مع المؤججين الذين يعتبرون أن الإندماج الهادئ الذي يتم في ظل قوانين الجمهورية خطر قاتل على سجلهم التجاري القائم على التقسيم واللاتسامح، وهكذا شأن العالم.

رحلة في قلب اللاتسامح

سنرى فيما سيأتي أن اللاتسامح تجاه العرب ليست حالة مقتصرة على هذا البلد أو ذاك، بدرجات متفاوتة الرفض المطلق للعرب وبصفة أعمّ للإسلام، هو الحقد المشترك في الغرب.
هناك خلط تام بين مشاكل الضواحي، وهي في مجملها مشاكل ذات صبغة إجتماعية مع البطالة التي تمسّ أكثر بثلاث مرات المغربيين في الضواحي، مقارنة بالفرنسيين الأصليين، وهذا لا يتم شرحه، لأن التبريرات المقدّمة هي معاداة السامية، وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من طرف “الملكيين أكثر من الملك”.
بالضبط ومن أجل الحديث عن الكونية في الحقد على العرب، كاتب إنجليزي يعتقد أن فرنسا في حرب ضدّ “عربها” لولوين لوبلوفيناك حاور أندرو هيساي، نستمع إليه: “الإنتفاضة الفرنسية” بدأت هذا الخميس. كتاب رحلة ـ تحقيق يعرض علينا شرح “الحرب بين فرنسا وعربها”.(…) غلاف الكتاب، في المقدمة: برج إيفيل، يتوسط بابي مسجد ذهبيتي اللون وموضوع وسط ألسنة لهب حمراء في الخلف، وفي العمق اللون الأخضر الذي يرمز للقرآن، وعلى الطريقة تعبّر أكثر: يد رجل تمسك كلاشنيكوف بخلفية زرقاء فاتحة”(٢).
«العبارات الصادرة في “الغارديان”، نهاية شهر فيفري، لم تكن مطمئنة على الإطلاق، حيث أعطت صورة عن العاصمة الفرنسية محاصرة من قبل العرب. هذا الأول الذي يصف مظاهرات التي شهدتها محطة الشمال ربيع ٢٠٠٧. إنها بداية الكتاب: “كتب إنها البلد الذي يضمّ أكبر عدد من المسلمين في أوروبا. ومحطة الشمال هي نقطة إلتقاء وتوتّر (…) متظاهري محطة الشمال أو الضواحي يصفون أنفسهم عادة أنهم جنود “حرب إستنزاف” ضد فرنسا وأوربا” أسلوب يشبه أسلوب كاتب اليمين المتطرّف لوران أوبرتون (قلم جميل وقيامة)”(٢)
«كتب لولوين لوبلوفيناك في إقتباس لما ورد على لسان الكاتب، ما رأيته في فرنسا لا يمكن إدراجه في خانة الصّراع الطبقي، تساءلت عن مصدر غضب الشباب العرب، التوترات ليست فقط سياسية ـ دينية ـ عرقية، هناك شيء له علاقة بالتحليل النفسي”. نظريته: الإستعمار الفرنسي لشمال إفريقيا ترك آثارا ورغبة في الإنتقام، الإغتراب المعيشي في الضواحي هو سبب آخر لغضب العرب، هناك حرب قائمة لا أحد يريد أن يراها”(٢)
«من الجزء الأول [من قراءة الكتاب]، تتضح الرؤية أكثر، توجّه آلان فينكيلكراوت وإليزابييث ليفي، الجزء الأول: الشاب العربي حقود ومعادي للسامية، الكاتب يعود إلى مقتل ايان حليمي “الكثير من الجيران سمعوا صراخ المعاناة وقهقهات الجلاّدين، ولكنهم لم يفعلوا شيئا”، كتب ذلك، وكأنهم يستطيعون الوصول إلى ملفات الشرطة، ثم ينتقل إلى قضية محمد مراح، في الأيام التالية، (…) كان هذا الرجل، في بارباس، والتي لم تصب بصدمة جرّاء ما اقترفه مراح، وبالموازاة مع تعليقات هذا الشيخ اليهودي “واحد من القلة التي لم تفر بعد من بارباس”: “هذا الرجل ذلك المسلم نازي بكل بساطة”.(٢).
«تلي ذلك عدة فصول تاريخية مهمة: أندرو هيساي ذكّر بتاريخ فرنسا مع الجزائر، المغرب، تونس، يصف فيها الآثار التي خلّفها المسار الإستعماري وإزالة الإستعمار. في الأخير الجزء الأخير من الكتاب يدور حول سجن فراسناس، حارس سجن يروي: “يمكننا التحدّث إلى الباسكيين والكورسيكيين، مع المسلمين، الأمر مختلف تماما، وكأنهم يشكلون جيشا سريّا، يعمل ضدّك. لا يمكنك أن تعرف بماذا يفكرون، ولكنك تعلم أنهم يكرهونك”.(٢).
في الغارديان كان أكثر وضوحا، أين كتب آندرو هيساي: الحكاية المريرة لعلاقة فرنسا مع مستعمراتها السابقة، تجري وقائعها في العاصمة الفرنسية، رُويت بوضوح في الغارديان، هناك صراع حقيقي في فرنسا المعاصرة بين المبادئ المتناقضة لللائكية والمجتمعية يظهر من خلال المواجهات، مصطلح لائكية يصعب ترجمته، ولكن ببساطة هذا يعني أن القانون الفرنسي، يمنع التمييز بين الأفراد من منطلق ديني(…) مرة أخرى النموذج الإنجليزي ـ الأمريكي جبان أين “الإختلاف”. إذا تعلق الأمر بالجنس، الدّين أو الإعاقة.. فهو مقبول بل مرحّب به، هذا لا ينطبق على فرنسا، أين “الإختلاف” يعتبر شكلا من الطائفية وتهديد للجمهورية، المشكل الأكثر خطورة بالنسبة للأجيال الأخيرة من المهاجرين في فرنسا، هي أن كونية القيم الجمهورية المعلنة، وعلى وجه الخصوص اللائكية، يمكنها وبسرعة أن تجمع “المهمة التحضّرية” للإستعمار، وبتعبير آخر، إذا أراد المسلمون أن يصبحوا “فرنسيين”، يجب عليهم التعلم أن يكونوا مواطني الجمهورية أولا ومسلمين ثانيا، وبالنسبة للكثير هذا مستحيل، من خلال قلق مصدره معرفة هل المسلمون في فرنسا هم مسلمو فرنسا أو مسلمون في فرنسا”.(٣)

مُهدّمو “العيش معا ضدّ الأجانب”

في فرنسا نعرف ذلك، أولئك الذين يمحون فكر مواطن ما معروفون، لا يمكننا وعلى سبيل المثال، عدم ذكر واحد من المحرّضين على غرار إيرك زمور والذي لم يلتحق والديه إلاّ متأخرين بفرنسا الذي يتحدث عن خيبة أمل فرنسا”، أين يقول أن مأساة فرنسا مصدرها التنوّع، الناجم عن غزو أولئك الذين لديهم لون آخر للبشرة سواء كانوا عربا أو زنوجا.
فلنستمع إلى وصف شلوي لوبرانس حول الإنحراف الذي لا يمكن فصله عن الإثنية: “نعم كما يؤكد إيريك زمور وجون بيار شوفنمان، الزنوج والمغاربة حاضرون بشدة في الإحصائيات المتعلّقة بالإنحراف. وتناسوا القول أنّ هذه الظاهرة ناتجة أساسا عن عوامل إجتماعية وعن التمييز العنصري(…)، يمكن إعتبار عبارات إيريك زمور عنصرية من حيث كونها تتطرق إلى الإستعدادات الفطرية (مامادو تاجر مخدرات لأن مامادو إسمه مامادو). في هذه الانتقادات اللاذعة، إيريك زمور لا يتحدث عن تجريم حقيقي بعد تحقّق، ولكن عن “تجار مخدّرات”. وهذا رغم أن الإحصائيات المتعلقة بالفرنسيين مثقلة للغاية، يشير إلى أن العرب والزنوج ممثلين بقوّة” (يُفهم: نسبتهم أكبر في التعداد العام للشعب). علماء الإجتماع المتخصصين في الإنحراف يأخذون بعين الإعتبار عامل المستوى المعيشي أكثر من العامل الإثني لتفسير الإختلافات في التصرّف العدواني: بالنسبة لأولئك ليس سبقا أن يكون الانحراف أكثر في صفوف الشباب العرب والزنوج، لأن ذلك نتاج ظاهرة سوسيو ـ إقتصادية”(٤).

ترجمة: أمين بلعمري

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024