طباعة هذه الصفحة

خطوات عملية لضمان استدامة الغطاء الغابي وتعزيز وظائفه

إجـراءات عمليـة لحمايــة بهـاء وهران

وهران.. براهمية مسعودة

الحفـاظ علـى التـوازن البيئــي وتعزيـــز التنميــة المحليــة

 تُشكّل الغابات واحدة من أثمن الكنوز الطبيعية التي تزخر بها الجزائر، فهي ليست مجرد رئة خضراء للبيئة، بل تُعدّ أيضا ركيزة استراتيجية تدعم مسار التنمية المستدامة. وفي زمن تتسارع فيه التغيرات المناخية وتتعاظم التحديات البيئية، تزداد قيمة هذه الثروة مضاعفة باعتبارها حصناً طبيعياً وحليفاً أساسياً لمستقبل أكثر توازناً واستدامة.

تحضّر ولاية وهران لتحيين مخطط التهيئة الغابية نحو إدارة أكثر استدامة للمساحات الغابية، حيث تُعد مثالا بارزاً للموضوع، إذ تضم مساحة غابية تُقدّر بنحو 45 ألف هكتار، منها أكثر من 41 ألف هكتار تندرج ضمن الأملاك العمومية، ما يعكس الأهمية الحيوية لهذه المناطق في الحفاظ على التوازن البيئي وتعزيز التنمية المحلية.
وتغطي الغابات الساحلية نحو 30% من إجمالي المساحة، وتمتاز بسهولة الوصول إليها بفضل شبكة الطرق الولائية التي تخترقها، في حين تتوزّع المساحات المتبقية بين الغابات الجبلية والقارية، التي تزخر بمؤهلات طبيعية تجعل منها وجهات واعدة للسياحة البيئية.
في هذا الخصوص، أكد رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات لولاية وهران، عبد الوهاب أوجيت، أن «الغابات المحلية تواجه تحديات هيكلية، أههما مخطط التهيئة الغابية، الذي يُعد الركيزة الأساسية لكل التدخلات المستقبلية.»
وأضاف أوجيت في تصريح لـ»الشعب» أن «محافظة الغابات لولاية وهران تحضر لتحديث مخطط التهيئة الغابية، في إطار رؤية شاملة ومتكاملة، ترمي إلى ضمان استدامة الغطاء الغابي وتعزيز وظائفه المتعددة في المنطقة، سواء البيئية أو الاقتصادية أوالاجتماعية.»
وشدّد على ضرورة أن «تمتلك كل محافظة غابات في الوطن مخططًا طويل الأمد للتهيئة، باعتباره أداة أساسية لتنظيم واستغلال هذا المورد الطبيعي الاستراتيجي، الذي أصبح في حاجة ماسّة إلى حماية عاجلة ورؤية مستقبلية تُبنى على أسس علمية ومنهجية، تضمن الحفاظ عليه وتطويره.»
واعتبر أن «مخطط التهيئة الغابية لا يقتصر على وثيقة واحدة، بل يتضمن مجموعة من المخططات الفرعية تُعرف باسم مخططات التسيير (PGS)، والتي تُحدد الأهداف المرحلية، مما يجعلها أدوات عملية وفعالة في تسيير وإدارة الغابات.»
كما أشار إلى أن «هذه المخططات تشمل تدخلات متعددة تمس مختلف مكونات قطاع الغابات، مثل حماية الغطاء النباتي من الآفات والحرائق، ومكافحة انجراف الأحواض، إلى جانب مخططات خاصة بحماية وتهيئة المناطق الرطبة، وهو ما يستدعي تنسيقا مشتركا مع قطاعات أخرى لضمان تكامل الجهود وفعالية التنفيذ.»

رقمنة الأشغال الوقائية

في سياق الجهود الوطنية لتعزيز حماية الغطاء النباتي والحد من المخاطر البيئية خلال موسم الحرائق، أعلن رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات لولاية وهران، عبد الوهاب أوجيت، عن تصور استراتيجي محوري يرتكز على إدماج التكنولوجيا في الإجراءات الوقائية.
وأوضح أن «هذا التصور يتمثل في تطوير منصة رقمية موحدة تُدار من قبل إدارة الغابات، وتُتاح لمختلف الهيئات والقطاعات ذات الصلة، بما يتماشى مع أحكام المرسوم التنفيذي المنظم للتنسيق بين الجهات المعنية.»
وتابع قائلا: «كل قطاع سيكون مطالبًا بامتلاك حساب خاص على هذه المنصة، يُدرج فيه قاعدة بيانات جغرافية دقيقة تُحدد من خلالها مناطق التدخل، وتُوثّق فيها مختلف الأنشطة المنجزة، مما يسهم في تعزيز عمليات المتابعة والتقييم، ويرفع من فعالية التدخلات الميدانية.»
وأضاف أن «هذا المقترح يُعد خطوة متقدمة في مسار التحول الرقمي لإدارة الغابات، ويُسهم في رفع مستوى الجاهزية الوطنية لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة، خاصة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة التي باتت تُشكل تهديدا مباشرا للمنظومات البيئية.»
وفي السياق ذاته، أكد المسؤول أن «الدولة تمتلك منظومة قانونية متكاملة قادرة على مواجهة مختلف التحديات البيئية، غير أن فعاليتها تظل مرهونة بصرامة التطبيق والتنسيق الفعّال بين الجهات المعنية.»
ولفت أيضا إلى أن «صدور القانون الجديد في عام 2023 مثّل منعطفا مهما، إذ جاء محمّلا برؤى إصلاحية وتوجهات حديثة تهدف إلى تحديث آليات إدارة الغابات وتعزيز منظومة الحماية البيئية.»
ورغم أهمية هذا القانون، أوضح أن «معظم المراسيم التطبيقية المرتبطة به لم تُفعّل بعد، مما يُعيق ترجمة النصوص القانونية إلى إجراءات عملية ملموسة على أرض الواقع.»
وشدد على أن «تفعيل هذه المراسيم يشكل أولوية قصوى لضمان حماية فعالة للثروة الغابية، خاصة وأن الإطار التشريعي المنظم لهذا القطاع لم يشهد أي تعديل منذ عام 1984، وظل جامدا أمام التحولات البيئية المتسارعة والتحديات الميدانية المتزايدة.»
كما نبّه إلى «ضرورة تعزيز الانضباط المؤسسي والتكامل بين الأجهزة المختصة، لا سيما في ما يتعلق بالإجراءات الوقائية التي تسبق موسم الحرارة، لضمان حماية مستدامة وفعالة للغابات من الحرائق والكوارث البيئية.»

انخفــاض كبـير في الحرائـق

تواصل إدارة الغابات بثاني أكبر مدن الجزائر، وهران، أداء مهامها الحيوية بكل إخلاص ومسؤولية، رغم التحديات الجسيمة التي تواجهها، سواء من حيث محدودية الموارد البشرية أو نقص الإمكانيات المادية، وذلك بالتعاون الوثيق مع الشريك الأساسي، جهاز الحماية المدنية، الذي يتمتع بقدرات بشرية ومادية معتبرة.
وأظهرت إحصائيات المحافظة للفترة الممتدة بين 2020 و2024 تسجيل 64 حريقا، أسفرت عن تضرر 505.50 هكتارات من الغطاء النباتي، منها 137.27 هكتار من الغابات، و258.65 هكتار من الأدغال، بالإضافة إلى 109.60 هكتارات من الأحراش.
وقد كانت سنة 2020 الأكثر تضررا من حيث عدد ومساحة الحرائق، حيث شهدت تسجيل 27 حريقا التهمت ما مجموعه 478.93 هكتار، منها 136.9 هكتار من الغابات، و104.2 هكتارات من الأحراش، وهو ما يعكس شدة الحرائق خلال تلك السنة مقارنة بالسنوات اللاحقة.
ابتداءً من سنة 2021، سجلت ولاية وهران تراجعا ملحوظا في عدد ومساحة الحرائق، ليبلغ أدنى مستوى له منذ الاستقلال في سنة 2024؛ حيث لم تتعدَّ المساحة المحروقة 0.2214 هكتار، اقتصرت كلها على الأحراش، وهو ما يُعدّ مؤشرا إيجابيا على فعالية الإجراءات الوقائية المعتمدة.
وبخصوص موسم مكافحة الحرائق لسنة 2025، سجلت الحصيلة خلال الفترة الممتدة من 1 ماي إلى 19 أوت ست (06) تدخلات محدودة، تعلّقت بحرائق بسيطة، لم تتجاوز المساحة الإجمالية المتضررة فيها 1030 مترا مربعا، توزعت بين 730 مترا مربعا من الأحراش و300 متر مربع من الأدغال.
أما قبل انطلاق الحملة الرسمية لمكافحة الحرائق، فقد تم تسجيل حريقين: الأول بمنطقة مولاي عبد القادر ببلدية وهران بتاريخ 13 ماي، وأتى على مساحة 800 متر مربع من الأحراش، والثاني بمنطقة رأس الأندلس ببلدية العنصر، ويُعدّ الأكبر من حيث الخسائر، إذ التهم 35 هكتارا، منها 10 هكتارات من الغابات، والباقي من الأحراش والأدغال.
ويُعزى هذا التراجع بشكل رئيسي إلى التحضيرات المكثفة التي شملت الجوانب الإدارية، اللوجستية، والعملياتية، والتي نُفذت بطريقة استباقية ومنسقة، وفقا لما أكده رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات لولاية وهران.
وأوضح أيضا أن «الاستعدادات الإدارية واللوجيستية تضمنت إصدار قرارات ولائية محورية، أبرزها إطلاق حملة مكافحة الحرائق، تنظيم فرق الحراسة داخل الأجمة الغابية، وحظر الشواء، التخييم، وركن المركبات داخل المساحات الغابية، إلى جانب إجراءات تنسيقية مع مختلف الإدارات المعنية لضمان جاهزية شاملة لإنجاح الحملة الوقائية.»

خطة شاملة لصيانة الشبكة الكهربائية

وسلّط الضوء على مساهمة الشركة الوطنية للكهرباء والغاز (سونلغاز) في الحملة، من خلال إنشاء أشرطة وقائية تحت خطوط نقل الكهرباء ذات الضغط العالي والمتوسط، بهدف الحد من انتقال النيران داخل المحيطات الغابية.
كما أشار إلى «حادثة الحريق التي وقعت بتاريخ 7 أوت 2025 بمنطقة سيدي بوعامر ببلدية بوسفر، والتي أتلفت خلالها النيران مساحة تُقدّر بـ360 مترا مربعا من الأحراش، نتيجة سقوط كابل كهربائي»، وعلى إثر هذا الحادث، برمجت سونلغاز خطة لصيانة وتجديد كافة الخطوط والكابلات الكهربائية المنتهية الصلاحية، بعد الحصول على ترخيص من محافظة الغابات، بهدف تأمين الشبكة الكهربائية داخل الغابات.

المفرغات العشوائية تهدّد الغطاء النباتي

كما شدّد على أن «البلديات تتحمل مسؤولية قانونية مباشرة في تنظيف الغابات من المفرغات العشوائية، إلى جانب ضرورة إنشاء أشرطة عازلة داخل الأملاك الغابية، وذلك وفقا لما ينص عليه المرسوم التنفيذي رقم 44-87، الذي يحدد مهام كافة الجهات المعنية بحماية الغابات.»
وفي هذا السياق، أوضح أن «مصالح محافظة الغابات، بالتعاون مع الإدارات المحلية، أحصت 43 مفرغة عشوائية منتشرة عبر مختلف بلديات الولاية، نتيجة التصرفات غير المسؤولة في التخلص العشوائي من النفايات بمختلف أنواعها.»
وبيّن أن «بلدية أرزيو سجلت أكبر عدد من هذه المفرغات بـ17 موقعا، تلتها بلدية وهران، ثم بوتليليس التي باشرت عمليات تنظيف.» غير أن المحافظ اعتبر أن «هذه الحملات لا تزال غير كافية ولا ترقى إلى المستوى المطلوب في جميع البلديات.»

جهود متباينة في الوقاية من الحرائق

أما فيما يخص مديرية المصالح الفلاحية، فقد أوضح أنها «تقوم سنويا بإنشاء ممرات عازلة في المناطق الزراعية خلال موسم الحصاد، إلا أن الاستجابة من طرف الفلاحين تبقى ضعيفة.» وأكّد أن «مديرية الفلاحة تتابع هذه العمليات، ويفترض أن تقدم حصيلة أسبوعية وقاعدة بيانات للفلاحين المجاورين للمحيطات الغابية، تطبيقا للمرسوم التنفيذي ذاته.»
وفي سياق آخر، أفاد بأن «مديرية الأشغال العمومية تقع على عاتقها مهمة إزالة الحشائش على جانبي الطرقات الولائية والوطنية التي تمر عبر المناطق الغابية.»
ووفقا لأحدث البيانات، تم تهيئة وتنظيف ما يقارب 102 كيلومتر من هذه الطرق، ضمن الأشغال الوقائية الرامية إلى الحد من احتمالات اندلاع الحرائق وانتشارها.

بنية ميدانية متكاملة للتدخل السريع

في الجانب العملياتي، أكد المصدر ذاته أن «جهاز حماية الغابات من الحرائق يتميز بوجود شبكة متكاملة أُنشئت خصيصا داخل المناطق الغابية، وتمثل حجر الأساس في استراتيجية الحماية، إذ تتيح الوصول السريع والفعّال إلى المناطق المهددة.»
وتتضمن هذه الشبكة عددا من المكوّنات الأساسية، من بينها المسالك الغابية التي تسهّل حركة الفرق الميدانية، وأشرطة منع انتشار النار التي تحدّ من توسع الحرائق، بالإضافة إلى نقاط التزود بالمياه التي تُمكّن الفرق من التدخل الفوري.
كما تشمل «مراكز للحراسة يتم تطويرها وصيانتها بشكل دوري، مع التركيز على المناطق الأكثر عرضة للخطر، سواء كانت قريبة من التجمعات السكانية أو داخل المحميات الطبيعية ذات الأهمية البيئية الكبيرة.»
وأشار إلى أن «الولاية تتوفر حاليا على تسع (09) فرق تدخل أولى موزعة على مختلف المناطق الغابية، وتضم كل فرقة عنصرين يعملان بنظام المناوبة داخل أبراج المراقبة التسعة المنتشرة عبر الإقليم.»
ويعزز هذه المنظومة جهاز اتصال راديوي يربط بين الإدارة المركزية، أبراج المراقبة، والإدارات المحلية، مما يضمن تنسيقا فوريا وفعالا في حال وقوع أي طارئ.
وفي ختام تصريحه، دعا رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات لولاية وهران جميع الجهات المعنية إلى الالتزام الكامل بالقوانين وتعزيز التنسيق وتكثيف الجهود، مؤكدا أن «هذا الالتزام يشكل الضمان الأساسي لتفادي الكوارث البيئية والحفاظ على سلامة المواطنين.»
جدير بالذكر أيضا أن إدارة الغابات تُعتبر من أبرز الهيئات النظامية في البلاد، إذ تنفرد بارتداء الزّي الرسمي وتُعهد إليها مهمة الإشراف والمراقبة على مساحة غابية واسعة تُقدّر بنحو 4 ملايين هكتار.
وتتمتع حاليا بسلطة الضبطية القضائية التي تخولها التحقيق والتدخل في المخالفات المرتكبة داخل المجال الغابي، وقد أُسندت إليها مؤخرا مهمة اقتياد المتهمين إلى الجهات القضائية المختصة، مما يستدعي تعزيز إمكانياتها البشرية والمادية، وتزويدها بالتجهيزات الضرورية، بما في ذلك حمل السلاح، وفقا لأحكام القانون المنظم لعملها.
ونظرا لأهمية دورها الحيوي، خاصة في مواجهة التحديات البيئية المتنامية، يُصبح دعم هذه الإدارة وتطوير إمكانياتها ضرورة وطنية ملحّة لضمان استدامة الموارد الطبيعية والمحافظة على الثروة الغابية.