شكّلت الخارطة العمرانية الجديدة التي اعتمدتها السلطات العمومية ووزارة السكن تحوّلا عميقا بفضل المشاريع السكنية المدمجة التي استفادت منها ولايات وبلديات الوطن في مختلف البرامج القطاعية المسجلة استجابة للحركية التنموية، والنمو الديمغرافي المتزايد الذي يدفع حتما الى المزيد من الاحتياجات لتلبية الطلب المتزايد من قبل المواطنين، حيث حرصت السياسة الجديدة على تقديم مواقع وأحياء محاطة بكل الضروريات من مرافق وهياكل عمومية، خصوصا المؤسسات التعليمية والصحية، وهذا عكس الأحياء السابقة التي أخذت مصطلح «المراقد» بسبب غياب هذه الخدمات.
عانت مدن وبلديات بومرداس سابقا من ظاهرة التوسع العمراني شبه العشوائي بظهور أحياء سكنية بلا روح أو ما يعرف بالمدن الجديدة التي جاءت لتخفيف الضغط على المراكز والتجمعات الشعبية التي لم تعد تلبي حاجيات المواطنين اليومية نتيجة الاكتظاظ والاختناق، لكنها فشلت الى حد كبير في لعب هذا الدور الاجتماعي وحتى الاقتصادي بسبب غياب مخططات عمرانية متكاملة وواضحة المعالم نظرا لافتقادها الى أبسط الضروريات والخدمات اليومية أو تأخر تسجيلها وانجازها بالتوازي مع عمليات الإسكان.
وقد أدركت السلطات الولائية والمحلية جيدا هذا الخلل وسوء التقدير مع انطلاق عمليات إعادة إسكان قاطني الشاليهات والسكنات الهشة نهاية سنة 2016، حيث شكل الضغط المتزايد من قبل قاطني هذه الأحياء للإسراع في الترحيل الى مواقع جديدة أغلبها تفتقد للمرافق القاعدية الأساسية كالمدارس والمراكز الصحية، مراكز البريد، ملاحق البلديات التي تعتبر من الأولويات. مما زاد من حدة الضغط على المؤسسات الأصلية التي استقبلت تلاميذ جدد في غياب مقاعد بيداغوجية والأمثلة كثيرة على هذه الأحياء التي عاشت تجربة صعبة أبرزها حي 1588 مسكن ببلدية سي مصطفى، الذي استقبل أيضا عائلات من العاصمة، والذي يعتبر من المواقع الأولى التي دشنت لكنها مجرد عمارات مترامية تفتقد للضروريات حتى لا نتحدث عن المساحات الخضراء ومراكز التسلية والترفيه.
نفس التجربة شهدتها عدة أحياء سكنية كبرى في أغلب مدن بومرداس، منها حي 800 عدل بومرداس، الذي لم يرافق سابقا بمرافق عمومية والأمثلة كثيرة خصوصا المدن الجديدة التي توسعت على أطراف المدن القديمة التي أنشئت في إطار مخططات التهيئة والتعمير، في حين شكلت التجمعات السكنية الفوضوية من تجزئات وتعاونيات حالة استثنائية أخرى صعبت حتى من مهمة إنجاز شبكات مياه الشرب، الصرف الصحي، الغاز الطبيعي وفتح مسالك الطرقات وغيرها من أشغال التهيئة بسبب غياب مخططات البناء، وصعوبة إيجاد عقار عمومي لإنجاز مرفق خدماتي، وكلها تجارب تجاوزتها المشاريع السكنية التي استفادت منها ولاية بومرداس في البرامج الجديدة، حيث تم التركيز كثيرا على هذا الجانب من خلال تقديم مواقع شبه متكاملة ومندمجة بمرافق حيوية تساعد العائلات على الاستقرار وفك الارتباط بالأحياء والمدن القديمة.
مع ذلك تبقى ولاية بومرداس بحاجة الى مخططات عمرانية شاملة، وبنظرة مستقبلية تراعي كل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها حاليا، حيث لا يكفي إنجاز مشاريع سكنية جديدة ومواقع موزعة بين البلديات، بقدر ما هي بحاجة الى أقطاب عمرانية ومدن جديدة تستوعب التحديات المفروضة، وتحقق تطلعات السكان من أجل المساهمة في تصحيح الصورة النمطية لدى المواطنين المتمسكين وجدانيا وعاطفيا بالمدن والأحياء السكنية الشعبية القديمة التي حققت لهم المبتغى، على عكس الأحياء المراقد التي تبقى بنظرهم خاوية، وهي بحاجة الى روح جديدة توفرها المرافق الملحقة.