70 بالمائــة مـن تلاميذ الثانـوي يلجؤون إلى حصص الدعم
مع اقتراب الدخول المدرسي، تعود ظاهرة الدروس الخصوصية إلى الواجهة بقوة، لتتحوّل من مجرّد خيار داعم في مسار التلاميذ إلى ما يشبه الضرورة التي لا غنى عنها، خاصة في أوساط الأقسام النهائية لشهادتي التعليم المتوسّط والبكالوريا. مشهد لم يعد غريباً أن ترى فيه عشرات التلاميذ يتوافدون مساءً على منازل أساتذة أو مدارس خاصة بالدروس التدعيمية واللّغات، يحملون محافظهم وقد أثقلهم عبء الدراسة في العطلة الصيفية.
من أمام إحدى العمارات بوسط مدينة قسنطينة، صادفت «الشّعب» أولياء يقفون في انتظار أبنائهم، بينما تعلو وجوههم ملامح التعب. تقول السيدة «جميلة»، أمّ لتلميذ في السنة الرابعة متوسّط: «لم أكن مقتنعة يوماً بالدروس الخصوصية، لكنني وجدت نفسي مجبرة عليها بعدما لاحظت أنّ ابني لا يستوعب الدروس في القسم... لا خيار لنا سوى تخصيص جزء من الميزانية ليبدأ دروس الدعم قبل انطلاق السنة الدراسية، لتلافي أي مشكلة في فهم الدروس واستيعابها». أضافت أنّ ابنها رفض بدء دروس الدعم في العطلة الصيفية، لكنها أصرّت عليه وأقنعته بها.
ضغط نفسي ومالي
يعترف التلاميذ أنفسهم بأنّ هذه الدروس صارت طوق النجاة، وإن كان ذلك على حساب راحتهم. يوضّح «إسلام»، تلميذ في شعبة العلوم التجريبية: «لا يمكن أن أتصور اجتياز البكالوريا دون دعم إضافي في الرياضيات والفيزياء، فالأستاذ في القسم يشرح لمجموعة كبيرة ولا يتسنى له متابعة كل واحد منا».
غير أنّ هذا «الاستنجاد» يفرض على المراهقين ساعات طويلة من الجهد والضغط. وقال إنه في البداية كان رافضاً للدراسة في العطلة، لكنّ الخوف من الفشل في نيل شهادة البكالوريا جعله يبدأ دروس الدعم في المواد الأساسية كالرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية مع بداية شهر أوت. أما في السنة الدراسية فيقسم وقته بين مقاعد الدراسة نهاراً وقاعات الدروس الخصوصية ليلاً.
عدد من الأساتذة لا ينكرون أنّ ثقل البرامج وكثرة التلاميذ في القسم يجعلان من الصعب إيصال المعلومة بشكل فردي، وهو ما يبرر - في نظرهم - اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
بالمقابل، يتحدث آخرون عن انزلاق الظاهرة نحو التجارة، حيث تُفرض أسعار متفاوتة تتراوح بين 5000 و10000 دينار شهرياً للمادة الواحدة، ما يضع الأسر محدودة الدخل أمام معضلة حقيقية.
لاحظ الأساتذة أنّ الطلبة في السنوات الأخيرة، صاروا يبدؤون هذه الدروس في العطلة الصيفية، خاصة المقبلين على شهادة البكالوريا واللّغات.
أرقام تكشف الواقع
تقديرات غير رسمية تشير إلى أنّ نحو 70 بالمائة من تلاميذ الطور الثانوي يلجؤون إلى الدروس الخصوصية في مواد أساسية كالرياضيات والفيزياء واللّغات، فيما يقارب المعدل 40 بالمائة في الطور المتوسّط. وتشير بعض الدراسات إلى أنّ العائلة الجزائرية قد تنفق ما بين 20 ألفاً و50 ألف دينار سنوياً على هذه الدروس، أي ما يعادل أحياناً ربع دخلها السنوي، في ظل غياب آليات ضبط ومراقبة للقطاع.
ويرى مختصّون تربويّون واجتماعيون، أنّ الدروس الخصوصية تكشف هشاشة المدرسة العمومية التي لم تعد قادرة على احتواء حاجيات التلميذ، معتبرين أنها صارت موازية للمدرسة الرّسمية بل وتهدّد دورها. أما الأخصائيون النفسيون فيحذّرون من الضغط النفسي والإرهاق الذي قد يدفع التلميذ إلى فقدان الحافز، في ظل سباق محموم نحو العلامة والنجاح، خاصة لدى التلاميذ الذين يبدؤون الدراسة في شهر أوت.
وبين ما يعتبره الأولياء استثماراً في مستقبل أبنائهم، وما يراه التلاميذ طوق نجاة، وما يحذّر منه المختصون من آثار سلبية، تبقى الدروس الخصوصية واقعاً قائماً يفرض نفسه سنة بعد أخرى.