طباعة هذه الصفحة

اتّفاقيـة قطاعية تحفّز مشاريع النّسـاء الرّيفيّات

القرض المصغّر..نافذة المرأة الرّيفية على الإنتاج بالجلفة

موسى دباب

 تشهد ولاية الجلفة منذ ديسمبر 2024، وبداية السنة الجارية 2025، انطلاقة فعلية لمرافقة النساء الماكثات بالبيت نحو إنشاء مؤسسات مصغرة، وذلك في إطار اتفاقية قطاعية بين وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، ووزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، تهدف إلى تمكين المرأة الماكثة بالبيت، لا سيما في المناطق الريفية، عبر آلية القرض المصغر. وقد شهدت العملية إقبالا لافتا وتجاوبا واسعا في مختلف بلديات الولاية، بعد حملات ميدانية وتحسيسية واسعة.

 أفاد مدير الوكالة الولائية لدعم وتنمية المقاولاتية بالجلفة، سيد نوي سمير، في حديثه لـ “الشعب”، أنّ العملية انطلقت بعد إمضاء الاتفاقية الوطنية، حيث نظّمت الوكالة حملة تحسيسية واسعة بالتنسيق مع الخلايا الجوارية التابعة لوزارة التضامن، وشملت مختلف بلديات الولاية ومناطقها الريفية التي تعرف تواجدا لنساء غير متمدرسات أو عاطلات عن العمل.
وأوضح المسؤول أنّ الحملة رافقتها فرق المرافقة التابعة لـ “أونجام”، حيث تمّ تقديم شروحات مبسطة حول كيفية إنشاء مؤسسة مصغرة وشروط الاستفادة من الدعم المالي والمرافقة التقنية، كما تمّ التركيز على المشاريع ذات الطابع المنزلي أو الفلاحي أو الحرفي، والتي يمكن للمرأة إنجازها في محيطها دون الحاجة إلى تنقل دائم.
وقال: “واجهنا في البداية بعض الصعوبات المرتبطة بالأعراف الاجتماعية، كتحفّظ المرأة الريفية على التعامل المباشر، لكننا جنّدنا مرافقات من النساء للدخول إلى البيوت والتحدث معهن، بينما تولى الرجال لقاء الأزواج بهدف شرح آلية القرض المصغر والامتيازات الممنوحة”.
ومن بين الأسباب التي شجّعت النساء على الإقبال، وفق مدير الوكالة، إزالة الخوف من التعامل مع الإدارة، وطمأنتهن بأن القرض المصغر لا يحمل أي فائدة بنكية، وهو ما أزال التردد.
وتابع المتحدث يقول “لم ننتظر قدوم النساء إلى مقراتنا، بل توجهنا إليهن مباشرة، حيث يقوم المرافق بتسجيل الراغبات في المنصة الرقمية من عين المكان دون حاجة إلى التنقل، وهذا جزء من فلسفة التسهيل والتمكين التي نعتمدها”.
مشاريع منتجة وتسويق إلكتروني
 وأكّد مدير “أونجام” أنّ الهدف هو “كسر الحاجز النفسي والمجتمعي الذي يمنع الكثير من النساء من التفكير في خلق مشروع ذاتي”، مشيرا إلى أن هناك حالات ناجحة تم تسجيلها، بفضل المرافقة المستمرة والتوجيه السليم.
ومن أبرز النماذج التي سردها مدير الوكالة، حالة أحد المواطنين الذي جاء إلى مصالح الوكالة وزوجته لا تملك إلا بطاقة حرفية في الخياطة، فتم تمويلها بمواد أولية في حدود 10 ملايين سنتيم. وبعد أربعة أشهر -يقول المتحدث - عاد إلينا فرحا، وبيده مبلغا من المال قائلا “خذوا مالكم، لقد فتح الله علينا، ولا يعلم أن التسديد في البنك وليس هنا”، يتابع مدير الوكالة “فقلت له لا تستعجل، اشتري موادا أخرى ووسّع مشروعك، فما زال لديك وقت للسداد..”.
ولاقت المبادرة تفاعلا إيجابيا في الأوساط المحلية، خاصة في البلديات النائية، حيث تمّ تسجيل إقبال نسوي معتبر في لقاءات التحسيس، ما يدل على وجود رغبة قوية في التمكين الاقتصادي، وخلق مصادر دخل ذاتية، تساهم في تحسين الوضعية الاجتماعية للعائلات.
ولفت المتحدث إلى أنّ أغلب المشاريع التي تم تمويلها إلى غاية اليوم تنشط في مجالات الخياطة، إعداد الكسكس، الفلاحة، صناعة الزرابي والقشابية، وغيرها من الحرف المنزلية. وأشار إلى أن “أكثر المشاريع إقبالا كانت في مجال الخياطة، حيث تشتغل المرأة في بيتها بينما يتولى الزوج عملية التسويق خارج المنزل، وهناك من وجد في هذا التعاون العائلي فرصة للخروج من دائرة البطالة”.
وأكّد أنّ “الجهود لا تقتصر على التمويل فقط، بل هناك أيضا دعم ومرافقة في جانب التسويق، سواء من خلال المعارض أو ورشات التسويق الإلكتروني، التي أصبحت وسيلة فعالة للوصول إلى الزبائن دون مغادرة القرية”.
ولفت إلى “تنظيم دورات تكوينية مكثفة على مدار ثلاثة أيام، لتعليم المستفيدات أساسيات تسيير المؤسسة المصغرة، وفهم كيفية التسديد وتطوير المشروع، مع تكييف التكوين وفق طبيعة المنطقة وخصوصيات الفئة المستهدفة. ومن تعذّر عليهن الحضور، تولى الأزواج أو المرافقون تلقي التكوين مكانهن، لتصل المعلومة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”.
من جانبه، كشف مدير غرفة الصناعة التقليدية والحرف بالجلفة، الربيع حمريط، أنّ ما لا يقل عن 1477 حرفية استفدن من التمويل الموجه للمرأة الماكثة بالبيت في إطار “أونجام” خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ضمن استراتيجية دعم الحرف التقليدية وتعزيز مساهمة المرأة في الاقتصاد المحلي.
وبحسب القائمين على البرنامج، فإنّ العملية لم تقتصر فقط على النساء الريفيات أو الماكثات بالبيت، بل شملت مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك فئات تعاني من هشاشة اجتماعية، وحتى بعض الحالات الخاصة كأطفال التوحد، في بادرة شاملة تؤكد البعد الإنساني للبرنامج. وأنّ الهدف الرئيس هو منح الأسر الريفية الهشة مورد دخل قار دون الحاجة للتنقل إلى المدن، مع فتح آفاق جديدة للمرأة في محيطها الاجتماعي والثقافي، خاصة في ظل رفع التخوفات القديمة المتعلقة بالتعامل مع الإدارة أو فكرة الفوائد البنكية.
هذا وتسعى الجهات المعنية إلى تعميم التجربة، وتعزيزها بتكوينات مستمرة ومرافقة لصيقة، لخلق نسيج اقتصادي محلي متماسك تنخرط فيه الأسرة الريفية كمحرك فعال في تحقيق التنمية.