طباعة هذه الصفحة

مهن موسمية كثيرة تنتعش بالمناسبة..

عيد الأضحى..موعـد للأفراح وباب لسعة الأرزاق

أم الخير سلاطني

مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، لا تقتصر أجواء الفرح والبهجة على التحضيرات الروحانية والاجتماعية فحسب، بل تمتد لتشمل حركة اقتصادية نشطة، تفتح أبواب رزق للعديد من الأفراد والعائلات.
 العيد الكبير..كما يُعرف في كثير من ولايات الوطن، هو مناسبة دينية واجتماعية، ينتج عنها طلب متزايد على سلع وخدمات محددة، ما يؤدي إلى ازدهار مهن موسمية تتحرك عجلاتها بوتيرة متسارعة خلال هذه الفترة.

من موال إلى بائع فحم..
في قلب هذه الدورة الاقتصادية الموسمية، يأتي مربي الماشية في المقدمة، فجهودهم التي تستمر على مدار العام لرعاية وتسمين الأضاحي تبدأ في جني ثمارها مع بدء موسم البيع، حيث تتطلب هذه المهنة صبرًا وخبرة واسعة في تربية الأغنام، وتقديمها بأفضل حال للمستهلكين، وعلى خط موازٍ، يظهر تجار المواشي الذين يلعبون دور الوسيط بين المربين والمشترين، ينتقلون بين الأسواق والمزارع، ويستخدمون خبرتهم في تقييم جودة الأضاحي لتقديم أفضل الخيارات للمضحين.
وبعيدًا عن ساحات بيع المواشي، تتألق مهن أخرى لا تقل أهمية، فعيد الأضحى يعني الشواء، وهذا بدوره ينعش مهنا أخرى، على غرار بائعي الفحم والحطب، محلات البقالة الكبرى، وأكشاك البيع الصغيرة وحتى الباعة المتجولين يعرضون كميات كبيرة من الفحم لتلبية الطلب المتزايد عليه خلال أيام العيد.
ويعد نشاط إنتاج وبيع الفحم الفاخر، عبر قرى وبلديات دائرة عقاز في ولاية معسكر، من أبرز النشاطات الاقتصادية الحيوية، التي تزداد انتعاشا بقرب موسم عيد الأضحى، في المنطقة، واستعدادا لعيد الأضحى المبارك، تتجه الأنظار وقوافل تجار الفحم الفاخر، من مختلف ولايات الوطن، إلى بلدية رأس العين عميروش بولاية معسكر، التي تتصدر الريادة الوطنية في إنتاج الفحم “الفاخر”، هذه الصناعة المتجذرة، التي توارثتها الأجيال، تعد شريان حياة لآلاف العائلات، ومورداً رئيسياً للمطاعم ومحلات الشواء في مختلف أنحاء الوطن.
ويتمركز نشاط إنتاج الفحم في خمس قرى رئيسية تابعة لبلدية رأس العين عميروش، أكثرها نشاطا قرية القلانزة، قارون، أهل قادة، الغفافرة، وأهل امحمد، حيث تنتشر في هذه القرى المئات من الحفر التقليدية التي تشكل مواقد الفحم، لتشغل ما يقارب 1000 عامل في المجال، وتتراوح أجور هؤلاء العمال، الذين يتولون إعداد المواقد ومراقبة عملية الاحتراق حتى تحول الخشب إلى فحم، بين 1500 دينار جزائري و8000 دينار جزائري للموقد الواحد، حيث يستغرق إنتاج الموقد الواحد بين 24-48 ساعة من أجل مردود 50 إلى 70 كيس من الفحم بوزن 40-45 كلغ، ويصل سعر الكيس الواحد إلى 1500 دج في عين المكان، بينما يزيد سعره بالتداول بين التجار.

موسم الجزّارين المتنقلين..
لعل أبرز المهن الموسمية المرتبطة بعيد الأضحى هي مهنة الجزار المتنقل، فمع زيادة عدد الأضاحي التي تُذبح في المنازل، يزداد الطلب على الجزارين (الذباحين) ذوي الخبرة، هؤلاء الجزارين، الذين قد يعملون في مهن أخرى خلال بقية العام، يخصصون أيام العيد لذبح وتقطيع الأضاحي، وغالبًا ما يحجزون مواعيدهم مسبقًا نظرًا للطلب الكبير عليهم، وتتطلب هذه المهنة دقة ومهارة وسرعة، مع الالتزام بقواعد النظافة والسلامة.
ولا يمكن إغفال مكانة مُسنّي (شحذ) السكاكين، الذين يكتسبون أهمية خاصة قبل العيد مباشرة، فالجميع يحتاج إلى سكاكين حادة لعملية الذبح والتقطيع، وهؤلاء الحرفيون يقدمون خدمة ضرورية تضمن سهولة وفعالية عملية النحر، حيث يصطف ممتهنو حرفة سنّ وشحذ السكاكين، على الأرصفة والطرقات، لتلبية احتياجات المواطنين من خدمة شحذ السكاكين ولوازم النحر، وعرفت هذه المهنة الموسمية انتعاشا في الآونة الأخيرة، وقفزت أسعارها من 150 دج لخدمة شحذ 4 سكاكين، إلى 500 دج لشحذ نفس العدد، في عملية لا تستغرق أكثر من 15 دقيقة، ما يصنف هذه الحرفة ضمن المهن المناسباتية المربحة.

فرص عمل موسمية متاحة..
تُعد المهن الموسمية في عيد الأضحى مصدر دخل مهم للعديد من العائلات، وخاصة للشباب والطلاب الذين يبحثون عن فرص عمل مؤقتة خلال العطلات، فمن خلال العمل كمساعدين للجزارين، أو بائعين في أسواق المواشي، أو حتى في تقديم خدمات توصيل الأضاحي، يكتسب هؤلاء الشباب خبرة عملية، ويحققون دخلاً يساعدهم على تلبية احتياجاتهم اليومية.
وإن كانت خدمة نحر الأضحية وسلخها من قبل الجزارين الموسميين، تتطلب مبلغا يتراوح بين 2000-5000دج حسب حجم الأضحية، فإن خدمة تقطيعها من قبل الجزارين تتطلب هي الأخرى، سعرا يراوح 2000دج، بينما ظهرت في مواسم عيد الأضحى في السنوات الأخيرة، نشاطات مهنية أخرى، تتعلق بتنظيف وإزالة صوف أطراف الأضحية “البوزلوف”، عن طريق السلخ أو الحرق، وهي نشاطات تقدم لشريحة معينة من العائلات التي تنفر غالبا من متاعب الأعمال المنزلية في عيد الأضحى.
ويُظهر تنوع المهن الموسمية في عيد الأضحى، المرونة الكبيرة التي يتمتع بها سوق العمل خلال المناسبات الخاصة، وكيف يمكن لحدث ديني واجتماعي أن يُشكل محركًا اقتصاديًا يساهم في تنشيط الحركة التجارية وتوفير فرص رزق للعديد من شرائح المجتمع. ومع كل عيد أضحى، تتجدد هذه المهن، لتُثبت أن للعيد بهجة روحية واجتماعية، وأيضًا نبضًا اقتصاديًا لا يمكن إغفاله.