طباعة هذه الصفحة

يـــقـــام كـــل ســـنـــة في إطـــار تـــظـــاهـــرة الـــرّبـــيـــع الـــبـــلـــيـــــدي

معرض الورود يكسو البليدة حلّة بهيجة

أحمد حفاف

 

يعود الربيع البليدي كل سنة في فصل الربيع ويلبس مدينة الورود حلة رائعة، كما ينعش الحركة التجارية للناشطين في إنتاج الورود والزهور ونباتات الزينة، والمختصين في تحويل النباتات الطبية والعطرية إلى مواد تجميل وزيوت أساسية وطبيعية.


 انطلقت فعاليات الربيع البليدة في التاسع من شهر أفريل الحالي بإقامة معرض تجاري للورود ومختلف النباتات التي تتميز بها المنطقة سواء في سهل “المتيجة” أو جبال الأطلس البليدي، قبل أن تفتتح التظاهرة رسميا مطلع الأسبوع الحالي من قبل رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني ابتسام حملاوي وبحضور منتخبين محليين وناشطين جمعويين.
فضلا عن طقوس أخرى توارثتها العائلات البليدية، فإن أهم ما يميز هذا الموروث اللامادي هو إقامة معرض الورود وسط المدينة، بساحة الحرية في نهج باب السبت وشارع العيشي عبد الله المؤدي إلى ساحة التوت بنهج باب الجزائر، فهذه الأماكن العتيقة تُعتبر قلب المدينة ويقصدها السكان للتسوق والتجول على حد سواء.
حديقة تسر النّاظرين
شكّلت خيم المشاركين في معرض الورود حديقة رائعة بالهواء الطلق، فمشهد الورود ونباتات الزينة المعروضة يسُر الناظرين المارين بالمكان خاصة النساء اللواتي تحرصن على تزيين بيوتهن، ولو أن الرجال لا يترددوا في شراء أجمل الورود وتقديمها كهدايا.
صحيح أن الربيع البليدي موروث ثقافي واجتماعي، لكن معرض الورود تجاري ويشكل فرصة مهمة للربح بالنسبة للناشطين في إنتاج شتلات النباتات، وكذا هؤلاء الذين ينتجون ماء الورد بطريقة تقليدية أو متطورة، ولأن التظاهرة تدوم لأكثر من شهر، فهي تتيح لعشاق الورود من الولايات الأخرى الوقت الكافي لزيارة البليدة واكتشاف روعة النباتات، بل يُمكن استغلالها كأداة جذب سياحي ضمن إبراز المقومات السياحية للمنطقة، فالمعرض لا يقل شأنا عن الأماكن الأثرية أو المناظر الطبيعية الخلابة.
كما يشكل معرض الورود متنفسا حقيقيا للعائلات البليدية ويجذب السياح المحليين والأجانب، وبالتالي فهو يقدم قيمة مضافة للاقتصاد بالنظر إلى تشجيع الشباب على العمل في المشتلات، فضلا عن مضامينه الثقافية للتعريف بهوية المنطقة وقيم مجتمعها الأصيل.
ماء الورد الأصيل
في جولة قادتنا إلى هذا المعرض، لفت انتباهنا جميلة بوشارب المختصة في إنتاج الزيوت الطبيعية والأساسية وبعض مواد التجميل، كما أنها ترأس مجلسا مهنيا ولائيا للنباتات الطبية والعطرية، حيث تعرض بعض منتوجاتها مثل زيت الضرو الطبيعي المفيد لأمراض الصدر وماء الورد الذي يكون أصليا إذا ما استخلص من الوردة الدمشقية المعروفة باسم “المسكية” في البليدة بحسب قولها، وتزهر هذه الوردة في شهر ماي بحسب تعبيرها.
أقرّت بوشارب بأن المجتمع البليدي تغير مقارنة بما كان عليه في الماضي، ولم يعد يحرص على غرس نباتات الزينة والورود، كما أن تغيير نمط الهندسة المعمارية في البناء من الأسباب التي أدت إلى تخلي كثير من العائلات عن عاداتهم، ولم يعد في البنايات الحديثة وسط الدار أين كانت العائلات تغرس الورود وأشجار الطيبة من الياسمين والفل والمسك، وأشجار الليمون الذي يستخدم لتحضير عصير “الشاربات”.
وأضافت بالقول: “يُطلق على البليدة مدينة الورود لكثرة الورود بها، ففي القدم كانت العائلات تغرس الورود في فناء المنازل مما يشعرها براحة البال وتستخدم أجهزة تقطير تقليدية لاستخلاص ماء الورد منها..على الأجيال القادمة أن تتمسك بعادات الأجداد، وأن يهتموا أكثر بالنباتات الطبية والعطرية ويخصصوا لها مساحات لزراعتها لأنها مهمة بالنسبة لصحة الإنسان ولها دور مهم في البيئة”. وتابعت: “كانت العائلات في البليدة تستخدم ماء الورد التي تستخلصه من الورد المغروس وسط الدار وتستخدمه لتنكيه القهوة ولحد الآن مازال البعض منها يتمسك بهذه العادة، لكن مع الأسف هناك من باع منزله العتيق، وتخلى عن غرس الورد وحل محله بناية شاقولية تحجب أشعة الشمس لا مكان فيها لوسط الدار”.
النّباتات الطبية والعطرية
من جهتها استعرضت مريم بوقلقال، مسيرة مشتلة في بلدية بني مراد تجربتها في مجال إنتاج الورود بالقول: “بدأنا في مؤسستنا منذ سنة ونصف بزراعة نباتات الزينة مثل القاطيفا والورود ثم توجهنا نحو إنتاج النباتات الطبية والعطرية، وهذا بعد ازدهار نشاط إنتاج الزيوت الأساسية في البليدة، وكان من الضروري أن نوفر للفاعلين في هذا المجال المادة الأولية مثل نباتات العطرشة والنعناع والحبق والإكليل والزعتر”.
وتحدّثت بوقلقال عن إنتاج الورود في مشتلتها التي تتربع على مساحة نصف هكتار في ديار البحري: “يستهويني حقا مجال تخصصي لكن العمل فيه صعب جدا، فمثلا كي نضمن الاستمرارية في الإنتاج ينبغي أن نحوز على البيوت البلاستيكية التي نستخدمها في زراعة الشتلات”. وأضافت تقول وهي تعرض منتوجاتها بساحة الحرية: “مجال التزيين بالنباتات في تطور مستمر والناشطين فيه يسعون لتوفير أنواع وأصناف جديدة من الورود، فمثلا العام الماضي شهد معرض الورود ترويج شجيرة الياسمين المدى الأشقر التي تُباع بأكثر من مليوني سنتيم، وهناك أيضا نبتة للزينة أصلها من الصين يُطلق عليها اسم السرخس، وشجيرة التويا التي تشبه أشجار البستان وهي صنف أجنبي أيضا”. وختمت قولها: “نأمل في أن تدعمنا الدولة بتخصيص مساحات لنا لزراعة النباتات الطبية والعطرية، وهذا بغرض استغلالها في مجال مهم أي صناعة الزيوت ومواد التجميل، الذي يقبل عليه الشباب بشكل لافت خاصة في ولاية البليدة التي معظم أراضيها غابية تعتبر بمثابة ثروة نباتية”.
ويشارك في معرض الورود المئات من الناشطين في مجال المشتلات وتُجار وكذا مختصون في التقطير والزيوت ومواد التجميل، لكن شكلت نباتات الزينة الأغلبية الساحقة من المنتوجات المعروضة مع وجود قليل من شتلات الأشجار المثمرة مثل الرمان والليمون، الذي كان في السابق يكاد لا يخلو منه بيت من بيوت العائلات البليدية.