طباعة هذه الصفحة

الرياضــة الجزائرية.. مسيرة نضال وإنجازات خالدة

مـن تحـدي المشاركـة إلى التنظيـم ونيـل الألقــاب

نبيلة بوقرين

 لم تكن الرياضة في الجزائر مجرّد وسيلة للترفيه أو التسلية، بل كانت بمثابة محور جدّ مهم من أجل دعم القضية الوطنية إبّان حقبة الاستعمار الفرنسي، لأنها كانت تحمل في طياتها هدف دعم الثورة التحريرية المجيدة، وكسرت الحصار الذي فرض عليها، ما جعلها تكون بمثابة سلاح ناعم وفعال في مسيرة النضال الوطني، ونحن اليوم نستذكر أهم الإنجازات التي حقّقتها الرياضة الجزائرية قبل وبعد الاستقلال، بمناسبة الذكرى 63 لعيدي الاستقلال والشباب المصادف لتاريخ 5 جويلية من كل عام.

تمكّنت الرياضة الجزائرية وبفضل أسماء ستبقى خالدة في التاريخ من لعب دور محوري قبل الاستقلال للتعريف بالهوية الوطنية، حيث كانت بمثابة منصة حقيقية في مختلف المحافل الدولية والتي تحولت بعد انتزاع الحرية إلى ورشة كبرى لإنتاج الإنجازات والتي كلّلت بالتتويجات التي عزّزت من مكانة الجزائر إقليميا ودوليا، ورسخت صورة مشرقة عن طريق الرياضيّين الذين تداولوا على حمل المشعل منذ أكثر من 6 عقود في مختلف الاختصاصات وفي أعلى المستويات، لأنّ الهدف المباشر كان التعريف بالجزائر المستقلة.
تحدي كبير لم يكن سهلا بالنسبة لرياضيّين أرادوا أن يواصلوا حمل المشعل، الذي رفعه لاعبو فريق جبهة التحرير الوطني الذين تركوا الامتيازات ولبّوا نداء الوطن فكانوا بمثابة القدوة لأبناء بلدهم عقب الاستقلال، ليبدأ تحدي جديد تمثّل في ضرورة الانضمام للهيئات الرياضية الدولية والتواجد في مختلف الاستحقاقات العالمية وليس للمشاركة فقط، بل من أجل الصعود لمنصات التتويج ورفع الراية وإسماع النشيد الوطني قسما أينما حلوا، رغم صعوبة المهمة في ظل قلة الإمكانات.
الحنكة والدقة للمسيّرين الرياضيّين في كنف الجزائر الفتية صنعت الفارق وكسرت الحواجز والعراقيل، والبداية كانت من خلال الالتحاق باللجنة الأولمبية الدولية سنة 1963، لتُسجّل أول مشاركة أولمبية لها في طوكيو 1964، من خلال رياضة الجمباز ممثلا في رياضي واحد وهو محمد يماني، كما كان الانضمام إلى الهيئات الرياضية الدولية والإفريقية والإقليمية، بفضل جهود رياضيّين ومسيّرين أمثال محمد معوش، مصطفى العرفاوي وغيرهم، حيث بدأت بالانخراط في 12 اتحادية دولية، كما كان لهم الفضل في تأسيس هيئات والمشاركة في تعديل نصوص قانونية بذكائهم وحنكتهم.

الألعاب المتوسطية 1975..المنعرج

 المهمة لم تقتصر على المشاركة في الاستحقاقات الرياضية، بل تعدت ذلك إلى السعي لتنظيم دورات دولية بارض الوطن، وكانت أول محطة سنة 1963 من خلال احتضان دورة مغاربية في اختصاص السباحة وكرة الماء، ليأتي الموعد الأكبر من خلال تنظيم الألعاب المتوسطية في طبعتها السابعة بالجزائر العاصمة سنة 1975، وبالرغم من الإمكانات البسيطة وغياب الخبرة لمثل هذه المنافسات الكبرى إلا أنّ التحدي صنع المستحيل، وتمكّنت اللجنة المنظمة من إنجاح الموعد من كل الجوانب تنظيميا ورياضيا، حيث شهدت إدراج 18 اختصاصا ومشاركة 15 دولة بمجموع رياضيّين بلغ 2095 رياضي.
الرهان لم يقتصر على التنظيم بل تجاوز ذلك حيث كانت حصيلة الجزائر 20 ميدالية منها 4 ذهبيات، 7 فضيات و9 برونزيات احتلت من خلالها المركز الثامن في الترتيب العام، أبرزها أول ميدالية ذهبية التي نالها بوعلام رحوي في اختصاص 3000 متر موانع، والتي أعطت دفعا معنويا كبيرا لبقية التعداد، حيث نال منتخب كرة القدم بقيادة رشيد مخلوفي الذهبية في نهائي مثير ضد المنتخب الفرنسي، 3 ميداليات في الملاكمة، برونزية حبشاوي في سباق 10 آلاف متر، برونزية محمد ماضي في سباق 5000 متر، كل ذلك كان بعدما تم إنجاز عديد المرافق المهمة أبرزها القاعة البيضاوية، ملعب 5 جويلية، قاعة حرشة …إلخ.

تتويج المنتخب الوطني باللّقب القــاري سنــة 1990…

 نجاح الألعاب المتوسطية جعل من الجزائر قبلة لمختلف التظاهرات الرياضية، على غرار البطولة الإفريقية لكرة اليد سنة 1976، احتضان الألعاب الإفريقية سنة 1978 والتي كانت ثاني أكبر حدث رياضي تحتضنه الجزائر، ليأتي الموعد مع الرياضة الأكثر شعبية في العالم سنة 1990 أين احتضنت الجزائر كأس إفريقيا للأمم، حيث كان بمثابة نجاح كبير في التنظيم ونيل اللقب الأول بمجموعة من اللاعبين بقيت أسماؤهم محفورة في ذاكرة عديد الأجيال، الذين عاشوا الحدث في ملعب 5 جويلية الأولمبي، بحضور جماهيري كبير صنع صورا جميلة، كما احتضنت الجزائر عديد المواعيد على غرار البطولة الإفريقية للكرة الطائرة رجال سنة 1993 والتي نالت خلالها النخبة الوطنية اللقب. بالإضافة إلى البطولة الإفريقية لكرة السلة سنة 1996، البطولة الإفريقية للكرة الطائرة سيدات سنة 2009 والتي توجّت بها شبلات الجزائر، البطولة الإفريقية لكرة اليد 2014 سيدات ورجال حيث نال المنتخب الوطني رجال اللقب السابع بقاعة حرشة، بطولة العالم لكرة اليد لأقل من 21 سنة في 2017، الألعاب الإفريقية للشباب سنة 2018، الألعاب المتوسّطية التي عادت مجدّدا سنة 2022 والتي كانت بمدينة وهران، وفي سنة 2023 تجدّد الموعد مع الساحرة المستديرة من خلال بطولة إفريقيا للاعبين المحليين (الشان) والذي كان في أربعة مدن صنع خلاله الجمهور أجواء خيالية بحضور العائلات في المدرجات في كل من العاصمة، قسنطينة، عنابة ووهران.

الحضـور الأولمبي.. منتظـم

 سجّلت الجزائر مشاركتها في 15 طبعة ضمن الألعاب الأولمبية أي أنها لم تتخلّف منذ سنة 1964، حيث تملك في رصيدها 20 ميدالية منها 7 ذهبيات 4 فضيات و7 برونزيات أين دشّن العداد في اختصاص الملاكمة محمد زاوي وموسى مصطفى، وكذا محمد بحاري في لوس أنجلوس سنة 1984، بينما كانت أول ذهبية للجزائر أولمبيا عن طريق حسيبة بولمرقة التي نالت الذهب في برشلونة 1992، تلاها نورالدين مرسلي، بنيدة مراح، حسين سلطاني، توفيق مخلوفي، كيليا نمور وإيمان خليف، والفضة كانت من نصيب: علي سعيدي سياف، عمار بن يخلف، والبرونز لكل من: صورية حداد، عبد الرحمان حماد، جمال سجاتي، محمد علالو، سعيد قرني جبير، إضافة إلى ذوي الهمم الذين تألقوا في الحدث البارالمبي أين تملك الجزائر 96 ميدالية منها 28 ذهبية.
أما بالنسبة للرياضات الجماعية تبقى كرة اليد الأكثر تتويجا بـ 7 ألقاب كاملة على الصعيد الإفريقي من مجموع 15 نهائي نشّطه الفريق الوطني منذ سنة 1976 عندما احتل المركز الثاني، وسنة 1979 أين احتل المركز الثالث ليسيطر بعدها على الساحة القارية لخمس طبعات متتالية سنوات 1981، 1983، 1985، 1987، 1989، ليحتل الوصافة سنة 1991، وعاد للتربّع على العرش القاري سنة 1996، و2014، مع مشاركات منتظمة ضمن بطولة العالم لـ 17 مرة، 4 مشاركات في الألعاب الأولمبية، التتويج بذهبية الألعاب المتوسطية باللاذقية سنة 1987.
بينما كان التتويج الثاني للمنتخب الوطني باللقب القاري سنة 2019 بمثابة محطة تحوّل لأنّ الحدث كان استثنائيا، حيث عادت العناصر الوطنية باللقب من مصر بعدما كان “الخضر” قد حقّقوا اللقب الأول سنة 1990 بالجزائر.. إضافة إلى المشاركة في كأس العالم أربعة مرات سنوات 1982، 1986 2010، 2014، والتأهّل للدور الثاني في إنجاز تاريخي في دورة البرازيل، إضافة إلى تتويجات الأندية الجزائرية حيث نالت مولودية الجزائر لقب كأس إفريقيا للأندية البطلة سنة 1976، فريق شبيبة القبائل الذي نال 6 كؤوس قارية سنوات1981، 1990، 1995، 2000، 2001، 2002، وفاق سطيف نال لقبين لرابطة أبطال إفريقيا سنتي 1988، 2014، كأس السوبر الإفريقية سنة 2015، اتحاد العاصمة فاز بكأس الكونفيدرالية الإفريقية سنة 2023 وكأس السوبر الإفريقي.