في اليوم 653 من حرب الإبادة الصّهيونية اشتدت أزمة التجويع في قطاع غزة، وباتت أعداد ضخمة من المجوَّعين في حالات خطيرة وعرضة للموت بسبب نقص الغذاء. وفي السياق طالبت فلسطين بتحرّك دولي لوقف إبادة التجويع التي تطال الغزّاويّين وسط لا مبالاة دولية مقيتة.
طالبت فلسطين بتحرّك دولي فوري لوقف “إبادة التجويع” الصّهيونية في قطاع غزة، أفاد بذلك حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني، أمس السبت، في منشور عبر منصة إكس.
وقال الشيخ إنّ “القيادة الفلسطينية وجّهت رسائل عاجلة إلى دول العالم وقادتها، وطالبتهم بالتحرّك الجاد والفوري لوقف إبادة التجويع التي تُمارَس بحق الشعب الفلسطيني وتفتك بالأطفال في غزّة”. وأضاف الشيخ أنّ “العار يلاحق الضمير الإنساني الصامت على ما يجري، ويجب وقف هذه الحرب فورا وإنقاذ الشّعب الفلسطيني”.
”حماس” تدعو إلى حراك عالمي اليوم
من جهتها دعت حركة “حماس” إلى حراك عالمي، اليوم الأحد، ضدّ سياسة التجويع الممنهج التي تنفذها سلطات الاحتلال في قطاع غزة، والإبادة الجماعية المتواصلة.
وقالت في بيان أمس السبت: “نداء للأمة والأحرار في العالم لحراك عالمي إنقاذا للشّعب الفلسطيني في قطاع غزة من الموت قصفاً وجوعاً وعطشاً، ليكن الأحد والأيام القادمة صرخة غضب عارمة في وجه الاحتلال الصّهيوني وضد التجويع الممنهج في قطاع غزة”.
وطالبت الحركة أحرار العالم بإطلاق “كل أشكال المسيرات الجماهيرية الحاشدة، والفعاليات التضامنية، ورفع الصوت عاليا، وممارسة كل الضغوط السياسية والدبلوماسية والبرلمانية والعمالية والطلابية، تضامنا مع غزة وضدّ حرب الإبادة والتجويع، حتى وقف العدوان الوحشي وإنهاء الحصار الظالم”. وختمت قائلة: “لتتضافر كل الجهود عربيا وإسلاميا ودوليا، ولنكن صوتا واحدا تضامنا مع قطاع غزة وضدّ حرب الإبادة والتجويع لأكثر من مليوني فلسطيني”.
وتشهد غزة مجاعة غير مسبوقة بفعل سياسة التجويع التي تنتهجها سلطات الاحتلال الصّهيوني ضمن حرب الإبادة الجماعية المستمرة، ما أدى إلى أوضاع إنسانية كارثية في مختلف مناحي الحياة، وسط تحذيرات من انهيار صحي شامل.
ومنذ 2 مارس الماضي، يغلق الكيان الصّهيوني جميع المعابر مع القطاع، ويمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبّب في ارتفاع جنوني بأسعار المواد التموينية الأساسية المتوفّرة، وشحّها في الأسواق.
وأعلنت وزارة الصحة في غزّة، الجمعة، أنّ “أعدادا غير مسبوقة من المواطنين المجوعين تصل إلى أقسام الطوارئ بحالة إعياء شديد”، محذّرة من أنّ “مئات منهم معرّضون للموت نتيجة الجوع، خصوصا بين الأطفال والمسنين والنساء”.
طفلي يبكي من الجوع في البيت
هذا، ورصدت وسائل الإعلام شهادات صادمة من داخل غزة، إذ لم يتناول العديد من الناس أي وجبات خلال يومين كاملين على الأقل، ما يعني أنّ غزة تعيش أسوأ كارثة في تاريخها.
ويروي مشهد في سوق “النصر” غرب مدينة غزة وجعاً جماعياً اختصرته صرخة أبٍ فلسطيني يبحث عبثاً عن الطحين لإطعام طفله الجائع. ففي مقطع مصور تداوله الفلسطينيّون على نطاق واسع، أطلق الشاب محمود كردية، نداء يائسا، ناشد فيه العالم إنقاذ ابنه الصغير، الذي أنهكه الجوع في ظل الحصار الصّهيوني القاتل وشحّ المواد الغذائية.
وقال كردية بحرقة: “ابني طلب مني رغيف خبز، فخرجت إلى السوق.. ساعات وأنا أبحث عن الطحين فلم أجده، لا أطلب مساعدة، أريد شراء الطحين فقط فلا أجده”، وصرخ: “طفلي يبكي من الجوع في البيت.. هذه مهزلة، نريد طحيناً، نريد أن نأكل.. حسبنا الله ونعم الوكيل”. وطالب الشاب الثلاثيني، العالم بوقف الحرب فوراً، والعمل على فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.
مسنّ يسقط مغشيا عليه من شدّة الجوع
وفي مشهد آخر لا يقل قسوة، سقط المسنّ نافذ خليل، مغشياً عليه من شدة الجوع والإعياء في سوق “أبو إسكندر” بحي الشيخ رضوان في مدينة غزة، وهو يبحث عن طعام لأبنائه.
وقال خليل إنه وأطفاله لم يذوقوا طعم الخبز منذ خمسة أيام حين نفدت آخر كمية من الطحين في خيمتهم بمدينة غزة. وأضاف الرجل الستيني، وملامح الضعف تعتري وجهه الشاحب: “استشهد اثنان من أبنائي، وأُسِر الثالث، وأنا أعيل بقية أبنائي وأحفادي، وأعاني من عدة أمراض، ولا أجد ما أصبّرهم به بعدما وصل بنا الحال لما نحن عليه”.
مرحلة “الماء والملح” على الأبواب
في الأثناء، يقول فلسطينيون طالتهم المجاعة إنهم يفكّرون في بدء تناول الماء والملح، عقب عجزهم عن توفير أيّ من أنواع الغذاء.
وبالخصوص، يقول النازح من مخيّم جباليا، أبو صخر إنه يهيّئ نفسه وعائلته المكونة من 8 أفراد لبدء مرحلة تناول الماء والملح خلال الساعات القادمة، بعد أن فشل في توفير أي نوع من الغذاء لعائلته، خصوصا الطحين الذي يصنع منه الخبز، والذي يعتبر الغذاء الأساسي في القطاع.
ويشدّد أبو صخر أنّ خياره الآن اللّجوء إلى تناول الماء والملح لمنع تعفّن الأمعاء، التي لم يصل إليها غذاء منذ نحو يومين كاملين، محذّرا في الوقت نفسه من موت بطئ للمجوعين في غزة. قائلا: “أشاهد جيراني خصوصا من النساء وكبار السنّ يتساقطون أمامي بسبب شحّ الأكل والطعام، ويتمّ نقلهم إلى المستشفيات المكتظة بالجرحى والمرضى”.
ولم تكن مريم البراوي أفضل حالا، فقد لجأت إلى تناول الماء والملح فعليا منذ أيام، في محاولة لمواجهة المجاعة ونفاذ الطعام من الأسواق، فضلا عن غلاء ما يتوفّر منها. وتقول مريم وهي تذرف الدموع: “منذ يومين وأنا أصنع شوربة كذابة لأطفالي الأربعة، أقوم بوضع الماء والملح على النار، وأضيف إليها القليل ممّا يتوفّر من البهارات ونحتسيها بعد ذلك على أنها شوربة”.
الموت جوعا أو رميا بالرّصاص
وفي ظل هذه الإبادة المريعة، مازالت قوافل الشهداء تتلاحق بسبب الجوع. وقد توفيت بمستشفى شهداء الأقصى، الرضيعة سناء اللحام (عام ونصف) متأثرة بسوء التغذية، لترتفع حصيلة وفيات الأطفال جرّاء الجوع إلى 69 طفلا، فيما بلغ إجمالي الوفيات المرتبطة بنقص الغذاء والدواء 620 حالة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.
وكشف المكتب أنّ نحو 650 ألف طفل في غزة معرّضون لخطر الموت بسبب الجوع. وعبر وسم “غزة_تموت_جوعاً”، شكا آلاف الفلسطينيّين عبر منصات التواصل من نفاد المواد الغذائية، وعدم قدرتهم على توفير الحد الأدنى من الطعام لأطفالهم