استعاد الصحراويون، أمس، الذكرى 52 لتأسيس جبهة البوليساريو، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي، في سياق يتسّم باستمرار الكفاح المسلح ضد المحتل المغربي ووسط تحقيق إنجازات سياسية ودبلوماسية لصالح القضية الصحراوية، في انتظار تحرك مسار السلام المتوقف منذ سنوات.
وجاء تأسيس جبهة البوليساريو وهي اختصار “للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” كحركة تحرير وطنية في 10 ماي 1973 بهدف النضال ضد الاستعمار الاسباني آنذاك، واسترجاع سيادة الشعب الصحراوي على كامل تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، والذي يقع جزء منه حاليا تحت الاحتلال المغربي.
وقد تبنت جبهة البوليساريو خلال انعقاد مؤتمرها التأسيسي شعار “بالبندقية ننال الحرية”، وأعلنت مباشرة بعد تأسيسها وبالضبط في 20 ماي من نفس السنة، بدء الكفاح المسلح من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واسترجاع السيادة على كامل تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، آخر مستعمرة في افريقيا.
التفاف شعبي واعتراف أممي
وساهم التفاف الشعب الصحراوي حول جبهة البوليساريو، التي قادت ولاتزال إلى يومنا هذا النضال من أجل نيل الاستقلال، واعتراف منظمة الأمم المتحدة -وفقا لقرار الجمعية العامة 37/34 الصادر عام 1979- بأن الجبهة هي “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي”، مستندة في ذلك على التقرير الذي أصدرته بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في الصحراء الغربية عقب زيارة قامت بها في جوان 1975 إلى الأراضي الصحراوية المحتلة، وخلصت فيه إلى أن “جبهة البوليساريو هي القوة السياسية المهيمنة في الإقليم” وأنها “تحظى بدعم كل الشعب الصحراوي”.
وتحل ذكرى تأسيس جبهة البوليساريو مرة أخرى، وسط استمرار الكفاح المسلح الذي أجبر الصحراويون على استئنافه ردا على انتهاك المغرب في 13 نوفمبر 2020 لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991، وذلك من خلال اعتداء قوات الاحتلال على مدنيين صحراويين على مستوى الثغرة غير القانونية بالكركرات.
وتعد ذكرى تأسيس جبهة البوليساريو مناسبة تجدد فيها هذه الأخيرة تصميمها على تحرير كامل التراب الصحراوي عبر الكفاح المسلح، ولتذكير المجتمع الدولي بأن الحل الواقعي والوحيد للقضية الصحراوية يظل تنظيم استفتاء حر وشفاف يسمح للشعب الصحراوي بممارسة حقه في تقرير المصير.
إنجــازات قانونيــة
ويعتبر القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 79 في ديسمبر 2024 والذي أكدت فيه من جديد الإطار القانوني لقضية الصحراء الغربية كمسألة إنهاء الاستعمار، احدى الانجازات الهامة للشعب الصحراوي.
وبالنسبة لممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة والمنسق مع بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، محمد سيدي عمار، فإن هذا القرار “يشكل إعادة تأكيد جديدة من قبل الأمم المتحدة على الوضع القانوني الدولي للصحراء الغربية وعلى حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال”.
إلى ذلك، حقق الشعب الصحراوي بقيادة ممثله الشرعي والوحيد، انتصارات قانونية “تاريخية” مؤخرا. فبعد سنوات طويلة من تزوير الاحتلال المغربي للحقائق التاريخية والقانونية لإقليم الصحراء الغربية وإبرامه سنة 2019 اتفاقيتين مع الاتحاد الأوروبي تتعلقان بالزراعة والصيد البحري امتدتا بشكل غير قانوني إلى الصحراء الغربية، أبطلت محكمة العدل الأوروبية (أعلى هيئة قضائية في الاتحاد الأوروبي) في 4 أكتوبر 2024 بشكل نهائي الاتفاقيتين.
أحكــام تُديـن الاحتـلال
وأعادت المحكمة التأكيد على أنه “فيما يتعلق بالقانون الدولي، تتمتع الصحراء الغربية بوضعها الخاص والمتميز” مقارنة بوضع المغرب. واعترفت مرة أخرى، بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب باعتبارها هيئة “قانونية دوليا وممثلا للشعب الصحراوي وقادرة على اتخاذ الإجراءات القانونية أمام جميع المحاكم الأوروبية”، كما أوضحت أن موافقة الشعب الصحراوي (وليس سكان الصحراء الغربية)، على هذه الاتفاقيات كانت من “الشروط الأساسية” لصحتها.
واعتبر قرار إلغاء الاتفاقيتين بمثابة نجاح جديد للشعب الصحراوي في نضاله من أجل ممارسة حقه في تقرير المصير و«انتصار قانوني” بعدما رفضت محكمة العدل الأوروبية الاستئناف الذي قدمه مجلس ومفوضية الاتحاد الأوروبي ضد قرار المحكمة الأوروبية بإلغاء الاتفاقيتين اللتان تتضمنان بشكل غير قانوني أراضي الصحراء الغربية.
كما رفضت محكمة العدل الأوروبية في ذات القرار طلبا من المفوضية الأوروبية يرمي إلى تشويه التركيبة السكانية للصحراء الغربية وألغت تطبيق اتفاقية الطيران بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في الصحراء الغربية، وهي القرارات التي تؤكد، مرة أخرى، أن المغرب ليس لديه سيادة أو تفويض لإدارة الأراضي الصحراوية.
الحــلّ يحسمـــه مجلـــــس الأمــــن
إلى ذلك، تواصل القضية الصحراوية حشد المزيد من الأصوات الداعمة والمتضامنة مع كفاح الشعب الصحراوي من أجل تقرير المصير ونيل الاستقلال عبر مختلف قارات العالم، إذ تعد “مسيرة الحرية” من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين في سجون الاحتلال - التي انطلقت في 30 مارس الماضي من الأراضي الفرنسية مرورا بإسبانيا الى غاية وصولها المنتظر الى المغرب في جوان المقبل والتي تحشد في كل مرة مزيدا من المنخرطين - إحدى مظاهر التضامن الواضحة مع كفاح الشعب الصحراوي وقضيته العادلة.
ويبقى الصحراويون في انتظار تحمل مجلس الأمن الدولي مسؤولياته عبر الضغط على المحتل المغربي من أجل إلزامه بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالنزاع في الصحراء الغربية ومخطط التسوية الأممي-الإفريقي الذي ينص على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وإنهاء احتلال آخر مستعمرة في إفريقيا.