لا تزال الحالة السورية تثير اهتمام خبراء الإستراتيجية والسياسات الدولية بشكل عام خاصة وأن هذه الحالة كانت حبلى بمفاجآت أخلطت حسابات المنظّرين والمتنبئين بمآلات تلك الحرب ، حيث انه وبينما أجمعت كل التقارير الإعلامية والاستخبارية على سقوط الحكومة السورية بمجرد اندلاع الأحداث ورحيل بشار الأسد بقي هذا الأخير ورحل أغلب الذين طالبوا برحيله؟.
اليوم وبعد 8 سنوات من حرب طاحنة في هذا البلد - الذي واجه هجمة إرهابية شرسة شبيهة بتلك التي تعرضت لها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي - هاهويدشّن مرحلة جديدة تتمثل في إعادة الاعمار ولكن يبدوأن المراحل تتغير ولكن المطامع نفسها ، فكما حركّت معاول التخريب بالأمس هاهي تسيل اليوم لعاب من يريدون الظفر بحصة من كعكة نهاية حرب ممزوجة - للأسف- بدماء وأشلاء الأبرياء؟.
في إطار النقاشات الدائرة حول سوريا ، احتضن المركز الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة بعد ظهر الخميس ندوة – نقاش في إطار سلسلة لقاءاته الدورية “قواسم دولة” بعنوان “الراهن في سوريا : رهانات ، فاعلون وتحديات” ، ندوة حاول منظموها الاطلاع أكثر على خبايا الحرب السورية التي لم تقل كل ما في جعبتها بعد ؟ ، فالمختصون والمحللون مازالوا دائما وعبر مقاربات مختلفة ومناهج متعددة التعرف على الدوافع والأسباب الحقيقية لحرب خلّفت أكثر من ربع مليون قتيل وملايين أخرى من النازحين والمهجرين ؟ .
ضابط المخابرات الأسبق ومستشار الذكاء الاقتصادي بالرئاسة الفرنسية ، آلان جويلي ، ضيف مركز الدراسات الاستراتيجية الشاملة ، عاد في مقدمة صغيرة استهل بها مداخلته الى وصف الوضع في سوريا قبل الحرب ، مؤكدا أنها كانت بلدا آمنا ومستقرا يتعايش فيه الجميع بسلام وأنه على الصعيد الاقتصادي كانت هناك وتيرة نمووازدهار لابأس بها إلى غاية بروز رهانات جيو- طاقوية ، لخصّها المحاضر في تصارع مشروعين دفع ثمنهما الشعب السوري وهما أنبوبا غاز يمران عبر سوريا لتموين القارة الأوربية ورهان الظفر بالصفقة حوّل سوريا - حسب ضابط المخابرات الفرنسية الأسبق - إلى نار ورماد ، فمن جهة هناك الأنبوب القطري ومن الجهة المقابلة ينافسه آخر ينطلق من إيران وصولا إلى أوربا عبر كل من سوريا والعراق ، الا أن اختيار بشار الأسد للأنبوب الايراني جعل هذا الأخير في مرمى نيران الكثير من الدول ومن بينها قطر والسعودية اللتان دعمتا بقوة المعارضة السورية للإطاحة بالأسد - حسب ألان جويلي- الذي ذكّر كذلك في السياق بالدعم الكبير الذي كانت تقدمه إسرائيل للمعارضة المسلحة السورية ، مؤكدا أن ذلك لم يعد سرا وأن أبسط أوجه هذا الدعم كان معالجة جرحى ومصابي المعارضة بمشافي إسرائيلية بهضبة الجولان المحتل.
ضابط المخابرات الأسبق شدّد خلال مداخلته على أن هناك الكثير من زوايا الظل في الحرب السورية تستحق تسليط الضوء أكثر ويجب أن تطرح بشأنها - حسبه- تساؤلات ومنها لماذا أغفلت قوات التحالف بقيادة واشنطن ، التي كانت تحارب الإرهاب في سوريا استهداف الشاحنات التي كان يستعملها “داعش” لتصدير النفط السوري إلى تركيا ؟ ! بينما وبمجرد تدخل موسكوفي سوريا العام 2015 ، كان أول ما قامت به قواتها هواستهداف تلك الشاحنات ، مما ضرب - حسبه- المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية وأدى إلى إضعاف المجهود الحربي لتنظيم “داعش” الإرهابي وجعله عاجزا عن دفع المغريات المالية لعناصره التي كانت تأتي أساسا من بيع النفط السوري ؟ ! .