طباعة هذه الصفحة

بسكـرة تحيي الذّكـرى الـ 80 لوفاتـه

بيلا بارطوك..مجري عشق الموسيقى الجزائرية

بسكرة: عمر بن سعيد

نظّمت جمعية “موزاييك للثقافة والفنون والحفاظ على تراث بسكرة” تظاهرة فنية وثقافية، إحياء لذكرى الملحن والموسيقار المجري “بيلا بارطوك” الذي استهوته الموسيقى والإيقاعات الشعبية المحلية، التي قام بتسجيلها وإدماجها في الموسيقى الكلاسيكية الغربية في بداية القرن العشرين.

 نظّمت التظاهرة بالتنسيق مع سفارة المجر بالجزائر، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، وتضمّنت إقامة معرض للآلات الموسيقية التقليدية لمنطقة الزيبان، ومعرض تشكيلي للفنانين مراد تابرحة وفاطمة بن حركات، ببهو فندق موريس لابون، إضافة إلى سهرة فنية مشتركة بين فرقة مجرية وفرقة “دندون” المحلية لموسيقى الديوان، التي كانت محل دراسة وتسجيل من طرف الموسيقي المجري الذي زار بسكرة سنة 1913.
كما قدّم البروفيسور الجراح مولود أونوغان من تيزي وزو محاضرة حول المسار الموسيقي والفني للموسيقار المجري بيلا بارطوك، المولود سنة 1881، حيث ذكّر المحاضر بزيارة هذا الفنان إلى منطقة الزيبان سنة 1913، وتنقله إلى عدة قرى وبلدات من أجل جمع ودراسة الموسيقى العربية الشعبية ببسكرة، مشيرا إلى أن هذه المقطوعات الشعبية ألهمت خياله، واستثمرها في تدويناته عن الموسيقى ذات الإيقاعات الفلكلورية.  
واستعرض المحاضر أيضا مسيرة بيلا بارطوك، الذي وصفه بالموسيقي العظيم الذي ترك بصمته في عصره وتجربته وطموحه، وتوجهه في التحرر من قيود الأكاديمية للموسيقى الكلاسيكية الأوروبية في زمانه، موضحا أهمية زيارته للجزائر سنة 1913، والتي جمع وسجّل خلال إقامته ببسكرة على آلة الفونوغراف أسطوانات للأغاني الشعبية لسكان بسكرة وسيدي عقبة والقنطرة، وقام بدراستها وإدماجها في أرشيفه الموسيقي الغني، وحسبه ـ فإن بارطوك كان يرغب في تحديث وإزالة الغبار عن الموسيقى الكلاسيكية، الأمر الذي دفعه لتجميع الموسيقى الشعبية من عدة مناطق من العالم، وقد عكف بمساعدة زوجته على تسجيل الأغاني والموسيقى الشعبية الجزائرية في 180 قطعة صوتية في حيز زمني فاق خمس ساعات.
ورغم أنّه لم يدمج جميع الألحان التي جمعها من الحقل الإثنوغرافي الجزائري في مؤلفاته، يقول المتحدث: “إلا أنه فضل الموضوعات والنغمات الإيقاعية، وصيغ المرافقة الإيقاعية لعناصر الموسيقى الشعبية. حيث يلاحظ تشبع العديد من بالموسيقى الشعبية العربية، مثل الديو للقيثارة رقم 42، والسلسلة للبيانو العمل 14 والحركة الثانية من الرباعي الوترين، والعديد من القطع الأخرى، وهي نتاج اهتمامه بعمق بالألحان الشعبية الجزائرية الخام والتي لم تتلوث بتقنيات الحداثة”.
وللتذكير، فإنّ للمحاضر وهو في الأصل جراح مخ وأعصاب، عدة مساهمات تندرج ضمن توجهه، باعتباره ملحنا وعازف بيانو ومؤلفا، حيث أصدر كتابا بعنوان “حوار الثقافات الموسيقية، خرافة أم واقع”، بهدف فهم المدى الذي يتم فيه تنفيذ التزاوج الموسيقي، وما هي حصة التراث الموسيقي الجزائري في أعمال الموسيقار المجري الراحل.
وقد اختتمت التظاهرة بحفل سادت فيه الموسيقى من خلال عزف مشترك للفرقة المجرية وفرقة دندونة، والتي أعادت أداء قطع موسيقية للموسيقار بيلا بارطوك، وقد عبّر سفير مجر في الجزائر الذي حضر التظاهرة بالامتنان لرؤية ذكرى بارطوك حية في بسكرة، وهو أمر سيفتح سبل الصداقة والتواصل بين البلدين، من خلال هذه الروابط التاريخية التي يمكن تعزيزها من خلال هذا التراث الموسيقي، الذي يعتبر أجمل حلقة وصل بين الجزائر والمجر.