الواقــع الافتراضـي وسيلـة للتسويـق الثقافـي وجــذب السيــّاح
أكدت مسؤولة المواقع الأثرية بالديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بالجلفة، ليلى بن عيسى، في حديثها لـ»الشعب»، أن الجزائر دخلت فعليا مرحلة رقمنة التراث الثقافي والأثري، غير أن المسار ما يزال في بداياته. وأوضحت أن هذه الجهود تتوزع على مستويات مختلفة تشمل التوثيق الرقمي، المسح الثلاثي الأبعاد، وتطوير تطبيقات تفاعلية موجهة للجمهور.
أشارت ليلى بن عيسى إلى أن الجزائر «شهدت إطلاق عدة مبادرات رقمية بارزة، من بينها تطبيق Discover Algeria الذي أُنجز بالشراكة بين وزارة الثقافة ومؤسسة ناشئة، ويتيح التعريف بالتراث عبر صور وفيديوهات عالية الجودة ومسارات تفاعلية متعددة اللغات. كما جرى تدشين منصة ساكودو الرقمية والخريطة الأثرية الوطنية سنة 2021، التي تضم أكثر من 15 ألف موقع أثري عبر مختلف ولايات الوطن».
وأضافت: «وفي مجال التوثيق ثلاثي الأبعاد، شملت الرقمنة مواقع مصنفة عالميا مثل تيمقاد بمشروع إعادة البناء الافتراضي، وتيبازة التي رُقمنت بها 1251 قطعة أثرية باستعمال الماسح البصري، إضافة إلى تحديث الأطلس الأثري بورقلة بقاعدة بيانات رقمية متكاملة. كما امتدت الجهود إلى الأرشيف الوطني والمخطوطات لحفظها إلكترونيا، بالتوازي مع دراسات أكاديمية حول رقمنة الأطلس الأثري بالاعتماد على نظم المعلومات الجغرافية (GIS)».
وترى المتحدثة أن الجزائر «تملك رصيدا تراثيا وثقافيا غنيا ومتنوعا يؤهلها لتكون وجهة سياحية طبيعية وثقافية بامتياز، بفضل موقعها الاستراتيجي، مساحتها الشاسعة وخصائصها الطبيعية المتنوعة».
وأكدت الأستاذة بن عيسى أن السياحة الافتراضية تمثل أفقا واعدا لإبراز المعالم والمواقع الأثرية، حيث قالت: «نتحدث عن السياحة الافتراضية للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية القديمة التي مازالت قائمة وتؤرخ لأهم الفترات والحضارات، ضاربة في عمق ما قبل التاريخ من خلال لوحات الفن الصخري، النقوش والرسومات أو ما يعرف بالحجر المكتوب، إضافة إلى الحضارات القديمة التي عرفتها الجزائر».
وأضافت: «إن تقنيات الواقع المعزز (AR) تسمح بدمج عناصر رقمية مثل الصور، الفيديوهات والنصوص التعريفية بالمواقع والمعالم، وتحويلها إلى بيئة محاكاة حقيقية تجعل السائح يعيش تجربة الماضي بكل تفاصيلها. فزيارة موقع أثري من فترة ما قبل التاريخ، على سبيل المثال، تعني أن السائح ينتقل إلى البيئة الإنسانية والحيوانية والنباتية التي كانت سائدة، ليعيش أفكارا ومعتقدات وأساليب حياة إنسان تلك الحقبة، بما فيها مقاومته للطبيعة وتفاعلاته الاجتماعية».
وترى متحدثة «الشعب» أن «تقنيات الواقع الافتراضي تشكل فرصة لتسويق الموروث الثقافي الجزائري وجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم»، مشيرة إلى أن هذه التكنولوجيا أصبحت أداة تسويقية فعالة للمنتج الثقافي، خاصة عبر المتاحف الرقمية والمنصات الإلكترونية. كما أن هذه الوسائط تتيح للسائح أن «يخوض تجربة ميدانية متكاملة دون أن يغادر مكانه، كالتجول افتراضيا في مدينة تيمقاد الرومانية أو مشاهدة النقوش الصخرية في سيفار بالصحراء الكبرى، تماما كما تفعل إيطاليا مع الكولوسيوم أو مصر مع المعارض الافتراضية لأبو الهول».
وشددت المتحدثة على أن «هذه التجربة التفاعلية لا تلغي الزيارة الميدانية، بل تعززها، وتفتح شهية السائح للتعرف عن قرب على العادات، الأزياء، الموسيقى والأطباق التقليدية».
كما توقفت الأستاذة عند جملة من التحديات، رأت أن أبرزها «الحاجة إلى تمويل معتبر للمشاريع الرقمية، نقص الكفاءات التقنية المتخصصة في برمجة الواقع الافتراضي وربطه بالآثار، ضعف البنية التحتية للإنترنت مقارنة بالدول الرائدة، وكذا غياب تشريعات حديثة تواكب التحولات الرقمية، حيث إن قانون حماية التراث الثقافي الصادر سنة 1998 ركز أساسا على الجوانب المادية التقليدية دون أن يتضمن حماية
النسخ الرقمية أو المحتوى الافتراضي».
لكنها قالت: «إن هذه التحديات لا تحجب الفرص المتاحة، خصوصا مع وجود طاقات شبابية مبدعة في الإعلام الآلي، واهتمام رسمي متزايد بالتحول الرقمي». وأشارت إلى أن «رقمنة مواقع مثل قصور وادي ميزاب، مدينة جميلة الأثرية، وآثار زكار بولاية الجلفة، يمكن أن تقدم صورة عصرية للتراث الجزائري تستقطب السائح الأجنبي الباحث عن تجربة مختلفة».
كما دعت بن عيسى إلى «ضرورة إدماج تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز في المهرجانات التراثية والثقافية، بما يجعلها متاحة للعالم أجمع، ويساهم في تحسين صورة الجزائر دوليا». مؤكدة أن الجزائر «أمام فرصة تاريخية لتواكب ثورة الرقمنة وتحول تراثها إلى تجربة حية يعيشها العالم، حتى لا تظل أسيرة الأساليب التقليدية»، مشددة في الوقت ذاته على «أهمية التكامل بين وزارتي الثقافة والسياحة، الجامعات، وشركات التكنولوجيا الناشئة، من أجل تحويل التراث الجزائري من مجرد ذاكرة محفوظة إلى تجربة افتراضية نابضة بالحياة».