يستضيف رواق «زوار آرت» بالعاصمة، إلى غاية الرابع من سبتمبر المقبل، معرضا فنّيا للفنان العصامي فيصل بركات، الذي جعل من الريشة نافذة يطل من خلالها على ذاكرة الأمكنة وروحها. ويحمل المعرض عنوان «أماكن»، وهو عنوان لا يكتفي بالتسمية، بل يترجم فلسفة الفنان في النظر إلى المكان باعتباره كيانًا حيًا نابضًا بالتاريخ والوجدان.
يضم المعرض 28 لوحة زيتية ومائية، تشكل في مجموعها رحلة بصرية وشعورية في فضاءات بسكرة، تلك المدينة التي تغفو على حافة الصحراء الكبرى وتنهض كواحة خضراء بين كثبان الرمال وجبال الأوراس. بين أحيائها القديمة وعمارتها التقليدية، وبين وديانها الغنّاء وجسورها الطبيعية، يرسم بركات بلمسات انطباعية واقعية عالماً يتأرجح بين الحلم والذاكرة، وبين الوفاء للأصل والانفتاح على الخيال.
لوحات بركات ليست مجرد مشاهد مرسومة بدقة تقنية، بل هي احتفاء بالهوية المعمارية لمدينة بسكرة، وتوثيق بصري لمعالمها التي تقاوم الزمن، من «مشونش» المعلقة على صخور الجبال، إلى «القنطرة» بجسرها العتيق الذي كان ولا يزال بوابة بين الشمال والجنوب، مرورًا بـ حديقة «لاندون»، حيث يلتقي عبق التاريخ بجمال الطبيعة، وغابة «بوخالفة» التي تختزن أسرار الطفولة والبراءة، وصولًا إلى قرية «شتمة» التي تُعدّ منبع إلهام لا ينضب.
وفي كل لوحة، يفتح الفنان نافذة على ذاكرة جماعية، ويمنح الزائر فرصة لتأمل علاقة الإنسان بالمكان، وكيف يصبح الحجر والجدار والواحة والشارع جزءا من الذاكرة الحيّة..إن المتأمل في أعماله يدرك سريعًا أن بركات لا يرسم المكان كما هو، بل كما يعيشه ويشعر به؛ فهو ينقل حرارة الشمس على الجدران الطينية، وملمس الريح على أشجار النخيل، وصوت المياه في الواحات.
ومن الناحية الفنية، ينتمي بركات إلى تقاطعات بين الواقعية والانطباعية، حيث يتأثر بقدرة الأولى على نقل التفاصيل الدقيقة، وبحساسية الثانية في التعامل مع الضوء واللون. كما يستلهم من تجارب فنانين جزائريين وأجانب سبق لهم أن افتتنوا بسطوع الضوء الصحراوي وثراء ألوان الجنوب الجزائري. لكن ما يميّز تجربته أنه استطاع أن يصوغ منها أسلوبا شخصيا يحتفي بالمكان ويعكس علاقة وجدانية حميمة معه.
من خلال هذا المعرض، يقدّم فيصل بركات تجربة تتجاوز حدود التشكيل، ليحوّل اللوحة إلى ذاكرة حيّة تحفظ للأمكنة روحها، وتؤكد أن الفن قادر على إبقاء الجمال حاضرا مهما على مرّ الزمن.